السبت , 21 يونيو 2025

رولا سمور تكتب: لا تتنازل عنها.. فلن تعود

رولا سمور
رولا سمور

في قصة منقولة، أن ضابطاً بريطانياً، أيام الاستعمار البريطاني للهند، صفع عاملاً هندياً، فما كان من هذا العامل البسيط إلا أن لكم الضابط البريطاني وطرحه أرضاً وعلا على بطنه! ذهب الضابط إلى الجنرال شاكياً ومطالباً بإعدام هذا الهندي المعتدي على أسياده ورموز السلطة كما كانوا يدعون.
فرد الجنرال: دعك من هذا الغضب الزائف، خذ هذا المبلغ من المال، خمسين ألف روبية، واذهب إلى ذلك العامل البسيط وقدمه له، معتذراً، ليكون عربون صفحة جديدة. استغرب الضابط ولكنه نفذ الأمر!
ذهب الضابط بالنقود للعامل، قبل رأسه واعتذر وطلب منه قبول الهدية. قبلها الهندي. شكل هذا المبلغ نقلة نوعية في حياة هذا البسيط، فبدأ بتجارة رأسمالها خمسون ألف روبية، اتسعت شيئاً فشيئاً وكبرت شيئاً فشيئاً حتى اشتهر اسمه، وبدأ أبناء بلدته يشيرون إليه بالبنان: هذا الهندي الذي ثأر لكرامته واعتذرت له بريطانيا بخمسين ألف روبية. وها هو الآن أحد أكبر تجار البلدة، فهنيئاً له جزاء صنيعه!
مرت الأيام، طلب الجنرال الضابط مرة أخرى، وسأله إن كان يذكر ذلك الهندي الذي طرحه أرضاً وتسبب في غضبه، فرد الضابط بالإيجاب، فكان طلب الجنرال الغريب للضابط أن يذهب إلى ذلك الهندي الذي أصبح من كبار البلدة، وأن يطرق بابه وأن يصفعه على وجهه أمام أفراد عائلته والخدم والحرس!
امتثل الضابط لأوامر الجنرال وطرق الباب وباغت الهندي بصفعة أمام الجموع. فما كان من الهندي إلا أن ابتسم وأخفض عينينه ودخل بيته مرة أخرى! بهت الضابط من ردة فعل من طرحه أرضاً في الماضي، وجاء للجنرال ينقل له الحدث، فتبسم الجنرال قائلاً: في المرة الأولى، لم يكن يملك هذا البسيط إلا الكرامة! فعندما خدشت كرامته بصفعتك، دافع عنها بكل قوته، لأنه لا يملك ما يخسر إلا كرامته. ولكنه في المرة الثانية، راودته الدنيا ومتعها ومغرياتها عن نفسه وكرامته التي تنازل عنها وقتما قبل هديتك! انتهت القصة ولم ينته الدرس.
ستراودك الدنيا عن كرامتك كثيراً كثيراً، وفي كل يوم، تتعرض كرامتنا لمواقف تكون فيها على المحك لمفاهيم مغلوطة تبنيناها لتكون ستاراً لسلسلة تنازلات نعيشها كل لحظة! خوفاً من فقد الوظيفة، نتنازل عن مبادئنا ونصمت عن اختراق صارخ للأخلاقيات والمبادئ. باسم الحب، تتنازل المرأة أو الرجل عن كثير كثير من الأخلاقيات، متناسين أن العزة والكرامة عماد البيت إن كان الحب خيمته! نحن هنا نتحدث عن الكرامة الحقة والصحيحة المبنية على احترام الذات واحتواء الآخر وليس الغرور والتصلب والعناد. فغض الطرف حيناً، والتغافل حيناً آخر، بغرض الحفاظ على الآخر واحتوائه، أمر محمود.. ولكن ليس على حساب جراح تحملها في قلبك وروحك تفقد بها احترامك لنفسك.

رولا سمور
Rulasammur@gmail.com
www.growtogether.online
نقلا عن القبس الكويتية

شاهد أيضاً

العبدالهادي يصدر الجزء الثاني من كتابه «مبدعات كويتيات»

Share