الجمعة , 20 يونيو 2025

الفلسطينية آية مليطات “مديرة مزرعة الأخوّة”: أسعى لتكون المرأة الفلسطينية مستقلةً إدارياً ومالياً

في تحدٍّ للصورة النمطية لعمل المرأة في مجال العمل الزراعي والثروة الحيوانية، استطاعت آية مليطات بإصرارها وطموحها وإرادتها القوية أن تنقش قصة نجاح لا تزال حروفها تتردد، فعزيمة مليطات لا حدود لها، وأطلقت العنان لطموحها، ولم تسمح ﻷي عقبةٍ أن تقف في طريقها، وتمردت على المألوف، متابعةً درب نجاحاتها المتواصل.

في تجربة جديدة غيّرت حياتها تمكّنت آية من تغيير نظرة المجتمع تجاه عمل النساء والشباب في هذا المجال، الذي أظهرت فيه قدرات عالية ومستوى متقدماً من الجودة، أقامت مشروعها الزراعي الخاص الذي كانت تحلم به، وهو مزرعة الأُخوّة التي تتخصص في تربية الأغنام وتسمينها من سلالة عساف، وكان هدفها ليس فقط تزويد زبائنها بأغنامٍ فحسب، بل أيضاً سد حاجة السوق المحلية، فهناك شح في هذا النوع من الأغنام في فلسطين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم، لذلك تعتقد آية أن لمزرعتها شأناً في سد هذه الحاجة.

استطاعت مليطات أن تكون نموذجاً مشرفاً لشابةٍ فلسطينيةٍ تعبت وكافحت، فحصدت نجاحاً مشرفاً يؤهلها لتكون امرأة قيادية.

بداية المشوار..

وتقول آية عن بداية مشوارها: الأمر ليس هيناً كما يعتقد الكثيرون، بل هو تحدٍّ مخيف، فقد وجدت نفسي منذ اثني عشر عاماً أمتلك شغفاً كبيراً في مهنةٍ تبتعد عنها الفتيات، حتى أصبحت مديرة مزرعة “الأخوّة” ومركز “حلال للتدريب والاستشارات” في مجال تربية الأغنام وريادة الأعمال- تخصص الزراعة المستدامة والثروة الحيوانية.

وتضيف: حصلت على العديد من الجوائز على مستوى الوطن، وسافرت إلى أمريكا ودبي لأحصل على خبرةٍ أكثر في الإدارة والأعمال والزراعة، وأسع لتطوير مزرعة “الأخوّة”على أساس الدمج بين الخبرة العملية والعلم، كما أعمل على مساعدة النساء والشباب الرياديين ببدء مشاريع خاصة بهم، ومنذ عام ٢٠١٠ ساعدت أكثر من مئة شاب و على البدء بمشاريعهم الخاصة بهم، وهم الآن على رأس هذه المشاريع، إضافة إلى أنني قدمت التدريب لعدد كبير من المزارعين القائمين على مزارعهم من حيث كيفية التنظيم وإعادة وترتيب مزارعهم حتى تكون بإنتاجية أفضل، ولتيسير العمل فيها بشكل أفضل وتطور مستمر.

وتوضح مليطات: أنها خريجة علم اجتماع وخدمة اجتماعية، وهذا المجال الذي دفعها إلى هذا العمل، فمجال علم الاجتماع يعني تغيير الصورة النمطية الموجودة للمرأة في المجتمع وتغيير الصورة النمطية الموجوده حول المزارعين.

وتضيف مليطات بثقة: لقد بدأتُ بمشروعي منذ اثني عشر عاماً، كان القطاع الزراعي موجهاً نحو الفئة الفقيرة والفئة غير المتعلمة وكبار السن.
وتشير إلى أن دراستها علم الاجتماع كانت السبب والدافع نحو تغيير تلك الصورة النمطية الموجهة نحو القطاع الزراعي، ونحو المرأة على وجه الخصوص، لتقود عملاً اقتصادياً خاصاً بها، “وكانت انطلاقتي لأبدأ بعمل زراعي، وهكذا كما يقول المثل “ضربتُ عصفورين بحجر واحد”، فأنا أسعى لتكون المرأة مستقلةً إدارياً ومالياً، كلنا نعلم وندرك تماماً أن كثيراً من السيدات يعملن في مجال الأغنام، لكن وراء الكواليس، فهن اللواتي يصنعن الجبن واللبن وينظفن الحظيرة، لكن الرجل في المقدمة، فهو من يبيع ويشتري، ويقود الدفة، ومن هنا بدأت فكرتي أن أكون مستقلة مالياً وإدارياً في هذا المجال.

البنت الريفية والأُم العاملة.. وحب الطبيعة

وتبيّن آية أن شغفها بالعمل في هذا المجال كان منذ الصغر، فهي بنت ريفية تسكن في بلدة بيت فوريك إلى الشرق من مدينة نابلس، التي تمتاز بطبيعة جبلية وعرة تتخللها بعض السهول والوديان العميقة، ويقع جزء من أراضيها على مشارف الغور، إضافةً إلى أن والدتها هي امرأة عاملة، كونها معلمة ولديها وظيفتها ومسؤولياتها المتعددة، ما أعطى آية قوةً أكبر وتحمُّلاً للمسؤولية أكثر من بنات جيلها.

وتلفت إلى أنّ والدتها لم يكن وقتها ملكاً لها، فهو مقسم بين مهام وظيفتها والأعمال المنزلية ودورها وواجباتها كأُم، وكان من الصعب عليها أخذ إجازات، وهنا كانت آية تُفكر ملياً في أنّ بقية الأُمهات غير العاملات يقضين وقتاً طويلاً مع أولادهن أكثر من والدتها، فكانت دائماً تقول لأُمها وهي ابنة السنوات العشر إنها لن تكون معلمة، ولن تعمل في أيّ وظيفة، لأنها تريد أن تضع إجازاتها بنفسها، ولن تقبل براتب محدود، بل عليها أن تدير مشروعاً خاصاً بها.

وتقول آية: أنا بنت ريفية أصلاً، أُحب الطبيعة بكل ما فيها، لذلك كانت تستهويني المسلسلات الكرتونية التي تحضر فيها الطبيعة، مثل بيل وسبيستيان وساندي بيل، وكنت أُشاهد وأتأمل المزارع الموجودة عندهم، وأُقارنها بالمزارع الموجودة عندنا، وكنت أُصعق، فالفرق شاسع بين المزارع لدينا والمزارع عندهم، وكنت أقول وأُردد دائماً أنني عندما أكبر سوف أعمل مزرعتي الخاصة، تماماً كالتي أُشاهدها في التلفاز، وبقي هذا الحلم في ذاكرتي.

وتضيف: عندما كبرت ودرست علم الاجتماع واستعدت ما كان بذاكرتي وطفولتي، دمجت كل ذلك ببعض حتى أربط بنهاية المطاف علم الاجتماع والاقتصاد والإدارة بالزراعة، ليكون العمل مبنياً على أساسٍ علميٍّ وصحيح وأنجح في مشروعي، واخترت الزراعة والثروة الحيوانية لأن فلسطين ثروتها بالزراعة، فنحن لسنا بلداً نفطياً ولا تكنولوجياً ولا تجارياً، ولكن للأسف كل شيء يبعد الشباب عن الزراعة، فالزراعة طاقة لا أحد يستطيع اكتشاف مكنوناتها وخيراتها، فكلما أعطيتها ستعطيك أكثر، ومن هنا قررت أنه من الواجب علينا أن نكتشفها، وهذا ما دفعني إلى أن أنطلق بهذا المجال.

وتواصل: لا أزال أدرس وأتعلم، ولن أتوقف عن العلم أبداً، فأنا دائماً أُتابع كل ماهو جديد في مجال الزراعة وتربية المواشي، كما أنني أُركز حين أُعطي التدريب على العمل بدايةً في التوجيه النفسي والاجتماعي لمن يريد أن يبدأ مشروعه، ثم نتدرج.

توفير وظائف والتركيز على النساء

مليطات التي بدأت مشوارها بالبحث حول كيفية إنشاء مزرعتها، واعتماد الممارسات الزراعية السليمة، وتربية المواشي، أرادت أيضاً أن توفر وظائف للناس، خاصة النساء، لتترك بصمة لها وتأثيراً إيجابياً على سوق العمل المتواضع في فلسطين، لذلك قامت بتأسيس مزرعة “الأخوّة” لتكون مثالاً على نجاح المرأة الريادية الجادة في فلسطين.

وتقول: إن طريق النجاح لم يكن سهلاً ومعبداً أمامي، فقد واجهت العديد من الصعاب والتحديات، رغم أن المجتمع ليس ضد المرأة، إلا أنني ك كان عليّ أولاً أن أُواجه نفسي بكسر حاجز الخوف داخلي، وهذا هو التحدي الأكبر، ثم كانت المعضلة الأُخرى التي واجهتني عملية جمع المعلومات وكيفيتها، كون أغلب المعلومات ارتجالية وعشوائية غير مبنية على أُسس علمية.

وتضيف: كانت جملة التحديات هذه تضاف إلى كوني صغيرة عمرها ثمانية عشر عاماً ستعمل في بيئة ذكورية ومهنة هي حكر على الذكور، وهذا يحتاج إلى قوةٍ وتحدٍّ.

استشارات وتدريب عملي ونظري

وتتابع: واليوم بعد اثني عشر عاماً من عمر مشروعي اختلفت الصورة تماماً، فأنا أُقدم استشارات لرجال أعمال ومغتربين ومديري بنوك، وأنا فخورة بأني أُقدم خدمة استشارات وتدريب عملي ونظري حول كيفية بدء المشروع الخاص وتقوية الشخصية والتعامل بأُسلوب صحيح في العمل والسوق، وامتلاك خطة عمل كاملة، بغض النظر أكان العمل زراعياً، أم غيره.

وتتابع: أعمل على تجهيز المتدرب من أربعة جوانب اجتماعياً ونفسياً وإدارياً ومهنيا، كما أننا في مركز حلال متخصصون أكثر في الأعمال الزراعية والثروة الحيوانية، ونركز على الزراعة البيئية العضوية المستدامة، ونعطي تدريبات وتوجيهاً عن طريق البِرما كلتشر أو “الزراعة المستدامة”، وهى نظام لمبادئ التصميم الزراعى والاجتماعى، بهدف تطوير نظم زراعية متكاملة تحافظ على نفسها بشكل ذاتى، وتساعد على زيادة خصوبة التربة وترشيد استهلاك المياه وتخزين الطاقة، إضافة إلى التدريب النفسي والاجتماعي.

وتواصل آية: أما مزرعة “الأخّوة”، فتنتج كافة مشتقات الألبان بطريقة طبيعية، تحتفظ بطعمها البلدي بطريقة التصنيع الحديثة الآمنة المعقمة والصحية، كما نوفر لحوم خراف طازجة من سلالة “عساف”، كما نقوم ببيع أُمهات من هذه السلالة التي تمتاز بقدرة إنتاجية عالية وغزارة في الحليب واللحم وقليلة الدهون.

قصة نجاح آية، الشابة الريفية، تلقي بصداها لدى النساء الأُخريات اللائي يردن النجاح، ما يثبت أن المرأة تتمتع بمعرفة فريدة ومهارات وتجارب مهمة لتكون أداة فعالة في التمكين لتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية، كما أنها غالبًا ما تكون في الطليعة، ولها دور محوري في التمكين الاقتصادي الذي يُعدّ مفتاح نجاح الأُسر والمجتمعات والاقتصادات الوطنية.

شاهد أيضاً

الاتحاد النسائي الإماراتي ينظم ملتقى “جودة الصحة النفسية للمرأة”

Share