
لطالما أثبتت النساء جدارتهن في إيجاد حلول مبتكرة وتحقيق اكتشافات علمية وقدرة كبيرة في تحمل التحديات مما جعلهن كنزاً لا يمكن تعويضه في الكثير من الأوقات، وكيف إذا كان الحديث عن امرأة سبقت الرجال في الجلوس خلف مقود السيارة وقامت بأول وأطول رحلة برية متحدية الخطر والمجهول. الألمانية بيرتا بنز قادت من مدينة مانهايم إلى مدينة بفورتسهايم دعما لاختراع زوجها كارل بنز أول سيارة تعمل بالوقود.
بيرتا، امرأة ذكية، جميلة، من عائلة ثرية، تزوجت بالمهندس كارل بنز الذي أطلعها منذ بداية علاقتهما على تصميم سيارة لا تقودها خيول ويحركها الوقود، وهو ما كان جنوناً آنذاك، إلا أنها آمنت به ووثقت بقدراته. ولدت بيرتا في عصر حرمت فيه النساء من الحصول على قدر كبير من التعليم لاتفاق العلماء على أن قدراتها العقلية أكثر تواضعاً مقارنة بالرجل، إلا أن والدها الذي كان يعمل نجاراً وحقَّق ثروة طائلة فيما بعد، كان يثق بابنته وذكائها في ميلها للعلوم الطبيعية منذ الصغر، وتحديها للأفكار الموروثة التي تقلل من شأن وقدرات المرأة، فأشركها في كل أمور عمله الفنية، ما ساعد على توسيع مداركها. بداية التحدي الكثير يعلم أن كارل بينز هو صاحب اختراع أول سيارة في التاريخ والكثير يجهل دور زوجته في إظهار هذا الاختراع إلى العلن.
بيرتا هي السند الأول والعنصر الأهم في جعل هذا الاختراع ممكناً. فجهود كارل وحدها كانت قد ذهبت سدى، لولا مُساعدتها مادياً ومعنوياً وفنياً في عصر لم يكن يثمن دور النساء. لم يلق اختراع كارل في البداية تشجيع أبناء بلدته، بل واجه الكثير من الانتقادات والاستهزاءات، نظراً لتحديه الصريح لقيصر كان مغرماً بالخيول والعربات ويثار غضبه عند سماع فكرة الاستغناء عنها. وكانت تعتبر كل عربة لا تجرها خيول آنذاك، سحرا وشعوذة لذلك أبقاها بنز سراً في منزله وسماها Benz Patent-Motorwagen. وبعد 3 أعوام انتهى من تصنيع 25 سيارة لم يعلن عنها حتى منتصف 1886.
المرأة الحديدية لم تكتفِ بيرتا بتمويل مشروع زوجها فقط، بل بحثت عن طريقة ذكية للترويج عن سيارته معتمدة على فطرة الأنثى التي لا تعدم الحيل لتحقيق أهدافها، فقرَّرت الانطلاق في رحلة طويلة أثارت استغراب الجميع وقررت عرض السيارة بطريقة مبتكرة وفعالة. صبيحة الخامس من أغسطس 1888 وأثناء نوم زوجها اصطحبت السيدة ابنيها ريتشارد ويوجين، وتركت لزوجها رسالةً غامضة بأنها ستذهب إلى والدتها في بفورتسهايم، التي تبعد أكثر من 56 ميلاً. وخلال الرحلة اضطرت إلى دفع السيارة، التي كانت ذات محرك رباعي يعمل بالبنزين مع عجلات خشبية، بمساعدة نجليها، لمسافة كافية بعيداً عن المنزل حتى لا يوقظ صوت المحرك زوجها.
لم تكن مغامرة بيرتا محسوبة، فكان الأمر جنونياً وغير مضمون بالمرة؛ السيارة اخترعت قبل عامين فقط، ولم تكن قدراتها تسمح لها بتسلق التلال أو الثبات فوق المنحدرات، ولم تُجر تجربتها في المسافات الطويلة، وكان من المتوقع أو شبه المؤكد تعطلها في أي وقت، والأدهى من ذلك أنها لم تكن تعرف الطريق. لكن بيرتا قادت السيارة رغم كل شيء، تعطَّلت السيارة عدة مرات إلا أنها أكملت الطريق ونجحت. بعد الرحلة حقَّقت رحلة برتا مكاسب عديدة، أولها أنها استطاعت إنهاء الشكوك حول الاعتماد على السيارة كوسيلة لتنقل البشر، وثانيها إثبات أن المرأة ليست أقل قدرة من الرجل على التعامل مع أحد أهم الاختراعات الحديثة حينها كالرجل تماماً، بالإضافة إلى أن زوجها قد نجح في إخراج واحد من أهم الاختراعات في تاريخ النقل إلى النور.
وأثبتت التجربة متانة هذا الاختراع، وقدرته على الصمود في الرحلات الطويلة، وقد ألهمت بيرتا زوجها بإجراء بعض التعديلات لتلافي المشكلات التي عانتها أثناء الرحلة، مثل تزويد السيارة بترس منخفض يسهّل صعود التلال من دون الاضطرار إلى نزول الركاب لدفعها. سند الزوج في آخر مذكرات كارل التي كتبها عام 1925 قال: «بقي شخص واحد معي فقط في سفينة الحياة الصغيرة عندما بدا أنها ستغرق، كانت تلك زوجتي، بشجاعة وحزم حددت أشرعة الأمل الجديدة».
ليختصر وصف نجاح المرأة في أن تكون زوجاً وشريكاً مثالياً في الحياة، بأنها صاحبة الإرادة القوية التي لعبت دوراً مهماً في المجتمع الأبوي للإمبراطورية الألمانية، وشجعت زوجها بطريقة فريدة على المضي قدماً والاستمرار بعد الانتكاسات، ووقفت بجانبه لما يقارب الـ 60 عاماً. لولا بيرتا بنز، لم تكن هناك شركة بنز في مانهايم.
بيرتا بنز –

اسمها قبل الزواج بيرتا رينجر. – ولدت في 3 مايو عام 1849 في مدينة بفورتسهايم بألمانيا. – تقدَّم لها الكثير من الخطاب، إلا أنها أُعجبت بكارل بنز، حينها كان مهندساً مُفلساً. Volume 0% – توفيت عام 1944 عن عمر 95 عاماً. – سُمي الطريق الذي سلكته بيرتا في رحلتها التاريخية بطريق بيرتا بنز التذكاري. – في عام 2011، عرضت ألمانيا سيرة حياتها وإنجازها التاريخي في عدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية. – في عام 2016، تم إدخال اسم بيرتا إلى قاعة مشاهير السيارات، وانضمت إلى زوجها الأكثر شهرة. – في عام 2019، كرّمت الشركة الأم لمرسيدس – بنز، دايملر- بنز، روح بيرتا الرائدة بإعلان تجاري مدته أربع دقائق تم إصداره في يوم المرأة العالمي.
كارل بنز

– مصمم محركات ألماني، ومهندس سيارات. – تخرّج في معهد كارلسروه للتكنولوجيا، في يوليو 1864. – تزوج بيرتا التي آمنت به ودعمته حتى حقق نجاحاته المبهرة. – مخترع أول سيارة معتمدة على الوقود، ومؤسس مرسيدس بنز الرائدة في صناعة السيارات 1886. – توفي في 4 أبريل 1929 بلادنبورغ في ألمانيا.