الجمعة , 20 يونيو 2025

عامر ذياب التميمي يكتب: المرأة ومسيرتها

استمراراً في البحث عن متغيرات في الكويت على مدى السنوات والعقود الماضية من المهم التعرّف على المتغيرات في مسيرة المرأة الكويتية. كما هو معلوم أن المرأة لم تتح لها المشاركة في الانتخابات عند بداية الحياة الدستورية في البلاد في عام 1962.. لكن المرأة الكويتية ظلت نشطة في العمل السياسي في مختلف المجالات، وخصوصاً في العمل الطلابي الوطني، وإلى حد ما في العمل النقابي العمالي.. شاركت الطالبات الكويتيات منذ أواخر خمسينات القرن الماضي في روابط الطلبة الكويتيين في القاهرة وبيروت، وانخرط البعض منهن في تنظيمات سياسية، وبشكل أساسي في حركة القوميين العرب، أهم حركة سياسية في الكويت منذ خمسينات القرن الماضي وحتى أواخر السبعينات، ثم يجب أن نشير إلى تأسيس الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في عام 1963، أي بعد بداية الحياة الدستورية في البلاد، وبعد انتخاب أول مجلس أمة بموجب دستور عام 1962. كما هو معلوم، وبناء على قانون الانتخاب لم يسمح للمرأة بالمشاركة في الحياة البرلمانية، ولم يتيسر لها الانتخاب والترشيح. وبالرغم من محاولات عدد من الأعضاء التقدميين ومشاريع القوانين لتعديل قانون الانتخاب بما يمكّن المرأة من المشاركة، وأهم ما قُدّم من مشاريع تلك التي طرحها المرحوم جاسم القطامي، والعضو السابق سالم المرزوق، والمرحوم أحمد الطخيم.
عندما حدث الاحتلال العراقي الغاشم تصدت النساء في الكويت للمحتلين بنضالات متنوعة، ومنها كانت جريئة، مثل مظاهرة العديلية ومظاهرة الجابرية، وقد استشهدت المرحومة سناء الفودري في مظاهرة الجابرية، هذا ناهيك عن الشهيدات الأخريات اللاتي ضُبطن من قبل قوات الاحتلال في أعمال مقاومة متنوعة، ومنهن أسرار القبندي ووفاء العامر وسعاد الحسن.. أكدت المرأة الكويتية خلال فترة الاحتلال، داخل الكويت وخارجها، دورها المهم في النضال من أجل التحرير من خلال المشاركة في أعمال دعم الصمود في الداخل وأعمال المساندة في الخارج والانخراط في مظاهرات المطالبة بتحرير البلاد، والتي جرت في بلدان عديدة. لا شك أن القيادة السياسية لمست الدور المحوري للمرأة في حياة المرابطين داخل الكويت، ودورها في تأصيل روح المقاومة والصمود والأمل لدى المقيمين من الكويتيين خارج البلاد.. من المؤسف أن المرأة لم تتم دعوتها للمشاركة في مؤتمر جدة، الذي انعقد خلال الفترة 13 إلى 15 أكتوبر، تشرين الأول، 1990، ولم تتح لها المشاركة في الوفود الشعبية التي سافرت إلى مختلف بلدان العالم، العربية والأجنبية، لتأكيد التأييد العالمي، شعبياً ورسمياً، لعملية تحرير الكويت، حيث اقتصرت عضوية الوفود على الرجال.. ظل صوت المرأة في فترة الاحتلال هادراً، ولا بد أن القيادة السياسية شعرت بضرورة إعادة التفكير بدور المرأة السياسي في رحلة ما بعد التحرير.

ماذا جرى للمرأة بعد التحرير؟ ظلت المطالبات بتعزيز دور المرأة مستمرة، وإن كانت على نار هادئة، تصدت الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية لهذه المطالبات، وأشركت منظمات مجتمع مدني أخرى معها، وكانت هناك قوى سياسية تدعم تلك المطالبات، أبرزها المنبر الديموقراطي الكويتي.. كان انعقاد مؤتمر بكين الرابع للمرأة، والذي عُقد خلال الفترة 4 – 15 سبتمبر، أيلول، 1995، وشاركت فيه فعاليات نسائية كويتية، محفزاً أساسياً للعمل من أجل تمكين المرأة في الحياة السياسية. تشكلت لجنة المرأة بمشاركة عدد من جمعيات النفع العام الكويتية، وبدور أساسي للجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية.. عقدت ندوات متميزة لإبراز دور المرأة في الحياة التعليمية والثقافية والاقتصادية، ودعمت تلك الفعاليات بمشاركات عربية متميزة.. كان الحدث الأساسي هو ما بادر به المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير البلاد الراحل في مايو، أيار، 1999، عندما أصدر مرسوماً بتعديل قانون الانتخاب تمهيداً لتمكين المرأة من الانتخاب والترشيح في الانتخابات القادمة.. لم يكن مجلس الأمة مستعداً للموافقة على المرسوم، وألغاه في جلسة عقدت بعد صدور المرسوم بستة أشهر. كانت حيثيات الرفض بأن المرسوم صدر بدعوى الضرورة، في حين لم تكن هناك ضرورة لصدوره. استمرت المطالبات بأشكال متعددة ورفعت دعاوى في المحاكم من أجل حقوق المرأة السياسية، ولم تفلح تلك المحاولات في ظل مقاومة من مجتمع سياسي محافظ.. لكن الانفراجة جاءت في 16 مايو، أيار، 2005، عندما تمكن المغفور له الشيخ صباح الأحمد الصباح، الأمير الراحل، عندما كان رئيساً للوزراء في إقناع مجلس الأمة وتم إقرار التعديل في قانون الانتخاب.

في عام 2005، وبعد إقرار الحقوق السياسية للمرأة تم تعيين الدكتورة معصومة المبارك وزيرة للتخطيط.. ما يبدو مثيراً للاهتمام أن الانتخابات البرلمانية اللاحقة لم تتح للمرأة الوصول إلى مجلس الأمة بعدد مناسب، بالرغم من أن عدد الإناث الناخبات يفوق عدد الذكور من الناخبين. تمكنت 4 سيدات في انتخابات عام 2009 من الفوز بمقاعد في البرلمان. لكن الانتخابات اللاحقة لم تمكن من بلوغ العضوية إلا لواحدة لا أكثر، وأحياناً دون تمكن أي امرأة من الفوز.. هذه المسألة لابد أن تؤكد أن تصويت النساء يخضع لاعتبارات عائلية أو قبلية، وما زال المجتمع الذكوري قادراً على الحيلولة دون تمتع المرأة بحقوق سياسية ذات أهمية تعزز دورها في التشريع والرقابة، وتأكيد الحقوق وحماية المرأة من تعسف الأنظمة والقوانين. ويتضح أن النظام السياسي في البلاد ما زال بعيداً عن المفاهيم العصرية المواكبة لتحقيق مشاركة ذات معنى للمرأة.. بيد أن مساهمة المرأة الكويتية في سوق العمل تعزّزت على مدى سنوات طويلة، وهذا ما يستحق التنويه والدراسة في مقال قادم.

شاهد أيضاً

العبدالهادي يصدر الجزء الثاني من كتابه «مبدعات كويتيات»

Share