سارة غوردون*
كنتُ المرأة الوحيدة في الغرفة بين 16 شخصاً في اجتماع جرى أخيراً. هذا لم يفاجئني طبعاً. فتجربة من هذا القبيل شائعة بالنسبة لامرأة كبيرة في السن في معظم دول العالم المتطور، حيث يستمر المديرون التنفيذيون الذكور بالتفوق عددياً على زميلاتهم النساء، بمعدل يصل غالباً الى رجلين مقابل امرأة واحدة.
ما هو محبط في هذا الأمر ليس التغيير البسيط الذي حصل منذ ان بدأتُ بالعمل قبل حوالي 30 عاماً، بل في أن الجهود الكبيرة التي بُذلت حتى الساعة لم تؤد في الواقع إلا لتقدم صغير جداً. في المملكة المتحدة كان العمل الذي قامت به «مراجعة دافيز» والمنظمات الأخرى مثل «نادي %30» حيوياً في رفع أعداد النساء في مجالس إدارات أكبر الشركات البريطانية المسجلة. لكن في الشركات الخاصة أو الشركات العامة الأصغر، لا تزال مجالس الإدارات ذكورية، وبيضاء، كما كانت في السابق.
إذا كان التقدم في مجلس الإدارة بطيئاً، فإن ما هو تحت مجلس الإدارة لا يزال جليدياً. في الصين نرى على سبيل المثال 52 مديرة تنفيذية كبيرة لكل 48 رجلاً، وهو أمر نرى صداه في معظم الدول الشيوعية السابقة في شرق أوروبا. هذا يفضح الرأسماليين الغربيين ويجعلهم يشعرون بالخجل: فبينما تصل النسبة في الولايات المتحدة الى معدل 58 رجلاً لكل 42 امرأة، تكون في أوروبا الغربية رجلين لكل امرأة.
من الصعب تجنب انطباع ان معظم مجالس الإدارات تمجِّد منافع تنوع قوة العمل، لكنها لا تشعر بالحاجة للقيام بأي تغييرات، لكن هناك بعض الاستثناءات المشرفة. ففي المملكة المتحدة، لعب بعض المديرين المدرجين ضمن لائحة الفايننشال تايمز لأفضل 100 رئيس تنفيذي دوراً كبيراً في جعل أهداف «مراجعة ديفيز» حول مجالس الإدارات (%25 من النساء مع حلول عام 2015) أمراً واقعاً. من بين هؤلاء برز مثلاً السير روجر كار الذي كان يعمل آنذاك في «سينتريكا»، والسير وين بيشوف الذي كان يعمل خلال تلك الفترة في مصرف لويدز. لكن بولمان المدير التنفيذي لشركة يونيليفر يبدو في أغلبية الأحيان كصوت وحيد في غابة مهجورة، حينما يتعلّق الأمر بموضوع كهذا، أو بمواضيع تعتبر «سليمة من الناحية السياسية».
قد يبدو سليماً أيضاً أن العديد من المجالس لا تؤمن بأن التنوع الأكبر يأتي بثماره في النتائج الحسابية النهائية. لذا، يكون هنا مطلوباً زيادة نشر وتوزيع نتائج البحوث التي تؤكد بشكل دقيق مجموعة المنافع المالية التي يجلبها التنوع، لأن ذلك سيساعد غير المقتنعين بما سبق ذكره، وبالتالي اختيار المواهب من دائرة أوسع.
كما أن هناك ضغطاً قليلاً على المديرين التنفيذيين الرئيسيين لتوفير تغيير ذي معنى، وقد اكتشفت «كي بي إم جي» التي أجرت، أخيراً، مقابلات مع 10 مديرين تنفيذيين رئيسيين و3 مديرين للموارد البشرية لدى 13 شركة متعددة الجنسية توظف مجتمعة نحو مليون شخص، بأن المديرين التنفيذيين لم يواجهوا في الواقع إلا ضغوطاً خفيفة من مديريهم، المساهمين أو المستثمرين الآخرين، لإجراء تنويع سريع، ولتكبير دائرة اختيارهم للمواهب.
وأفاد الذين أجريت معهم المقابلات أيضاً بأنه لم يكن هنا أي تأثير للتشريعات ذات الصلة، مثل نظام الحصص (الكوتا) أو المستلزمات لنشر فجوة الأجور بين الجنسين، على استراتيجياتهم الداخلية الخاصة بتوظيف الجنسين، وهذا أمر تؤكده الأدلة من النرويج التي تفيد بأن الكوتات غيّرت بنجاح التوازن داخل مجالس الإدارات، ولكنها لم تتسرب إلى بقية قوة العمل العليا.
في الدراسة التي أعدتها «كي بي إم جي» اعتمدت الشركات غالباً على المديرات التنفيذيات أو الشبكات النسائية لــ«المضي بهذا الاتهام»، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن معظم الرجال اعتبروا المساواة الوظيفية بين الجنسين أمراً لا يؤثر فيهم أبداً، وتضيف «كي بي إم جي» أن الوضع هذا يتضاعف من خلال «الصور النمطية اللطيفة» والتحيز غير المقصود.
حتى في عام 2016 يظهر أن قضية أهمية معالجة عدم التوازن الجنسي، وطريقة اتباع ذلك أيضاً، هي قضية لم يتم تبنيها بعد عن طريق الاقتناع. أما المجالس التي بدأت تعي أهمية ذلك، فقد حان الوقت كي تتعامل معها بشكل جدي، وقد اقترح بحث أجراه أخيراً المنتدى الاقتصادي العالمي أنه إذا استمرت الوتيرة السائدة الآن على حالها، فإنه لن يكون ممكناً سد فجوة الأجور بين الجنسين قبل 118 عاماً إضافية. الاقناع وحسن النية يجب أن يفسحا المجال أمام أساليب إضافية أكثر تقليدية في ما يخص تغيير تصرف المديرين.
لقد باتت الممارسة الاعتيادية اليوم تربط أجور الرئيس بالتدابير المتصلة بعائدات أصحاب الأسهم.. وإذا اقتنعت مجالس الإدارة عن حق بضرورة تحسين التنوع، فيجب عليها عندئذ خفض مكافآت الرؤساء أو مديري الموارد البشرية الذين لا يقدّمون تحسينات قابلة للقياس. بغير ذلك، وفي غضون 30 عاماً، ستبقى بناتنا جالسات في غرف ممتلئة بالرجال، وعالم الشركات سيكون أكثر فقراً بسبب ذلك.
* صحيفة القبس الكويتية