4
أصدرت مارمور مينا إنتليجنس، وهي شركة تابعة للمركز المالي الكويتي «المركز»، تقريراً يتناول خيارات التمويل المختلفة المتاحة للحكومات والبنوك والشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
وأوضح تقرير «مارمور» أن الإيرادات الحكومية ترتفع نتيجةً لارتفاع أسعار النفط وتتحول عادةً إلى ودائع في النظام المصرفي في دول المنطقة. حيث إن هذه الودائع تشكل مصدراً مهماً للأموال منخفضة التكلفة، استطاعت المصارف الخليجية التفوق على مصادر التمويل الأخرى المنافسة ومنها أسواق الأسهم والسندات. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشكل القروض المصرفية الغالبية العظمى من إجمالي الأصول المالية، في حين ينخفض التمويل المقدم من أسواق السندات، ليتضح بذلك مدى تدني مستوى تطور أسواق الدين والمغالاة في الاعتماد على المصارف لتوفير معظم الاحتياجات الرأسمالية.
وأشار التقرير الى أن أسعار النفط المنخفضة حاليا قد أدت إلى تحول في أسواق التمويل في المنطقة التي يتسارع فيها العمل على استبدال طرق التمويل التقليدية كالقروض المصرفية على سبيل المثال، بوسائل تمويل بديلة كالسندات، والاستثمارات في الأسهم الخاصة، والتمويل الجماعي، وشهادات إثبات الدين.
وأدى العجز في الميزانيات إلى إجبار الحكومات الخليجية على معالجة هذا العجز بإصدار سندات دين في الأسواق المحلية والعالمية. ويمكن أن تكون تداعيات تحول الحكومات وهيئاتها التابعة إلى إصدار السندات على هذا النحو المفاجئ أشد مما تستطيع الأسواق المالية المحلية تحمله، كما يتجلى في الارتفاع الحاد في أسعار فائدة القروض المصرفية قصيرة الأجل. كما تأثرت أيضا المصارف المحلية التي تحظى بدعم الحكومات نتيجة لتباطؤ حركة الودائع. وإلى جانب ذلك، ترتب على الاكتتاب في السندات الحكومية المحلية إعاقة قدرة المصارف على تقديم التسهيلات الائتمانية بعد أن وصلت نسبة القروض إلى الودائع في المصارف في جميع دول المنطقة إلى الحد الأقصى المسموح به. ولذلك أخذت المصارف بإصدار السندات لزيادة رأسمالها قبل صدور الشروط الرقابية المختلفة المنتظرة. وعلى الرغم من أن المصارف تملك رؤوس أموال جيدة، غير أنها يمكن أن لا تستطيع الاستمرار كمصدر رئيسي للتمويل في الأسواق.
وعلى صعيد قطر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، حيث تزيد نسبة القروض إلى الودائع عن %100، يمكن أن يصعب على المصارف الاكتتاب في السندات الحكومية. فهي لا تستطيع شراء الدين الحكومي سوى على حساب نمو الائتمان المقدم للقطاع الخاص. وبينما تحقق السندات الحكومية عوائد جذابة لآجال أطول بوزن ترجيحي للمخاطر يبلغ صفرا وفقا لقواعد بازل، تؤدي الزيادة في إصدارات السندات السيادية إلى تقليص الإقراض للقطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى أن تلك التدابير تؤدي إلى الاستيلاء على السيولة في النظام المصرفي، وبالتالي ارتفاع تكاليف الأموال في أسواق النقد. وقد سبق أن تجلى ذلك في الارتفاع الحاد في أسعار فائدة الإقراض بين المصارف.
جدير بالذكر، أن دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كانت متشابهة مع معظم دول العالم المتقدمة في الكثير من النواحي، غير أنها لا ترقى إليها في تطوير أسواقها المالية. وقد شهد عام 2015 تبددا للتفاؤل وتراجعا للإقبال على إصدارات الطرح الأولي للاكتتاب العام في دول الخليج مقارنة بالمستويات التي سادت في عام 2014، حيث بلغ عدد الطروحات الأولية للاكتتاب العام في دول الخليج في عام 2015 ستة فقط، مقارنة بما مجموعه 1144 طرحا أوليا في أسواق العالم في عام 2015، و16 طرحا أوليا في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2014. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى انخفاض أسعار النفط بدءا من النصف الثاني لعام 2014، مما نتج عنه تراجع في ثقة المستثمرين وإلغاء الكثير من الطروحات الأولية للاكتتاب العام.
أما قطاع الاستثمار في الأسهم الخاصة في المنطقة، فلا يزال في طور النشوء. ومع أنه حقق تقدما جيدا على مدى الفترة بين عامي 2002 و2008، غير أن الأزمة المالية العالمية أدت إلى توقف نمو هذا القطاع، وأصبح حجم الاستثمارات في الأسهم الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي متدنياً منذ ذلك الحين، حيث تم إغلاق أقل من عشرة صناديق استثمار خلال السنوات الخمس الماضية. هذا بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات في الأسهم الخاصة بنسبة %78 في عام 2015 وانخفاض عدد الصفقات الاستثمارية بنسبة %81.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إصدارات سندات الشركات (شاملة الصكوك) في دول مجلس التعاون الخليجي، مقتصرة إجمالاً على الشركات الأكبر حجما. ويشكل غياب الأسواق الثانوية للسندات عائقًا آخر في المنطقة. كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه باستمرار صعوبات تحد من قدرتها على الحصول على التمويل. ويقدر حجم النقص في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في عام 2016 بما يقرب من 26 مليار دولار أميركي. ووفقًا لما أورده البنك الدولي، يعتبر حجم الائتمان المقدم للشركات الصغيرة والمتوسطة على شكل قروض مصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي من بين الأدنى في العالم، حيث يبلغ نحو %2 مقارنة بنسبة %26 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و%14 في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدا دول الخليج.
من جهة أخرى، حازت أشكال التمويل الأخرى كسندات المشاريع، على المزيد من الإقبال. ويعرف إصدار سندات المشروع بأنه إصدار يقتصر على مشروع معين تابع للشركة ولا يشمل عمليات الشركة ككل. وتتيح سندات المشاريع هذه للمستثمرين عموما عوائد جذابة على المدى الطويل بمدى فرق ائتماني كبير وبضمان الأصول موضوع المشروع. وتستخدم متحصلات السندات لتوفير تمويل مع حق رجوع محدود، أو من دون حق رجوع، لآلية ذات غرض واحد تملك المشروع وتقوم بتطويره وبنائه. وقد أصدرت شركة الرويس للطاقة سندات مشروع في عام 2013، تشكّل سابقة في مجال إصدار سندات المشاريع في قطاع الطاقة في المنطقة.
وكذلك تستطيع الحكومات في المنطقة أيضا اتباع السيناريو الاقتصادي الحالي للانتقال إلى سياسة تجتذب المزيد من مشاركة القطاع الخاص في عمليات جمع التمويل. ويجري حاليا أيضا تقييم إمكانية استخدام بورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم كخيار لتلبية احتياجاتها الرأسمالية وتحفيز نموها. كما أن الإقراض المباشر من دون وسيط والتمويل الجماعي، مع أنهما لا يزالان في مرحلة النشوء، يحققان تقدما سريعا في المنطقة، خصوصا للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات الناشئة عبر ملء الفجوة التي خلّفها المقرضون التقليديون.