سارة أوكونور*
إذا كانت قصة العلاقات الصناعية حتى الآن تدور حول الصراع بين رأس المال والعمال، ربما نكون قد وصلنا الى منعطف في مسار الأحداث. الاقتصاد الرقمي الجديد يهدد بالاطاحة بكل من المساهمين والعاملين مع تحيز الادارة لطرف ثالث كان قد تم تهميشه حتى الآن. الزبائن الذين لم يعرهم المديرون التنفيذيون اهتماما كبيرا، في طريقهم الى الهيمنة. «الزبون دائما على حق» لم يعد مجرد شعار أجوف ترفعه الشركات.
يرى نيكولا كولن، المؤسس المشارك لشركة الاستثمار «ذى فاميلي»، التحول في السلطة كنتيجة حتمية للطريقة التي تعمل بها الشركات الرقمية. فهي بحاجة الى ما يكفي من المستخدمين لخلق مدى وحجم وتأثير. ومن دونهم فان نموذج عملها ببساطة لا يعمل. «لم يعد أقوى طرف في المعادلة الموظفين أو المساهمين، بل العملاء» بحسب ما قاله في مؤتمر دراكر فورم للادارة السنوي في فيينا الشهر الماضي.
أمازون تعتبر مثالا ممتازا على ذلك. اذ كان الرئيس التنفيذي جيف بيزوس حذر المساهمين في شركته في رسالة شهيرة عام 1997 أن أمازون «ستركز بلا هوادة على عملائنا» وقيادة السوق من خلال «الربحية على المدى القصير». وأنها ستجعل موظفيها يتصببون عرقا في خدمة هؤلاء العملاء. «ليس من السهل أن تعمل هنا.. لكننا نعمل على بناء شيء مهم».
بالطبع، هناك الكثير من القطاعات (المرافق وشركات الطيران والمستحضرات الصيدلانية، على سبيل المثال لا الحصر) لا يزال الزبائن فيها بعيدين عن هذه السلطة. وحتى في المجالات التي يكسبون فيها أرضية وزخما، قد لا يحافظون عليها لفترة طويلة. العديد من المستثمرين في شركات مثل أمازون يعتقدون أنه في نهاية المطاف، وفور أن تبلغ هذه الشركات حجما وهيمنة كافيين، سيجني المساهمون ثمار ذلك. لكن في الوقت الراهن، العملاء في الاقتصاد الرقمي هم من بيدهم السلطة.
لكن هذا ليس بالخبر السار للعمال. فلأن الزبائن يريدون توصيلا رخيصا في نفس اليوم من تجار التجزئة، يتقاضى العديد من السائقين أجرا بحسب القطعة لكل طرد ولا يمكن أيضا التنبؤ بساعات عملهم. ولأن الزبائن يريدون أوبر أن تقلهم الى أي مكان يريدون الذهاب اليه، فان السائقين لا يعرفون وجهة المستخدمين الا بعد أن يركبوا السيارة. ولأن الزبائن يريدون أن يتم توصيل وجباتهم الغذائية الجاهزة بسرعة وأن تكون ساخنة عند الوصول، فان عاملي التوصيل في «ديلفيرو» أمامهم 30 ثانية فقط للرد على الخوارزمية التي تسيطر عليهم.
انخفاض الأسعار يعني تدني الأجور. السرعة والموثوقية والراحة تعني الضغط والمراقبة وساعات عمل لا يمكن التنبؤ بها. وبعبارة أخرى، فان نفس الأشياء التي تجعل من هذا الأمر وقتا رائعا ليكون فيها المرء مستهلكا، تجعله وقتا عصيبا أن يكون فيها المرء عاملا.
ويعتقد كولن أن من الذكاء بالنسبة للعمال والنقابات أن يقوموا ببناء تحالفات مع الطرف الأقوى الجديد. وقد يعني ذلك الدعوة لعدد أقل من الاضرابات التي عادة ما تضر بالزبائن، وبذل المزيد من الوقت لاستقطاب أفضل ما في طبائع العملاء. بعد كل شيء، معظمنا هم مستهلكون وعمال في نفس الوقت. حملة الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة «الكفاح من أجل 15 دولارا»، على سبيل المثال، أقنعت بعض عملاء الرعاية المنزلية بالانضمام وتوحيد الجهود مع العاملين في مجال الرعاية المنزلية للمطالبة بأجور وظروف عمل أفضل.
ومع ذلك، يتطلب الأمر قدرا كبيرا من التفاؤل للاعتقاد بأن العملاء سوف يتحركون بشكل جماعي لانقاذ العمال، خاصة اذا كان المقابل هو ارتفاع الأسعار أو خدمة أبطأ. وقد حقق مبادرات مثل التجارة النزيهة، التي تصادق على المنتجات التي تعامل على المنتج النهائي بطريقة لائقة، نجاحا لكنها تبقي متخصصة.
أجريت سابقا لقاء مع رجل يعمل في أمازون أصيبت قدماه بتقرحات بسبب المسافة التي يمشيها كل يوم داخل المستودع وتتراوح ما بين 7 الى 15 ميلا. وقال ان الشركة تتعامل معه ومع زملائه كانسان آلي يمكن التخلص منه. لكنه كان ولا يزال من عملاء أمازون. وقال بلا مبالاة انه يمكن أن يرى المفارقة هنا، لكنها (أمازون) رخيصة وفعالة وجيدة في ما تقوم به.
* فايننشال تايمز باتفاق مع صحيفة القبس الكويتية