من يوم الإثنين إلى يوم الجمعة تقوم تاتيانا غرايل كاسترو بإدارة محافظ سندات بقيمة 5 مليارات يورو. وخلال مقابلة أجريناها معها في مجلس إدارة مايفير التابع لرب عملها، «ميوزينيك»، بدت مرتاحة بشكل واضح وتتحدث بثقة تامة، بينما يقوم أحد الذكور الحاضرين بصبّ الشراب إلى الحاضرين.
لكن خلال عطلات نهاية الأسبوع، كما تقول، تغادر المنزل بدون حقيبتها الخاصة أو النقود والمفاتيح، مانحة زوجة الفرصة ليكون الشخص المسؤول.
«لا أدفع ثمن طعام الغداء ولا حتى القهوة. زوجي يضحك لذلك ويلقّبني بـ «الملكة»، لكنني استمتع بذلك فعلا»، كما تقول.
السيدة غرايل هي واحدة من مجموعة متزايدة من المعيلين الإناث اللواتي يتنقلن عبر تضاريس الحياة الصعبة كأشخاص يحصلن على الأجر الأعلى ضمن عائلاتهن.
هؤلاء لسن من النساء التقليديات الكثيرات اللواتي يحصّلن مالا أقل من الرجال عبر مجموعة كبيرة من القطاعات، وبالتالي لسن جزءا من المشكلة الطويلة التي حثّت رئيس الوزراء ديفيد كاميرون اخيرا كي يرمي بثقله خلف خطط تهدف لإجبار الشركات على الإفصاح عن متوسط معدلات الأجور بين الجنسين.
لكن بينما تحصل النساء في المعدل على أجر أقل من زملائهن الذكور الذين يؤدّون نفس العمل، فان دخل بعضهن يتجاوز بكثير دخل شريك حياتهن.
وقد أظهر استطلاع أُجري من قبل معهد بحوث السياسة العامة في عام 2013، ان حوالي أم واحدة من بين ثلاث ممن لديهن أطفالا مُعالين، هن المعيل الأساسي للعائلة.
وكشفت دراسة مستقلة أجراها معهد «إيبسوس» أنه في حوالي 4 من بين 10 من العائلات الأوروبية الأكثر ثراء توجد امرأة منتجة تزوّد العائلة بحوالي %40 من الدخل على الأقل.
إنها نعمة ولكن!
بالنسبة لكثير من الأزواج فان وجود امرأة منتجة بهذا الشكل الكبير يعتبر على الأرجح أمرا حميدا ونعمة، وليس مشكلة: فمنافع قيام عضو بتعظيم دخل العائلة تكون واضحة وظاهرة.
لكن كثيرا من النساء اللواتي يؤمّن الدخل المالي لعائلاتهن يقلون انهن مثقلن بالواجبات – وفي بعض الحالات يشعرن بالخجل – بينما يناضلن للتنقل بين الأدوار المختلفة. وقد نظرت الفاينانشال تايمز إلى التوترات التي يمكن أن تطفو إلى السطح ارتباطا بالتفاوت القائم بين الدخل والمسؤوليات.
أشارت دراسة لمعهد « آي بي بي آر» الى أنه بغض النظر عن وضع دخلهن فان 8 من بين 10 نساء يقمن بأعمال أكثر من أزواجهن. ووجدت دراسة أخرى أجريت على 2,000 شخص من قبل «ناتمغ» للاستثمارات في بريطانيا، أن أي فجوة في الراتب قد تميل لمصلحة المرأة تكون مصدر توتر بين %22 من الأزواج الذين هم في العشرين من العمر، و %14 لهؤلاء الذين هم في الثلاثينات من العمر.
ووجدت دراسة حديثة لمجلس رعاية العائلة الأميركي (إف دبليو إي سي) أن النساء العاملات والمنتجات ماديا حول العالم يتحمّلن حوالي %75 من مسؤوليات التخطيط المالي، بينما يتخذن %90 من قرارات نفقات المستهلك.
وقد تمكّنت بعض النساء اللواتي يُنتجن مبالغ مالية كبيرة من المضي قدما في حياتهن دون التعرض للإحتراق أو التوجه إلى محاكم الطلاق. مثال على ذلك هي السيدة غرايل كاسترو وزوجها الذي يعمل كمهندس برمجيات بدوام جزئي، حيث تمكّنا من توزيع الأدوار في ما بينهما بما يجعلهما يشعران بالارتياح التام من ذلك.
أحد الدروس المهمة التي استشهدت بها العديد من النساء المنت.جات هو مقاومة الحاجة للسيطرة على القضايا المنزلية، بما في ذلك- وهذا هو الأهم – الموارد المادية للعائلة.
إلا أن تبادل الأدوار الظاهر هذا، كما تمضي الدراسة، «يمكن أن يتسبب بالصراع في المنزل نفسه».
أدوار متساوية في القرارات المالية
السيدة غرايل تقول إنها تحرص على منح زوجها دوراً متساوياً في اتخاذ القرارات المالية، برغم كونها الشخص الذي يجلب المال إلى العائلة.
«أريد كثيرا أن أشركه» في الاجتماعات مع المستشار المالي، كما تقول. «بمجرد كونه لا يجني المال لا يعني أبداً أنه لا يملك أي عقل. أنا أقدّر كثيراً مساهماته وآراءه. لديه أفكار قيّمة تختلف بشكل كبير عن أفكاري».
جاني ثورنتون هي المؤسسة والمديرة الإدارية لشركة الاستشارات في مجال الطاقة «إنسبايرد إينرجي» ومقرها في لانكشاير. تقول إنها حريصة على أن يكون زوجها ماثيو، الذي هو أيضاً عضو في مجلس إدارة الشركة، شريكاً متساوياً في كل جانب من جوانب الحياة العائلية. وهذا يتضمّن أيضاً التخطيط المالي.
المقاربة التي يتبنانها، كما تقول السيدة ثورتون، هي أن «يتولى ماثيو مسألة إدارة شؤوننا المالية، رغم امتلاكنا مجموعة مركزية» للأجور والأصول. ورغم اختلاف حجم رواتبهما، فإنهما يضعان مدخراتهما في حساب مصرفي مشترك.
«لا توجد حسابات على بعضنا» في ما يخص الصرف الفردي، كما تقول، بالرغم من أن الزوجين وافقا بشكل عام على «ما يمكنهما وما لا يمكنهما صرفه»، وأنهما سيستشيران بعضهما بشأن أعمال الشراء الكبرى، كشراء سيارة مثلاً.
ما هو لك وما هو لي وما هو لنا
فرنوش ترابي، المعلّقة المالية الأميركية وصاحبة كتاب «عندما تجني هي أكثر»، تنصح بشدة بأن تحرص النساء المعيلات على بناء أكبر قدر ممكن من المساواة في أموال العائلة.
«أعتقد بأن الهيكلية الصحية تتمثل بتقسيم المدخرات إلى ثلاث قنوات واضحة: ما هو لك، ما هو لي، وما هو لنا»، كما تكتب.
وتضيف أنه «بغض النظر عن حجم الأموال التي يجنيها الرجل، فإنه بحاجة إلى استقلاليته المالية. لذا، خططي له أن يقتطع من راتبه الشهري نحو %10 إلى %15، وأن يضعها في حسابه الشخصي». كما تقترح الكاتبة أيضاً أن يؤسس الشريكان حسابات مشتركة من أجل النفقات اليومية وتحقيق الأهداف المشتركة، بحيث يساهم كل منهما بالكمية التي يقدر على توفيرها.
نموذج المساواة هذا يمكن أن يكون حاسماً لإنجاح شراكة النساء المعيلات، كما تقول آيلين أوكونول التي شاركت في تأسيس شركة الاستشارات هيمينغتون ويلث مانجمنت في واشنطن.
«نصف عملي يشمل الاستشارة الزوجية»، كما تكشف. وعندما تنصح النساء الثريات، أي المجموعة الديموغرافية التي تستهدفها شركتها، فإنها تحرص على «الاقتراح بأن تتمكن من اصطحاب زوجها معها».
هذا الأمر لا يعفي النساء فقط من القيام بحصة الأسد من التخطيط المالي، بل يساعد الزوجين «على أن يقترحا معاً ما يمكن أن يكون جيداً بالنسبة لهما، بحيث لا يكون المال سبباً في الطلاق».
وتكشف السيدة أوكونول أن بعض زبائنها يتبنّين معايير صارمة لتجنب احتمال أن تثير رواتبهن الكبيرة انزعاج أزواجهن. لذا، خلال إدارتها لحسابات التقاعد الفردية (خطط توفير أميركية مع إعفاءات ضريبية) لأحد الشريكين، طُلب منها أن تتجنب وضع أي أسماء على الوثائق المكتوبة، «لذا، كُتب فيها مثلاً: حسابات التقاعد الفردية رقم واحد، وحسابات التقاعد الفردية رقم اثنان».
لا تخلو المسألة من خجل
معيلات أخريات من النساء يخترن أحياناً إخفاء أوضاعهن باعتبار أن السرية هي طريقة أسهل للتعامل مع الوضع.
جو هايغ هي المديرة التنفيذية الأساسية لمؤسسة تمويل الشركات (إف دي إس) ومتحدثة دائمة في معهد المديرين البريطاني، حيث تحاضر غالباً أمام جمهور من الذكور حول كيفية إجراء عمليات الدمج والاستحواذ.
ولكن عندما تخرج في مناسبات اجتماعية مع زوجها المدير التنفيذي السابق في مجال الإعلانات، فإنها تقول: «هناك وصمة عار اجتماعية سائدة في حال قررت السيدة إخراج بطاقة الدفع كي تسدد ثمن الفاتورة.. لقد أدركتُ باكراً جداً أن قليلاً من حفظ ماء الوجه هو أفضل طريقة للتعامل مع الأمور».
السيدة أوكونول تلاحظ وجود اتجاه مشابه بين زبائنها الأميركيين الشماليين على الأغلب، قائلة إن «السماح للزوج بتسديد الفاتورة خلال العشاء هو شيء أسمعه دائماً من النساء الثريات».
النساء من ذوات الدخل المرتفع واللواتي تمت مقابلتهن لغرض كتابة هذا المقال عبّرن بشكل موحّد تقريباً عن شعورهن بالإحباط لأن المجتمع لم يعترف بهن بشكل كامل بعد.
وفي السياق، تكشف السيدة ثورنتون عن حادثة شرائها سيارة من نوع بورش في معرض مانشستر، حيث ذهبت إلى المعرض المذكور برفقة زوجها. ورغم ذكرها بشكل واضح أنها ستسدد ثمن السيارة وستختار بعض الملامح المرافقة للسيارة المذكورة، فإن البائعين في المعرض كانوا يتصرفون دائماً وكأن زوجها هو زبونهم، حتى أنهم أرسلوا له في اليوم التالي دعوة شخصية لحضور فعالية تنظمها الشركة.
وكما أضافت، فإن مصرفها يتصرف معها أيضاً وكأن زوجها «هو المسؤول عن الحساب المصرفي»، برغم مشاركتهما معاً في اجتماعات إدارة الثروة.
هذا، ومن المحتمل أن يشهد عدد المعيلات النساء ازدياداً ملحوظاً. فقد أفاد معهد «آي بي بي آر» في دراسته من عام 2013 أن أكثر من 2.2 مليون من الأمهات العاملات هن المعيل الأساسي لعائلاتهن، أي ما يشكّل ارتفاعاً بمعدل 1 مليون منذ عام 1997.
وهذا، يوفر مجموعة أكبر من نماذج التحصيل العالي للنساء اللواتي بلغن سن الرشد وانضممن إلى قوة العمل.
إدارة الثروات منتج ذكوري
ولكن يمكن للنماذج الاجتماعية أن تصعّب الحياة على الأمهات العاملات. وكما يقول نيك هانغرفورد مدير الاستثمار لدى «ناتميغ»، فإن نهج صناعة إدارة الثروة البريطانية تجاه النساء الثريات هو «مثير للسخرية تماماً.. وسخيف تماما».
ويقول المذكور إن أسواق صناعة الاستشارات المالية هي بحد ذاتها «منتجاً ذكورياً – الاتصالات، والإعلانات التي يتم نشرها على التلفاز لا تُظهر سوى رجال في شاشات التداول، أو خلال ممارستهم للعبة الغولف مع الزبائن».
ويضيف أن الرجال والنساء يتبنّون مقاربات مختلفة تماماً حيال الاستثمار، ويجب على المستشارين الماليين أن يثقّفوا أنفسهم حيال ذلك.
في السياق، يقول السيد هانغرفوود إن «النساء يملن لتثقيف أنفسهن أكثر، ويدخّرن بشكل أفضل، ويتبنّين نظرة طويلة الأمد»، بينما ينتقل الرجال غالباً إلى خارج وداخل الاستثمارات.
لذا، بحسب رأي المذكور، فإن المستشارين الماليين الذين يركّزون على الذكور يكونون غالباً غير مرتاحين بالتحدث مع النساء، والعكس صحيح أيضاً. «هذه صناعة يكون فيها المستشارون الذين يتفاوضون وجهاً لوجه من الذكور غالباً»، كما قال.
القانون وحده لا يحقق كامل العدالة
في المملكة المتحدة يتم فصل أصول وممتلكات الزوجين المطلّقين بمعدل 50 – 50، بينما يكون للمحاكم حق التصرف في تحديد نفقة الزوج الأقل دخلاً، وعليه يمكن التعامل بشكل مختلف جداً مع الرجال والنساء.
في عام 2009، منح مجلس اللوردات المحامية السابقة جوليا ماكفارلين %40 من حسابات الدخل المستقبلي لزوجها، بعدما كان الزوجين قد تقاسما رأسمالهما بمعدل 50 – 50.
كما أفيد بأن المصور الفوتوغرافي البريطاني روبرت نايتنغايل استأنف قضائياً أمام محكمة الاستئناف ضد زوجته ذات الدخل الكبير، لأن المحكمة العليا قررت منحه تسوية طلاق قيمتها 50000 جنيه سنوياً فقط. وزعم المذكور أن القرار القضائي كان متحيّزاً من الناحية الجنسية.
ورفض نايتنغايل التعليق على الأمر عندما اتصلنا به، وكذلك فعل محاميه.
كارولين غوردون سميث، مسؤولة قانون الأسرة لدى شركة المحاماة «ستيفنز أند بولتون»، تقول ان النقطة الأخرى من القانون في محاكم الطلاق البريطانية، والتي لم يتم اختبارها بعد، تتمثل بظاهرة المعيلات، النساء اللواتي يجلبن إلى المنزل الحصة الأكبر من الدخل، لكنهن يتحملن في نفس الوقت حصة الأسد من إدارة منزل الأسرة.
«هؤلاء اللواتي يوفرن المدخرات، وفي نفس الوقت يمارسن عملا أكبر في المنزل ــ ألا يحق لهن الحصول على أكثر من %50 من أصول الزواج؟» كما تتساءل السيدة غوردون.
وتضيف: «على الرغم من وجود سابقة قانونية تفيد بأن التسوية المالية الممتازة يمكن أن تعادل الخروج عن المساواة (في تسويات الطلاق)، فإنه لا توجد سابقة لمكافأة الشريك الذي يقدّم مساهمة مالية أكبر ويقوم بكل الأمور الأخرى أيضا».
وحتى يتأقلم المجتمع مع ذلك، يبدو أن المعيلات النساء سيضطررن للعثور على الأجوبة بأنفسهن.
انسي فكرة أن المال لك. لأنك. جنيته
تشير البحوث إلى أنه من المرجح أن تقوم المرأة المعيلة بقدر أكبر من شريكها فيما يخص العمل المنزلي أو إدارة المنزل، وأن تراقب ثروة العائلة، وهو ما يعتبر مزيجاً يمكن أن يؤدي الى التوتر والاحتراق.
لذا فإن النصيحة المقدّمة من هؤلاء الذين تمكنوا من التعامل مع الصعاب تتضمن:
تشاركوا بحمل إدارة الثروة. فلعب دور مساو أو حتى مسيطر في أموال العائلة يمنح الشركاء من الذكور، الذين قد يكونون قد تخلوا عن وضعهم المهني بهدف البقاء في المنزل ورعاية العائلة، المهمة الصعبة فكريا، والمتمثلة بتشكيل وبناء محفظة من الاستثمارات.
انسوا فكرة أن «المال هو لي لأنني جنيته»، وضعوا مدخرات الشريكين في وعاء مشترك. وعندما يتم دفع الفواتير الضرورية والأساسية، أمنحوا كل شريك كمية متساوية من الدخل الشهري القابل للصرف. هذا الأمر يمنع تولّد شعور بالدونية لدى الرجل، لأنه يضطر لأخذ الإذن كلما أراد شراء شيء صغير لنفسه.
تستمر النساء المعيلات بممارسة أعمال أكثر ارتباطا بإدارة المنزل مقارنة بالمعيلين الذكور. وحتى يتغير ذلك، يجب عليكم الحفاظ على رقابة حذرة في ما يخص موازنة الواجبات، حتى لا يحصل الاحتراق.
وكما تقول جو هايغ: «نحن (النساء) نتحمل مسؤوليات أكثر بكثير. أنا أدير وقتي بشكل جيد جدا. لقد كتبتُ ستة كتب، وكتبتُ في إحداها إهداء للصالون الذي أصفف فيه شعري، لأنه المكان الذي كتبتُ فيه معظم فحواه. أنا بكل بساطة أستغل كل لحظة».
نقلا عن القبس الكويتية