أليشيا بولر *
كيف بمقدور المرأة أن تجد لها مكانًا في مجال التقنيات المزدهر بالعالم العربي؟ تستكشف أليشيا بولر كيف تقود بعض السيدات المشهد من أجل التغيير.
مع زيادة تركيز دول مجلس التعاون الخليجي على التنويع الاقتصادي وتنامي وتيرة تطوير البرمجيات وثقافة الشركات الناشئة في منطقة المشرق العربي وشمال أفريقيا، فمن المتوقع أن يلعب قطاع التقنيات دورًا محوريًا في تطور المنطقة. وقد بدأت بالفعل مبادرات المدن الذكية المرتكزة على التقنيات في دولة الإمارات العربية المتحدة في جذب الانتباه من كافة أنحاء العالم، كما يكتسب العالم العربي بشكلٍ عام شهرة أكبر كمنطقة يمكن للابتكارات التقنية أن تزدهر فيها.
يعمل النمو في قطاع التقنيات على دفع عجلة الابتكار وكذلك توفير الوظائف في المنطقة، مع عدم تأثره بسنوات طويلة انتشرت فيها قرصنة البرمجيات في منطقة الشرق الأوسط. وتتيح الحوسبة السحابية، على سبيل المثال، مكافأة المطورين على ما يبذلونه من مجهود، كما أن هناك إدراكاً قوياً في الوقت الراهن بأن الفوائد الاقتصادية للبنية التحتية الشبكية القوية والقيّمة التي يمكن تحقيقها بفضل التقنيات هي الآن أكبر بكثير من أي وقتٍ مضى. ومع ذلك، فإن الانحياز القوي للرجال في قطاع التقنيات على الصعيد العالمي موجود بشكلٍ أكبر في منطقة الشرق الأوسط، حيث تنخفض نسبة النساء العاملات في هذا القطاع بفارقٍ كبير.
تبلغ نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة بالمنطقة، 26.9 بالمئة فقط، وهو ما يقرب من نصف المتوسط العالمي (51.7 بالمئة)، وذلك وفقًا للبنك الدولي. وتشير النتائج إلى أن النساء، اللائي يشكلن 41 بالمئة من إجمالي سكان دول مجلس التعاون الخليجي، لا يمثلن سوى 16 بالمئة من إجمالي القوى العاملة.

وفي هذا الصدد، تقول ميريام بيرت، نائب رئيس قطاع التجزئة بمجموعة مدراء المعلومات لدى شركة جارتنر: “تواجه المنطقة ندرة عامة في مجال تقنية المعلومات من حيث الكفاءات اللازمة لاستغلال الثورة التقنية التي ستدعم وجود نماذج جديدة للنمو الاقتصادي”.
وتضيف بيرت بأن الفجوة التي تعاني منها المنطقة من ناحية المعروض من الكفاءات العاملة في مجال التقنيات تزداد بسبب انخفاض نسبة تمثيل المرأة في القوى العاملة بشكلٍ عام. “وبالتالي، فمن الضروري أن يعمل مجال التقنيات على إيجاد حلول لمواجهة التحدي الذي يفرضه إشراك المزيد من النساء في القوى العاملة. ويُعد ذلك أمرًا بالغ الأهمية في تعزيز مكانة دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التجارة والأعمال”.
وقد أثبت إشراك المزيد من النساء في القوى العاملة، تحقيق تحسن كبير في الإنتاجية على الصعيد الوطني وفي التنافسية على الصعيد العالمي. إذ أفاد تقرير لصندوق النقد الدولي نشر في أواخر عام 2013 أن “زيادة نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة، مقارنةً بنسبة الرجال في بعض البلدان، من شأنها أن تؤدي، على سبيل المثال، إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة خمسة بالمئة في الولايات المتحدة، وبنسبة تسعة بالمئة في اليابان، وبنسبة 12 بالمئة في الإمارات العربية المتحدة، وبنسبة 34 بالمئة في مصر”.
من المؤسسات التي تسعى إلى إحداث تغيير في هذا المجال، منظمة “ريتش” Reach غير الهادفة للربح التي تأسست في دبي عام 2014 لتقديم الخدمات الإرشادية للنساء بالمنطقة، في محاولةٍ لتعزيز مشاركة القيادات النسائية بالقوى العاملة الإقليمية. وتفيد السيدة باميلا شيخاني، وهي مؤسس مشارك في منظمة “ريتش” ورئيس قسم تطوير الأعمال والاتصالات في شركة الواحة للاستثمار والتي يقع مقرها بدبي، بأن قطاع التقنيات من بين محاور التركيز بالغة الأهمية بالنسبة للمنظمة.
وقد أوضحت ذلك بقولها: “شهدت منطقة الشرق الأوسط سلسلةً من الإنجازات المهمة في مجال تمكين المرأة، ومع ذلك فإن التحيّز في مكان العمل تجاه جنس معيّن وندرة النماذج النسائية التي يُحتذى بها من بين المعوقات الرئيسية التي تواجهها النساء العاملات في مجال التقنيات بوقتنا الحاضر”.
وعلى الرغم من تزايد تقبّل عمل المرأة في مجال التقنيات حالياً، إلا أنه لا تزال هناك أيضًا تحيّزات مرئية وغير مرئية بشأن قدرتها ومدى التزامها بذلك. ووفقًا لتقرير حديث أعدته رابطة مراجعة ومراقبة نظم المعلومات “ISACA”، وهي رابطة مهنية دولية تركز على مجال حوكمة تقنيات المعلومات، فإن النساء يفتقرن إلى وجود من يوجههن ومن يقتدين به وكذلك لوجود فرص تواصل قوية.
وتقول السيدة باميلا شيخاني أن منظمة “ريتش” تأسست بسبب تزايد الحاجة إلى تقديم الخدمات الإرشادية بشكلٍ يومي، ليس في مجال التقنيات فقط، بل في كافة المجالات أيضًا. ومع ذلك، فإنها ترى أن العائد الأكبر يكمن في قطاع التقنيات، حيث تقول: “من شأن معالجة المشكلات المتعلقة بالتحيّز القائم على الجنس أن يعزز الأدوار التي تلعبها المرأة كشريك رئيسي في بناء مستقبل المنطقة مع النظر إلى التقنيات باعتبارها إحدى الركائز الأساسية للمجتمع”.
وتتفق كلير ماكبيك، مديرة الاتصالات في شركة ساب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع الرأي القائل بأن تقديم الخدمات الإرشادية للنساء ينبغي أن يكون في صميم السياسات الخاصة بالنهوض بالمرأة في مجال التقنيات. كما توضح أن تسريع وتيرة التدرج الوظيفي للمرأة يبدأ من المستويات العليا في الإدارة. “فعندما يكون لديك إدارة عليا تدرك أهمية التنوع بين الجنسين في تنمية الشركة وتشجيع البرامج والمبادرات التي تهدف إلى جذب الكفاءات النسائية وتطويرها والإبقاء عليها – فإن ذلك النهج يتفوق ويشكل جزءًا من ثقافتنا الحالية. ويتوقع المحللون أنه بحلول عام 2020، سيشكل جيل الألفية 50 بالمئة من القوى العاملة. وتتمتع منطقة الشرق الأوسط بنسبة كبيرة من الشباب بين السكان، إلى جانب قاعدة من الكفاءات النسائية العالية التي يمكن التعويل عليها لتحقيق النمو”.
وتفيد السيدة بيرت التي تعمل لدى شركة جارتنر أن مجال التقنيات بحاجة إلى دراسة و”استيفاء” عوامل التمكين على المدى القصير والمدى البعيد، وذلك لدعم وزيادة تطوير المرأة في هذا المجال. وتؤكد أن “هذه التدابير لا تعني دائمًا بالضرورة “التمييز الإيجابي” لصالح المرأة، بل الرغبة في الاستثمار الذي يهدف لإيجاد أفضل الكفاءات ورعايتها في أوساط الرجال والنساء على حدٍ سواء وعلى قدم المساواة”.
وتقترح بيرت أنه، على المدى القصير، ينبغي على الشركات تقديم التدريبات العملية، ولاسيما المتخصص منها، بشكلٍ أكبر وإتاحة الفرصة لزيادة المعرفة “العملية”. كما اتفقت مع مكبيك أيضًا في التأكيد على أهمية إعداد برنامج للتوجيه، و”الأنظمة المساندة”، وبرامج للتطوير المهني. وتشمل التدابير الأخرى بعيدة المدى التي اقترحتها السعي نحو رعاية المرشحين الملائمين لشغل المناصب الإدارية، وتطبيق سياسات موارد بشرية ملائمة للأسرة، ورعاية جوائز الابتكار.
على المدي البعيد، تؤكد بيرت أن جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومات والجامعات وشركات التقنيات، مسؤولة عن الاستثمار في الموارد اللازمة لتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفتيات والسيدات وكذلك زيادة الوعي بتكافؤ الفرص في مجال التقنيات للرجال والنساء على حدٍ سواء.
وتقول لودي لهدو، المدير العام لشركة سيرفكورب الشرق الأوسط: “من الأهمية بمكان أن نستبق اتجاهات مجال التقنيات وأن نتأقلم على نحوٍ سريع مع ما يحدث من تغيّرات – حيثُ لا توجد أي علامات تشير إلى تباطؤ وتيرة التطور التقني. ومن الأهمية بمكانٍ بالنسبة للمرأة أن تدخل إلى ذلك المجال وأن تتعلّم منه، سواءً من خلال فعاليات التواصل أو ورش العمل – ويُعَّدُ تبادل المعرفة أمرًا أساسيًا في ذلك”.
ستظل المرأة العربية عاملًا أساسيًا لدفع عجلة التغيير في قطاع التقنيات وفي القوى العاملة بشكلٍ عام. حيثُ يمكن للمرأة البدء في إحداث التغيير من خلال تحطيم “الحواجز غير المرئية” والاستثمار في التعليم والتطوير المهني، فبمساعدة ودعم بعضهنَّ البعض، يمكنهنَّ البدء في دفع عجلة التغيير.
- كاتبة أمريكية