
مارغريت تاتشر كانت أول سيدة تتقلد رئاسة مجلس الوزراء في بريطانيا، ولأطول مدة، وقابلتها الملكة اليزابيث التي قابلت رؤساء الوزراء منذ شبابها الخامس والعشرين، ولكنها كانت أول علاقة متوترة بين الملكة ورئيس وزراء. ليس فقط الكاتب دين بالمر يقول ذلك في كتابه «الملكة وتاتشر: العلاقة غير المريحة» ولا الكاتب جون كامبل في كتابه «تاتشر المرأة الحديدية»، بل أشهر الصحف كالإندبندنت والصنداي تايمز والواشنطن بوست، فحدة تاتشر وصلابتها وعدم مجاملتها أزعجت الملكة كثيرا التي امتعضت من ذلك بمناسبات عدة، وهو ما تطرقت له أيضا أفلام سينمائية عدة أيضا. لم يكن خلافهما على دول الكومنولث فقط وبعض السياسات، بل حتى شخصيا، فتاتشر الصعبة التي تبدو أنها لا تكترث بأي شيء، حتى بالملكة أحياناً، سألت مرة ماذا ستلبس الملكة في الاستقبال فجاءها الرد المباشر: «لا تقلقي فالملكة لا تكترث بما ترتديه الأخريات». هذه المقدمة لنجعل المرأة عندنا لا تهتم بما يتهمها به الرجل الشرقي بغيرتها تجاه النساء من حولها، فالغيرة أمر غريزي لدى جميع نساء العالم والشقراوات منهن أيضا وإن كن ملكات أو رئيسات للوزراء. وطالما نحن لا نزال في غمرة الأعراض الانسحابية للانتخابات وصحوة نتائجها، وقبل أن نتحدث عن الكويت، لنبتعد قليلا ونرجع لعام 2016 ونتساءل: لماذا لم تنجح هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة 2016؟ في حين كانت المرأة تشكل العدد الاكبر في تعداد سكان أميركا، كما تشكل النساء النسبة الأكثر مشاركة وإدلاء بأصواتهن من الرجال القادرين على التصويت، وهي النسبة التي استطاعت أن تستحوذ بها النساء على أكثر من %26 من مقاعد أعضاء الكونغرس. والآن لمَ لا نتساءل: لماذا لم تنجح أي امرأة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي الاسبوع الماضي؟ في حين أن المرأة أيضا تشكل النسبة الأكبر في التركيبة السكانية، ولو بفارق طفيف قريب من %1، وهو بالمقارنة قريب أيضا من نسبة الفارق الطفيف الذي يزيد فيه تعداد المرأة الأميركية في الولايات المتحدة، كما أن عندنا يفوق تعداد القادرات على التصويت من النساء بنسبة تقارب %3 عن الرجال. طبعا هناك ديموقراطيات كثيرة لم نتحدث عنها تقودها أو قادتها النساء في أكثر من ست عشرة دولة، ولكننا أخذنا عينتين، واحدة من أكثر الديموقراطيات حرية وهي أميركا، وديموقراطيتنا الشكلية كالتي نعيش فيها، فالاميركية لم تصل قناعتها لانتخاب امرأة كرئيس للدولة، ولكنها مقتنعة لوصولها مشرعة عضوا بالكونغرس، إلا أنه يبدو أن المرأة الكويتية وبعد تجربتها بإيصال نساء للبرلمان لثلاث دورات أصبحت غير مقتنعة بالمرأة كسياسية، ولذلك لم تختر أيا من الـ29 مرشحة في هذه الانتخابات، ربما لما شهدته من إخفاقات للنائبات ورضوخهن للوضع المزري حتى أصبحن جزءا منه. وقد ذكرنا في مقال سابق أن معظم أداء المرأة السياسي، الوزاري والبرلماني، لم يكن بالمستوى المطلوب! بدءا من الاسلوب الذي حامت حوله الشكوك في حصولها على حقوقها السياسية في جلسة البرلمان التي اشيع فيها عن تقديم حوافز لبعض النواب لتمرير التصويت على حقوق المرأة السياسية. أما الآن فقد صار على الأخوات الفاضلات الداعيات إلى «تمكين المرأة» الإمعان في أسباب فشل التجربة البرلمانية النسائية أكثر من المطالبة في توزير المرأة، وهي باعتقادنا مسؤولية تقع على جمعيات النفع العام الفاعلة كالجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية الرائدة في المجتمع المدني، والتي كانت لها مشاركة متميزة جدا في الندوة التي أقامتها السفارة الاماراتية الاسبوع الماضي حول تمكين المرأة، وكذلك مسؤولية الناشطات الأخريات في هذا المجال كمعهد المرأة للتنمية والسلام. سواء الرجل أو المرأة، لديهما قناعات تقود خياراتهما، ومن غير الممكن كبح جماح الغرائز أحيانا، كالغيرة مثلا، في التأثير على قراراتهما، لذلك فعند دراسة تجربة فشل المرأة البرلمانية يجب البحث في اسباب عدم قناعة المرأة الناخبة بالمستوى السياسي للمرأة المرشحة؟ هل هي في عدم قدرتها على الرقابة والتشريع وعدم الانجراف نحو الفساد؟ أم أن المرأة بغريزتها لا تريد المرأة؟