
خلال الأعوام الثلاثة الماضية عملت وزارة الشباب والرياضة وبالتعاون مع الوكالة الألمانية للتنمية، وعديد من عناصر المجتمع المدنى بدأب ملحوظ على رفع حساسية العديد من الكوادر الشابة المترددة على مراكز الشباب من الجنسين بالعنف ضد المرأة، وتحديدا رفع الوعى بأشكال التحرش وقضايا المساواة بين الجنسين، وأحقية كلا الجنسين فى مناخ آمن خالٍ من العنف. وفى الأسابيع القليلة الماضية كللت وزارة الشباب والرياضة جهودها بتبنى سياسة لمناهضة التحرش الجنسى فى الوزارة، وإتاحة صندوق للشكاوى لتلقى الشكاوى والبلاغات عن حالات التحرش بديوان الوزارة ومراكز الشباب، وتبنى التدخلات والجزاءات الإدارية وغيرها حسب اشتراطات السياسة الداخلية والمستندة على تدابير القانون.
وتعتبر تجربة تبنى سياسة لمناهضة التحرش، وإتاحة صندوق للشكاوى بمثابة نقطة ثمينة فى رصيد الدولة فى مناهضة العنف ضد المرأة، من حيث أمرين، الأول أن هذه الخطوة تأتى فى ضوء الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتى شارك فى وضعها عدد كبير من الوزارات، ولذا تبنى سياسة داخلية لمناهضة التحرش، ومن قبلها العمل على رفع حساسية الشباب من الجنسين بأشكال التحرش والعنف، هو بمثابة التزام جزئى بالوفاء بالوعود والالتزامات تجاه الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف والمقرر انتهاؤها هذا العام.
والأمر الثانى، إن اقبال المسئولين على هذه الخطوة يتماشى مع الاتفاقية الدولية الخاصة بوقف التحرش الجنسى فى أماكن العمل والصادرة عن منظمة العمل الدولية والتى أقرتها الأمم المتحدة العام الماضى، وتدعو الدول الأعضاء للتصديق عليها، نأمل أن تصدق عليها مصر كضمانة لالتزام الحكومات المختلفة بأهمية اتخاذ تدابير ملزمة لمناهضة العنف وتمكين النساء من الإلحاق بركب التنمية المستدامة عن طريق خلق بيئة عمل آمنة للمرأة.
بكل المقاييس تجربة تبنى سياسة داخلية لمناهضة التحرش والعنف، وإتاحة صندوق للشكاوى، والعمل مع الشباب على مناهضة العنف، تعد استجابة محمودة لجهود متراكمة ودعوات متتالية للمجتمع المدنى والحركة النسوية المصرية، وهى بكل تأكيد تعد تجربة رائدة، ونموذج من الاجتهاد يستحق التعميم بأغلب الوزارات إن لم يكن جميعها.
إلا أن كفاءة هذه الخطوة يحتم علينا التفكير المستمر فى التفعيل الكفء لآليات عمل هذه السياسة، والتى ترتبط بالضرورة بالعمل على استدامة تطوير أدواتها من حيث تيسير آليات الشكاوى والتبليغ، وحماية خصوصية بيانات المبلغات، وإحالة الحالات إلى المسارات الأوفق من التدخلات والمعالجات والتى لا تعنى فقط بالتوقيف الإدارى أو توقيع الجزاءات، وإنما تعنى أيضا بإعادة التأهيل والدمج الآمن سواء فى بيئة عمل آمنة أو فى خلق بيئة شابة مختلطة وصحية للجنسين.
ولذا من الهام العمل على تقييم التجربة من وقت لآخر، والتقرير المنتظم عن عدد الشكاوى، وأشكال التحرش التى تم رصدها، بل وكيفية التجاوب مع الشكاوى، سواء جاء التقييم من قبل الشباب أنفسهم، أو من قبل الأطراف المعنية بتنفيذ هذه الخطوة، ويتجاوز الاهتمام بالتقييم والمتابعة حد تطوير السياسة وقياس قدراتها فى القفز على المعوقات، وإنما علينا التقييم والمتابعة فهما مؤشران فاعلان فى قياس قناعة جميع الأطراف المعنية بالحق فى مجال عام آمن للجنسين، كمبدأ أصيل وجاد ننشىءعليه الشباب، وقيادات الوزارة، وواضعى سياسات العمل على ملف المرأة إجمالا، حتى نعزز بناء الثقة بين جميع الأطراف المعنية بالتجربة، والإبقاء على رصيد هذه الخطوة فى مسيرة الدولة نحو مناهضة العنف ضد المرأة.
ومن المؤكد أن العمل على امتداد هذه الجهود، وتعميم التجربة على مستوى الوزارات المختلفة، بل والقطاع الخاص أيضا، يعظم من حجم المكسب والعائد، فتبنى هذه السياسات لا يأتى فى ضوء التزامات الدولة بالاتفاقيات الدولية والاستراتيجيات الوطنية المعنية بمناهضة العنف وحدها، وإنما بالأحرى يأتى فى ضوء حرص عديد من الأطراف الوطنية المعنية بتحسين أوضاع المرأة المصرية، والعمل عن قرب على اتزان علاقات القوة بين الجنسين، خاصة فى مجال العمل، وتحقيق إدماج آمن للنساء فى خطط التنمية المستدامة.
ويتطلب تعظيم هذا المكسب الحرص الجاد على تضافر كل الجهود المهتمة بإحداث تغيير اجتماعى ملحوظ فى ملف حماية النساء من العنف، وتحسن مؤشرات أداء الدولة فى مواجهة العنف الجنسى تحديدا، أهمها الحرص على تفعيل دور المجتمع المدنى باعتباره شريكا أصيلا، وإطلاق عمل المبادرات الشابة كمؤشر لتفعيل المشاركة المجتمعية، ومنظمات حقوق المرأة، والمجالس القومية المختلفة.
ودعونا نؤكد دائما أن مصر دائما تستطيع التغيير للأفضل، طالما توفرت جسور الحوار والشراكة الفاعلة بين ثلاثية التنمية الشهيرة الدولة، والمجتمع المدنى بتنوعه، والقطاع الخاص.