
إيمان الموسوي
تخيل معي أنك تريد النصر والتفوق في معركة، فتقوم بإنشاء مؤسسة هدفها تمكين الأفراد لإحراز الهدف، فتعلن للعامة أن كل من بلغ واحدا وعشرين عاما يمكنه التقدم للحصول على طائرة بشرط أن يعرف كيف يقودها ويشغلها ولديه خطة للنصر!
فيتقدم المبادرون، ومعهم مستندات تشرح طريقة قيادة موديل الطائرة التي يرغبون بها، وخطة إحراز الأهداف والتي غالبا ما كتبها آخرون لهم علاقة ما بالطيران!
ويستعرضون قدراتهم شفهيا للمؤسسة التي يتساءل الكثير من موظفيها ما هي المعركة بالضبط؟ وإن كانوا محظوظين فإنهم يتقدمون بتوصية ويحصلون على طائراتهم دون جهد. المؤسسة لا تقدم دروسا في الطيران بحجة عدم وجود ميزانية كافية!
ولا تتعاقد مع معلمي طيران لأنها تريد معلمين محترفين يدربون بلا مقابل، ولا تستطيع التمييز بين طيار حقيقي وطيار زائف لأن اختيار موظفيها لا يشترط المعرفة بالطيران، ويتراكم لديها ملف المتعثرين ممن أخفقوا في مهمتهم واستنزفوا مواردها، ويعهد بالملف لشخص لم يقد طائرة يوما ما. فهل من المنطقي أن تستمر مؤسسة كهذه باستنزاف موارد الدولة كقطار يسير بجنون في نفق مظلم؟ هذا ما يحدث في بلاد الاسبان في مؤسسة ترعى وتمول المشاريع الصغيرة!
لا يمكن إدارة مؤسسة ابتكارية بعقلية بيروقراطية أستغرب الطريقة التي يدار بها الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إذ ان مؤسسة تعنى برعاية وتنمية المشروعات لا يوجد بين قادتها متخصص واحد في الابتكار وريادة الأعمال!
ولا يعرف جل موظفيها منهجية الريادة الحديثة وأدواتها، فالموظفون إضافة إلى المشاكل الإدارية الكثيرة التي يعانون منها يفتقرون للتدريب المناسب، والمفارقة الطريفة التي ذكرها لي أحدهم حين سألني عن برنامجي السنوي للتطوير الذاتي في ريادة الأعمال، فقال: إن ما صرفته لتدريب نفسك وأنتِ فرد واحد يعادل ميزانية الصندوق لتدريب جميع موظفيه في مجال اختصاصه!
ناهيك عن الطريقة البيروقراطية التي يدار بها الصندوق والتي تجعل من عمله كمؤسسة ابتكارية تُعنى بالتنمية والاستدامة أمرا غاية في الصعوبة.
خلل في منهجية قبول المشاريع
لا تكمن المشكلة فقط في طريقة إدارة الصندوق واختيار أو تدريب موظفيه، إنما تتعدى ذلك لمنهجية عمله، وإذا تناولنا جانبا مثل قبول المشروعات الجديدة، نجده يتم عن طريق لجان لا تعتمد معايير التقييم الشامل لنماذج العمل، فالاعتماد على خطة عمل ودراسة جدوى قد يكون المبادر قد اشتراها جاهزة من المكاتب المتخصصة لا تعني أن الفرضيات الموجودة فيها صالحة كي تتحول إلى عمل مربح ومستدام، وتمويل المشاريع التي نجح المبادر في تقديم مستندات منمقة وعرض تقديمي رائع لها أو توصية قوية لا يعني أن هناك دلائل ومؤشرات لنجاحها.
التدريب معدوم
كما أن دور الصندوق في التدريب والتأهيل يفتقر كثيرا للخبرة ومعرفة البرامج التي تصلح للبيئة الضبابية التي تعمل فيها الأعمال الناشئة، وتركيزه على دورات الإدارة والتخطيط البالية التي اختفت من المؤسسات العلمية والابتكارية المتطورة حول العالم اليوم لعدم جدواها، وعدم استعانته بالخبرات المحلية والدولية في هذا المجال يحرم المبادرين من فرص تقليل مخاطر مشاريعهم، والقدرة على تمييز الأفكار غير المجدية، وتسريع النجاح من خلال التصاميم والاختبارات المناسبة لنماذج العمل.
مناخ المشروعات الصغيرة
إن كرة الثلج في تعثر الكثير من المشاريع الممولة من قبل الصندوق بدأت تكبر، وأتابع يوميا الكثير من الحالات التي قد حصلت على مبالغ تمويلية كبيرة مع وجود خلل في ميزان نموذج عملها من حيث الربحية والاستدامة والاستجابة لفجوات السوق. إن تفادي أزمة اقتصادية واجتماعية لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة تلوح بوادرها في الأفق أمر ممكن، في ظل وعي شامل وتطبيق لمنهجية الريادة نفسها على الصندوق، وتمكين قادته من أدوات التغيير دون ضغوط ومحسوبيات وتسويات من أجل مصالح مؤقتة.
إيمان الموسوي
مستشارة ريادة الأعمال وابتكار نماذج العمل
انستغرام: @dr.emsa
إيميل: contact@emanalmousawi.com