السبت , 21 يونيو 2025

سيدة الأعمال سلوى حمد “أفضل مُنظِّم رحلات”.. هذه قصتها

تحاول سيدة الأعمال سلوى حمد تغيير التصورات الشائعة عن المملكة السعودية العربية، بأن تُظهر للناس عجائبها الكامنة.

المملكة العربية، حُين تفكر في “وجهات العطلات”، لا تَرِد السعودية على ذهنك غالباً. لكنَّ سلوى حمد، مؤسسة شركة “رحلات هيا”، تأمل في تغيير ذلك.

التقت مراسلة موقع “Middle East Eye” بسلوى في مكتبها الجديد بالرياض، المُزيَّن بصور فوتوغرافية جميلة، وكُتيِّبات سفر مُلوَّنة، وأشغال يدوية تقليدية، وتُتوجها جميعاً جائزة “أفضل مُنظِّم رحلات”. شتَّان الفارق ما بين هذا المكان وبين غرفة منزلها الصغيرة، حيث بدأت عملها منذ 6 سنوات.

لطالما كانت سلوى، منذ نعومة أظافرها شغوفة بالسفر والمغامرة.

وتقول سلوى: “قرأتُ كثيراً وأنا طفلة. قرأت رواية “حول العالم في 80 يوماً”، وقرأت عن الرحلات كرحلة ابن بطوطة. وكان أبي يأخذنا في رحلة تخييم كل ربيع. كان أبي من المنطقة الشرقية وكانت عائلة أمي من الطائف؛ لذا كُنَّا نسافر كل عام إلى كلا المكانين، وتعلَّمت كل الطرق والمسالك بينهما”.

 

دروس الطفولة

 

تعلمتْ سلوى أن تكون مستقلة، وذلك على يد والدها، رجل الأعمال حمد محمد القنيبط، الذي توقف عن منحها المال فور أن بدأت تعمل. وقد سمح لها، هو ووالدتها مدي حمد العليان، بأن تختار طريقها الخاص في الحياة.

وتقول سلوى: “كانت والدتي من الجيل الذي لم تفعل فيه النساء شيئاً لأنفسهن؛ لأنَّ التقاليد لم تسمح لهُنّ. لم تذهب مطلقاً إلى السوبر ماركت؛ فلم يُسمح لها سوى بأن تكون أماً وزوجةً. وقالت لي: سلوى، لا بد أن تكوني مستقلة. لا تطلبي من أي شخص كان أن يمنحكِ المال، عليكِ أن تكسبيه بنفسك”.

s

وعملت سلوى بنصيحة والدتها، وبعدما أكملت دبلومها في الكمبيوتر، عملت مُبرمجة كمبيوتر في وزارة المالية السعودية. لكنها شعرت أنَّ بيئة العمل كبتت إبداعها، بسبب البيروقراطية ورفض تحديث أنظمة الكمبيوتر القديمة.

لكن عملها المستقل مَنَحها وقتاً شاغراً كثيراً، استغلَّته في أن تُعلِّم نفسها الأماكن المُشوِّقة في السعودية.

 

الخروج عن التقاليد

 

خلال الأعوام العشرين التي عملتْ خلالها في الحكومة، تزوجت سلوى وأنجبت 3 أبناء. نظَّمت الزواج إحدى صديقاتها، وهو ما خالف التقاليد المحليِّة، إذ قررت سلوى أنها لن تتزوج أحداً من أقربائها.

وبعكس التقاليد السائدة وقتها، طلبتْ أيضاً أن ترى زوجها قبل الزواج، وأخبرته أنها لن ترتدي النقاب، مع أنَّ تغطية أوجُه النساء جزء من الثقافة في أغلب أنحاء السعودية حتى الآن.

وتقول سلوى: “أخبرته أنِّي لن أغطي وجهي؛ لأني لا أحب ارتداء النقاب، وأنِّي لن أتوقف عن العمل أيضاً. وقد وافق لأنه رجل لطيف وواسع الأفق”.

 

مُرشدة بالفطرة

 

تقاعدت سلوى عن العمل الحكومي وعمرها 42 عاماً، وخصصت وقتها لتنظيم عطلات عائلية إلى الأماكن المُشوِّقة في السعودية.

وتقول: “كنتُ أذهب لوزارة السياحة، وأحصل على كل الخرائط، وأستأجر حافلةً، وأجمع أخواتي وأطفالي وأقول: هيا بنا!”

s

وذهبتْ سلوى لأماكن مثل مدائن صالح، وهو موقع أثري في الشمال الغربي، كان في الماضي يسكنه الأنباط، الذين بنَوا لاحقاً مدينة البتراء التاريخية في الأردن.

وساعدت أختها، وهي مُدرسة، أن تُنظِّم رحلات ميدانية لأماكن تاريخية مثل قصر المصمك، وهو مبنى من الطوب اللبِن في حي الرياض القديم، وهو المكان الذي استردَّ فيه ابن سعود المدينة.

ومن أماكنها المُفضلة المنحدر المذهل المُطل على وادي “الأكاسيا”، الذي يُعدُّ أشد المناطق انخفاضاً في السعودية، وهو يشتهر باسم “حافة العالم”.

وصارت سلوى خبيرةً في البحث وتحديد جداول المواعيد وتخطيط الخدمات اللوجستية؛ لذا كان انتقالها للعمل مُنظمةً للرحلات انتقالاً طبيعياً، لكنه لم يكُن سهلاً.

 

عالَم ذُكوري

 

تقول سلوى: “أردتُ أن يكتسب عملي صفةً رسميةً؛ لذا تقدمت بطلب الحصول على ترخيص لأعمل مرشدةً سياحيةً، من الهيئة العامة للسياحة والتُّراث الوطني. مرَّت 3 شهور ولم أتلقَّ أي رد؛ فاتصلت بهم لأعرف السبب، وقال لي موظف خلال الهاتف: لا يمكن للنساء أن يصِرنَ مُرشداتٍ سياحيات”.

لكنَّ هذا لم يردع سلوى. فقد دعمتها عائلتها، ونفَّذت نصيحة زوجها بأن تقدمت بطلب للحصول على ترخيص لتعمل “مُنظمة” رحلات. لكنَّ هذا تطلَّب أن تمتلك مكتباً، ولم تكن لديها القدرة على تحمل تكاليف هذا؛ لذا أجَّرَت غرفة صغيرة. وحين جاء موعد التفتيش، أخبرها موظف وزارة السياحة أنَّ غرفتها كانت أقبح من أن تكون غرفة لإدارة أعمالها. أغضبها هذا؛ فاتجهت إلى المكتب الرئيس للترخيص السياحي.

s

وتقول: “كنت خائفةً، لكنِّي شرحت لهم كل شيء. وبعدما استمعوا لي، اتصلوا بالرئيس في مكتب الرياض. أظن أن حرارتي لحظتها وصلت إلى 500 درجة! وأخبرته أنَّ من حقي أن أنال هذا الترخيص وسألته أن يمنحني 6 شهور لأثبت كفاءتي. وأجاب: “سأمنحكِ عاماً”. وأخذتُ الترخيص!”

ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن شيء من إيقاف سلوى. نظَّمت جداول المواعيد، وتأكدت أنَّ برامجها تسير وفق الوقت المحدد، وفي الموسم الصحيح. وتقول: “مثلاً، إن أردتِ رؤية مهرجان الورد الطائفي، فيجب أن تذهبي في الربيع”.

 

تغيير العقليات السعودية

 

كان التسويق الشفهي (أي أن يُخبر العملاء الراضين معارفهم برضاهم عن الخدمة) مصدر دعايتها الأساسي. واتصلتْ بها وكالات صحفية سعودية متنوعة لتغطية ما تفعله، لكنها تجنبتهم على نحو كبير، خَشْيةَ أن يُركِّز الصحفيون فقط على كونها امرأة تعمل في مهنة ذكورية. أرادت سلوى أن تتحدث عن السياحة، لكنَّ الأسئلة التي تلقَّتها كانت تخُصُّ عدم تغطية وجهها أمام العمال الغرباء.

وكانت هناك تحديات أُخرى. فقد وجدت سلوى أنَّ السعوديين، الذين كانت متحمسة للغاية لتعليمهم، كانوا، على نحو كبير، غير مُهتمين بالرحلات؛ إذ لم يَقرِنوا السعودية بالسياحة.

وتقول: “الكثيرون منا لديهم صورة سيئة للغاية عن السعودية، ونحتاج لتصحيحها. ربما يظنون أنَّ السياحة يجب أن تقترن فقط بأماكن مثل أوروبا، حيث يوجد ريف أخضر. أريد أن أفهم لماذا لا يهتمون. عملت في مجالي 6 أعوام، وما زلت لا أفهم شعبي”.

وتحدث موقع “Middle East Eye” مع بعض السعوديين وسألهم عن سبب عدم رغبتهم في اكتشاف المزيد من الأماكن في بلدهم، وتلقَّي إجاباتٍ مشابهة على نهج “لا يُوجد شيء نراه هنا”. وشرح مُنظم رحلات سعودي آخر وجهة نظره في عدم اهتمام السعوديين بزيارة المواقع الأثرية والجمالية في السعودية، إذ قال ساخراً: “السبب هو عدم وجود مراكز تسوُّق هناك”.

ما زال قياس الاهتمام السعودي تحدياً، ترى سلوى أن من الممكن التغلب عليه بالتعليم.

 

صورة السعودية في العالم

 

تُعبر سلوى عن استيائها من أشياء مثل حظر النساء من قيادة السيارات، لكنها تُصرُّ على أنَّ التغيير سيحدث، وهي تُخبر عملاءها بذلك.

وتقول مؤكدةً: “انظري لي، أنا امرأة، وأنا أعمل وأسافر في كل مكان. حين كنتُ في الحكومة، كنت أحصل على الراتب ذاته الذي كان يحصل عليه زملائي الذكور”.

وفيما يخُصُّ اليمن، اعترفت سلوى بأنها ضد كل الحروب وأنها تريد حلاً. وبالصدفة، أُلغيت هذا العام إحدى رحلاتها، للمرة الأولى، حين ألغت مدرسة دولية زيارة لمنطقة قريبة من الحدود اليمنية، بسبب مخاوف أمنية.

وفيما يخُصُّ تدمير المواقع التراثية باسم الدين، قالت سلوى إنَّ الحكومة لا تُجيز هذا الفعل، وإنَّ هناك أفراداً مُتطرفين يغسلون أمخاخ الشباب ويرسلونهم لفعل أشياء كهذه. وترى أنَّ الحل هو نشر تعاليم الإسلام نشراً أفضل.

يُذكر أنَّ في مارس/آذار عام 2015، قادت السعودية ائتلافاً يضُم دولاً عربية وخليجية لدعم حكومة اليمن التي سقطت، ضد الثوار الحوثيين. ومنذ ذلك الحين، قُتل في هذه الحرب أكثر من 7 آلاف شخص، وأُصيب نحو 37 ألفاً، وذلك وفقاً للأمم المتحدة.

 

مستقبل سياحي واعد

 

رغم الجدل المقترن بالسعودية، فوجئت سلوى مفاجأة سارة حين وجدت أنَّ الأجانب الذين يعيشون هناك كانوا مُهتمِّين برحلاتها، مثل المُدرِّسة البريطانية شيري روبيرتس.

وتقول شيري: “دائماً ما نسمع عن القيود المفروضة في السعودية، لكننا لا نسمع عن الجانب الأكثر إيجابية. مع “رحلات هيا”، رأيتُ كرم الضيافة السعودية الحقيقي، ورأيت مناظر طبيعية مذهلة. ذهبت لمهرجان التمر، ومعرض الصقور، وإلى حافة العالم، ومسابقة جَمال الجِمال، وكانت هذه المرَّة الأولى التي يُسمح فيها للنساء بالذهاب!”

ويُعدُّ حماس العُملاء واحداً من أهم مصادر تحفيز سلوى. وهي تستقبل الآن طلبات من مدارس دولية، وأفواج نسائية، وشركات مثل “أرامكو”، ومن أفراد يعيشون في السعودية، ويريدون استكشاف البلد مع أحد سكانها المحليين.

s

وتستقبل سلوى أيضاً المئات من رسائل البريد الإلكتروني، وعدداً متزايداً من الطلبات التي ترسلها أفواج من خارج البلد. لكنها تعاني من القيود التي تفرضها الحكومة. في الوقت الحالي، لا تُصدر الحكومة تأشيرات سفر سياحية؛ لذا فالسعودية متاحة فقط أمام من يذهبون هناك من أجل العمل. لكنَّ سلوى تقول إنَّ الأحوال تتغير.

وتقول: “حتى الآن، لم تفتح الحكومة أبوابها للسياحة، لكنِّي أؤمن بأنها ستفعل. سيحتاج الأمر بعض الوقت فقط”.

ويبدو أنها مُحقة. فقد تعهد الملك سلمان، الشهر الماضي، بالاشتراك في عمليات تنقيب أثرية جنباً إلى جنبٍ مع فِرق فرنسية. ووعدت الحكومة أيضاً أن تستثمر في القطاع السياحي، وذلك جزء من رؤية الملك سلمان لعام 2030، التي تشمل تنويع مجالات الاقتصاد السعودي بعيداً عن البترول.

وفي الوقت الحالي، تنتظر سلوى الفرصة لنشر شغفها بتعليم الناس عن جمال بلدها وتاريخه وثقافته وتراثه. إنها تدعوكم لرؤية “السعودية الحقيقية”.

 

 

* هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني نقلا عن huffpostarabi

شاهد أيضاً

الاتحاد النسائي الإماراتي ينظم ملتقى “جودة الصحة النفسية للمرأة”

Share