
أ.د. لطيفة حسين الكندري *
جميعنا نواجه شخصيات مزعجة، نضطر إلى التعامل معها من آن لآخر في قنوات التواصل الاجتماعي، أو في مجال العمل أو في علاقاتنا الاجتماعية، أو حتى عندما نسافر للسياحة أو العلاج أو التعلم أو التجارة. ينجح الشخص المستفِزّ في الحصول على مبتغاه عن طريق الصراخ أو إثارة المشاكل وانتقاء المواضيع الشاذة وإرباك الذي أمامه، بل قد ينجح في الاستخفاف بالخصم وارغامه على الدخول معه في المخاصمة والمجادلة في مواضيع لا ثمرة لها ولا تستحق المناقشة المطولة، ما يجعل الطرف المخالف يثور غضبا أو يقع في حرج بالغ أو يتهرب من إكمال المواجهة.
يعاني الشخص الاستفزازي من نقص حاد في فهم ثقافة الحوار الهادئ، وربما لديه عجز في تطبيق المهارات الحوارية اللازمة، وكذلك يجد اضطرابا شديدا في ترتيب الأفكار، فلا يتوقف عند حد البراهين العقلية الدامغة، بل يجادل في الحقائق بلا حجة ظاهرة.
لا شك في أن الذي يثير الآخرين ويدفعهم الى الغضب لأسباب تافهة يستدرجهم لمعارك كلامية شائكة. نشاهد في عالم الصحافة والاعلام عموما مقالات ولقاءات وتحقيقات وبرامج جادة، وأخرى تحيد عن الصواب وتبحث عن الشهرة السريعة عبر اثارة موضوعات، تستفز فئات معينة بحثا عن الأضواء والشهرة.
من أفضل الوسائل في التعامل مع الكلام الاستفزازي ضبط الذات وعدم مجاراة المحرضين، والتحلي بالعقلانية في التعامل وحسن انتقاء الألفاظ. صاحب السلوك الاستفزازي حاد الطبع، يتصيد الأخطاء، ويستمتع في «رفع ضغط الطرف الآخر». ولهذا، يجب فهم هذه العقليات وعدم مجاراتها، لأنها تريد كسب المواقف وكسر المخالف ولا يهمها أبدا البحث عن الصواب، وتجلية الخطاب، وفهم الأسباب.
لا نستطيع كثيرا التأثير في الآخرين، ولكننا نملك زمام أمورنا، ونستطيع أن نحدد حواراتنا، وننتقي سلوكياتنا بلباقة، وعلينا ألا نرضخ للمطالب الاستفزازية، لا سيما عندما نكون في الاجتماعات الرسمية أو اللقاءات الاجتماعية.
إن إدارة الذات تحتم علينا أن نتجنّب الأشخاص الذين يعانون من التوترات الحادة حتى أثناء قيادة السيارة، فإن ثمة أشخاصاً تؤدي تصرفاتهم الاستفزازية، وأفعالهم الطائشة، إلى حوادث مروّعة، فيها هلاك النفس، واضرار بالآخرين والممتلكات.
وأجدني منساقة نحو التحذير من عواقب التصرفات الاستفزازية، لا سيما في العمل السياسي وتحت قبة البرلمان، فالسياسي إنسان يُرجح الحكمة، ويؤمن بالاختلاف، ويميل الى الحوار البنّاء، ويشارك في عمليتي الاقناع والاقتناع.
نقص ثقافة الحوار المهذب يجعل جلسات الأصدقاء والسياسيين والمفكرين والأقرباء عديمة الجدوى وتلحق الأذى بالعلاقات الإنسانية وتساهم في شيوع المشكلات. من أبرز علامات الشخص الاستفزازي أنه لا يحب أن يتعلم، ولكن يتظاهر بأنه مقهور من سوء الأوضاع، مع أن تصرفاته تزيد الأحوال تعاسة وشؤما. الكلمة الطيبة اللبقة صدقة، تزرع الأمل بين الناس، وتصرف عنهم السوء والبغضاء والجفاء، وفقد الأعصاب.
* نقلا عن صحيفة القبس