
أثبتت التجربة أن الميادين كافة كانت ساحة لسعي المرأة الكويتية إلى أن تترك بصمة، تؤكد من خلالها أن مبدأ المساواة الدستوري لم يكن مجرد مادة، بل واقعاً جسدته المرأة، ومن هذه الميادين، التصدّي للغزو العراقي الغاشم حتى تحقيق التحرير.
فقد استطاعت المرأة الكويتية أن تحجز لها مكاناً في هذه الملحمة، بمختلف المجالات، شهيدة، أسيرة، مقاوِمة، متطوعة، إلى جانب أنها كانت الأم والأخت والبنت والزوجة، داعمة لجهود الشباب الكويتيين في تلك الفترة، كما لا يمكن إغفال دورها في الخارج، في تنظيم التظاهرات المنددة بالاحتلال. وحجزت الكويتيات مقاعد شرف في قوائم الشهداء، ومنهن وفاء العامر، سناء الفودري، سعاد الحسن، وغيرهن كثيرات.
ومن الشهيدات أسرار القبندي التي يعرف كثيرون اسمها، ونضالها لتحرير الكويت، لكن قليلاً من يعرف دورها قبل الغزو في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. أسرار التي تفوقت في دراستها وعملها وحازت شهادات عليا في الاقتصاد وتأهيل المعاقين، كرّست سنوات حياتها متطوعةً حتى لحظة الغزو، من أجل رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت صاحبة أول حضانة كويتية لرعايتهم، وعام 1987 أسست أول مدرسة من نوعها في الكويت، خاصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون من الشلل الدماغي.
بدأت أسرار رحلتها منذ الليلة الأولى للغزو العراقي، حيث انضمت إلى مقر بيان، وهو مركز القيادة العليا في منطقة بيان، الذي شُكّل من قبل أبناء الكويت الشرفاء، وانضمت إلى المقاومة، وكان لها دور كبير في النضال والتخطيط للعمليات أثناء الغزو العراقي الغاشم، فكانت تجلب الأسلحة والأموال من المملكة العربية السعودية، وتصطحب معها في كل مرة بعض العائلات الكويتية التي تعسّرت معيشتها، وأصبحت مهددة من القوات العراقية في الداخل.
وشرعت أسرار في العمل البطولي المشرف بتزوير الهويات للشخصيات المهمة لتسهيل تحرّكهم بأمان، كما زوّرت هويتها الشخصية لإكمال عملها الإنساني، فكانت تزور الأرامل والعجزة اللاتي كن يتلقين مساعدة وزارة الشؤون، وكانت تقدم لهن الطعام والمال، بالإضافة إلى أنها اخترقت الحصار الإعلامي، عندما تحدثت مع شبكة «سي إن إن» خلال الاحتلال، وطمأنت الأهالي في الخارج على ذويهم في الداخل.
ووفق مكتب الشهيد، فإن عدد الشهيدات خلال الغزو العراقي الغاشم بلغ 92، منهن نحو 70 كويتية، بينما كان هناك شهيدات من البحرين، مصر، الأردن، لبنان، الهند، ودول أخرى، إلى جانب شهيدات من غير محددات الجنسية، وكذلك أسيرات، التحقن بقوافل الشهداء بعد الحصول على رفاتهن، مثل الأسيرة الشهيدة إنعام العيدان.
ولم يقف دور المرأة عند مواجهة الاحتلال فقط، بل كانت صاحبة الدور الأبرز في مرحلة البناء بعد التحرير، حيث بدأت مشوارها منذ اللحظة الأولى بالمشاركة في إطفاء حرائق آبار النفط، واستطاعت المهندسة سارة أكبر أن تسجّل صفحة مشرفة في تاريخ المرأة، ثم ساهمت النساء في بناء الكويت ما بعد التحرير، وإعادة إعمارها، والحفاظ على كيان الوطن.
ذوات احتياجات خاصة
هناك نماذج مشرفة من الفتيات والنساء المناضلات اللاتي قدمن أرواحهن قرباناً للوطن، فهناك من فقدت ساقها وأخرى فقدت بصرها، وهناك من أصبن بشلل وأصبحن على كراسي متحركة، بسبب إعاقات حركية.