
عندما تحط طائرة ما على مدرج مطار دبي الدولي أحد أكثر مطارات العالم ازدحاماً، فهناك احتمال كبير أن تكون شركةGE هي التي أنتجت محركاتها. تقول داليا المثنى، رئيسة شركة General Electric ورئيستها التنفيذية في منطقة الخليج: “تزود الشركة 50 % من محركات طائرات شركة . Emirates كما ترى أن أضخم أعمال المجموعة الأميركية في دول الخليج تتركز في صناعة الطيران، سيما أنها حققت صفقات تساوي مليارات الدولارات لصالح الشركة في الأعوام الأخيرة”.
ولأنها قائدة الشركة في منطقة الخليج، تؤدي المثنى دورًا أساسياً في تأمين تلك الصفقات. لكن، بالرغم من الأرباح الضخمة الناتجة، لا تحتل صناعة الطيران في نهاية الأمر سوى جزء ضئيل من أنشطة الشركة في الخليج.
فيما تشرف الرئيسة التنفيذية على عدد من مجالات العمل في المنطقة، من قطاع الطاقة المتجددة إلى قطاع الرعاية الصحية. وهي شخصية محورية في شركة فعالة على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لقد حققت صانعة محركات الطائرات، والمحركات النفاثة العاملة بطاقة الرياح والقطارات، إيرادات بلغت 17.8 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العام الماضي، مرتفعة من 16 مليار دولار في عام 2015 . كما حققت إيرادات بلغت 123.7 مليار دولار حول العالم في عام 2016 .
وتوظف الشركة أكثر من 300 ألف موظف في عموم مناطق انتشارها في العالم، وتعمل في عدد من القطاعات، أبرزها: الطيران، وتوليد الطاقة الكهربائية، والنفط والغاز. في حين عينت GE داليا المثنى كرئيسة ورئيسة تنفيذية لها في منطقة الخليج قبل 3 أعوام، وأوكلت إليها فورًا مهمة تعميق الصفة المحلية للشركة في الإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر. إنها استراتيجية تتقن تنفيذها بتفرد وأسلوب خاص.
ولدت داليا المثنى ونشأت في إمارة دبي، وهي أول إماراتية تعينها مجموعة أميركية للإشراف على منطقة الخليج. وقد بدأت الشركة بإعدادها لتولي المنصب في عام 2010 ، عندما أصبحت أول إماراتية تتخرج من برنامج القيادة التجارية المتمرسة للشركة، والذي يستمر لمدة عامين. لتكون اليوم عضوًا بارزًا في فريق القيادة الإقليمية، لإحدى أكبر شركات العالم بلا منازع.
على صعيد المنطقة، ترفع المثنى تقاريرها إلى نبيل حبايب، المشرف على الشركة في مناطق الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وتركيا. وهما إلى جانب الرئيس التنفيذي للشركة في المملكة العربية السعودية هشام البهكلي، مسؤولون عن تسيير أعمال الشركة في منطقة تتقدم فيها باستمرار.
لقد أسست GE علاقاتها التجارية في منطقة الشرق الأوسط قبل 80 عاماً، وازدهرت منذ ذلك الحين. وبالحديث عن المملكة العربية السعودية التي لا تشرف المثنى على سير الأعمال فيها، أعلنت الشركة في مايو/ أيار عن عقدها لعدد من الصفقات تبلغ 15 مليار دولار، مع شركاء مثل: Aramco و Ma’aden .
كما نشطت الشركة خارج المملكة في الأعوام الأخيرة أيضاً، بدأ في قطاع الطيران. ووفقاً ل GE تقلع طائرة مزودة بتكنولوجيا الشركة كل 30 ثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتقدر بأنها تشارك بطريقة أو بأخرى في ثلثي الرحلات الجوية في المنطقة.
وفي تصريح خصت به “فوربس الشرق الأوسط”، صرحت Emirates أن 246 من طائراتها تستخدم حالياً تكنولوجيا شركة GE ، كذلك تقرر دخول 150 أخرى إلى الخدمة بحلول عام 2019 .
يقول متحدث باسم شركة الطيران: ” العمل مع GE ساعدنا للمحافظة على معايير مرتفعة جداً من حيث مستويات الكفاءة التشغيلية المرتفعة، وموثوقية الأنشطة التشغيلية، واقتصاديتها التشغيلية المثلى”.
في حين وقعت GE في عام 2013 صفقات منفصلة بلغت كل منها 11 مليار دولار، مع شركتي Etihad Airways و Emirates لتقديم خدمات الطائرات ومحركاتها. ووقعت الأخيرة بعد مرور عامين صفقة تسري لمدة 12 عاماً بقيمة 16 مليار دولار مع GE Aviation لصيانة محركات 150 طائرة وإصلاحها.
بالإضافة إلى ذلك، تدرج المثنى قطاعي توليد الطاقة الكهربائية والنفط والغاز، كأكبر المجالات التي تعمل الشركة فيها في منطقة الخليج.
وتقدر إسهامات شركة GE لتوليد الكهرباء في منطقة الخليج بنسبة %50 تقريباً. ولا عجب أن عملها في مجال الهيدروكربون تضرر من انخفاض أسعار النفط.
وهي موكلة بمهمة إدخال التكنولوجيا الرقمية إلى صناعات الشركة الأساسية في المنطقة، كجزء من جهد أكبر تبذله الشركة على امتداد العالم. وتراهن على قدرة التكنولوجيا الرقمية في مساعدة عملائها، من قطاعات الصناعات الثقيلة إلى الرعاية الصحية، لتحسين كفاءتها وتخفيض تكاليف الأيدي العاملة أيضاً.
مع كل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقها، يبدو أن أوقاتها تخلو من الراحة؛ إذ ظهر ذلك عندما خصصت برهة وجيزة من الزمن للتحدث إلى “فوربس الشرق الأوسط”. أجريت المقابلة في أوائل يونيو/ حزيران، بعد يوم من نشوب التوترات الإقليمية المتعلقة بدولة قطر التي تخضع عمليات الشركة فيها لإشرافها. وكانت تتنقل بين الاجتماعات هادئة ومتماسكة، لتستكمل المقابلة بروية وكفاءة. ثم تغادر على عجل لتلبية نداء آخر.
فيما يبدو من النادر مرور يوم يخلو من الإثارة في شركة GE إذ لم يكد يمر أسبوع واحد عقب المقابلة الصحافية مع المثنى، حتى أعلنت الشركة عن تقاعد رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي لوقت طويل جيف ايميلت، فسارعت إلى إجراء تعديل في المناصب العليا للشركة من مقراتها الرئيسة في مدينة بوسطن.
يظهر عليها مع ذلك، تقبل الاضطرابات بهدوء. وربما ساعدها على ذلك استهلالها لمسيرتها المهنية كرائدة أعمال.
فبعد نيلها درجة جامعية في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في دبي، أسست المثنى في عام 2002 شركتها الخاصة لتجارة التجزئة Haya Enterprises وأدارتها ل 5 سنوات. والحقيقة أن الدروس التي تعلمتها من تلك التجربة ما زالت تتعلم منها حتى اليوم.
تقول: “تعلمك ريادة الأعمال الكثير من المهارات التي تحتاج إليها لتميز نفسك في عالم الشركات”.
لكنها لم تتعلم كل المهارات اللازمة من ريادة الأعمال وحدها على أي حال. إذ بعد تأسيسها لشركتها، وضعت نصب أعينها تحقيق إنجاز أكبر. أحبت فكرة العمل في شركة متعددة الجنسيات، وفي الإمارات كما هو معروف شركات كثيرة من هذا النوع.
في هذه المرحلة قررت العمل لدى شركة GE . تقول: “شعرت بوجود الكثير مما يمكنني تعلمه هناك”. فانضمت إلى برنامج الشركة للقيادة التجارية المتمرسة في عام 2008 ، وهو برنامج تضمن عمليات تدوير للمشاركين في العمل ضمن الشركة في أميركا. وبتخرجها من برنامج القيادة التجارية المتمرسة بعد عامين، تولت
منصب المديرة العليا لتطوير السوق في GE Energy في منطقة الشرق الأوسط. فكان ذلك بداية صعودها السريع في الشركة. ثم حصلت في عام 2012 على ترقية لتصبح مديرة التسويق في GE لمنطقة الشرق الأوسط. وتقدمت مجددًا في غضون شهور، حاصلة على لقب مديرة استراتيجية النمو العالمية في & GE Power Water لمناطق الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وتركيا، والباكستان.
لتصبح بعد عامين رئيسة GE Gulf ورئيستها التنفيذية. وهي منشغلة منذ ذلك الحين في تعميق الصفة المحلية على حضور GE الإقليمي، بينما تعزز بحزم التكنولوجيا الرقمية للشركة.
فيما أنشأت GE مركز تكنولوجيا الطيران لمنطقة الشرق الأوسط في إمارة دبي. ويقع المركز بالقرب من مطار دبي الدولي، وهو مصمم لمساعدة عملاء الشركة من شركات الطيران الإقليمية، عبر استكشاف طرق لزيادة الإنتاجية باستخدام تطبيقات شبكة الإنترنت للأغراض الصناعية.
كما يضم المركز علماء بيانات، ومصممين، ومطوري برامج حاسوبية. وهو واحد من منشآت عدة أقيمت في الإمارات العربية للغاية نفسها. وقد أعلنت GE Aviation في وقت مبكر من هذا العام، عن تأسيسها لعمليات صيانة وإصلاح جديدة في منشأة سلسلة التوريد لصناعة الطيران في “دبي الجنوب”.
مثال آخر يتعدى قطاع الطيران، ويدل على ترسيخ الشركة لحضور محلي يتمثل في مركز شركة GE للإبداع البيئي في مدينة مصدر- إمارة أبوظبي، الذي أنشأته مع شركة “مبادلة” للتنمية، وكشف عنه عام 2014 . ويختص مركز البحوث والتنمية بتطوير حلول أعمال مستدامة لمساعدة المدن على استيعاب تزايد الكثافة السكانية فيها، وتخفيض استهلاك الطاقة، والمياه، وطرح المخلفات.
كما تتعلق الجهود الأخرى بإضفاء الصفة المحلية على الشركة من خلال المحتوى التعليمي، على غرار البرنامج التدريبي الذي انتظمت فيه المثنى نفسها.
كذلك ترتبط شركة GE بشراكة مع مكتب رئيس وزراء دولة الإمارات لتدريب القادة المحليين. وتدعم عملية تصميم المناهج الدراسية، وترسل المشاركين لزيارة مركزها العالمي للتدريب في ولاية نيويورك. وهناك نحو 30 قائدًا إماراتياً يمثلون جزءًا من البرنامج الذي تعقده في الأساس جامعات محلية.
في حين لا يتمحور الأمر حول تأسيس أنشطة محلية، ووضع خطط تدريب فحسب. إن الوسيلة الأهم للتماشي مع البيئة المحلية تكون عبر التأكد من أن الشركة تواكب التوجهات الإقليمية الحديثة، وأنها تقدم خدماتها بما ينسجم مع تلك التوجهات، وفقاً لرأي المثنى. بينما يعد قطاع توليد الكهرباء في GE أحد الأمثلة على ذلك، إذ تنتج الإمارات معظم طاقتها اليوم من المنشآت العاملة بطاقة الغاز. تهدف البلاد، مع ذلك، إلى إدخال تشكيلة من المصادر الجديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، مثل الفحم وأنواع الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 .
وعندما بدأت الإمارات بالبحث عن فرص للتنويع، كانت شركة GE جاهزة للمساعدة. فيما تشير المثنى إلى Hassyan Energy Company ، وهي محطة كهرباء تحت الإنشاء حالياً في دبي، تعمل بطاقة الفحم، بوصفها جزءًا من استراتيجية الطاقة في الدولة لعام 2050 .
وستزود الشركة هذه المحطة بالتكنولوجيا ونظم التحكم البيئية.
وتأمل المثنى من خلال جهود إضفاء الصفة المحلية على الشركة، ترسيخ موقعها في المنطقة لأعوام مقبلة. في ظل العديد من التحديات التي تواجه الشركة في منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لا تقتصر على انخفاض أسعار النفط. وقد تراجعت GE في عام 2015 عن مزاولة نشاط التمويل التجاري في الشرق الأوسط، ببيعها أصولاً في Mubadala GE Capital وهو مشروع مشترك بقيمة 8 مليارات دولار أسس في عام 2008 بالاشتراك مع Mubadala .
لكن المنافسة لا تغيب عن المنطقة أيضاً؛ إذ يدأب قسم شركة Rolls Royce المعني بالطيران والفضاء، على استمالة شركات الخطوط الجوية الشركاء في المنطقة، مبرماً صفقات لتقديم خدمات محركات الطائرات إلى Emirates و Etihad أيضاً. وشركة Siemens AG المنافسة أيضاً، التي أعلنت مؤخرًا عن خطط لتأسيس مركز خدمات لوجستية عالمي في دبي.
تتعاظم التحديات أمامها، لكنها مستعدة لذلك كما يظهر من حديثها: “علينا أن نكون سريعين، ونعرف ما يتوجب علينا فعله. وأن ندرك كل ما يحيط بنا”…لا يستعصي ذلك على امرأة صقلت موهبتها في موطنها مثل داليا المثنى (فوربس).