الخميس , 10 يوليو 2025

عبدالله الأيوبي يكتب: تمكين المرأة بين الأمنية والواقع

يشكل التمكين الاقتصادي للمرأة لدى جميع المجتمعات واحدا من أحجار البناء الأساسية التي يتركز عليها أي مشروع وطني يستهدف النهوض بالمرأة وتمكينها من أداء دور رئيسي في المجتمع على قدم المساواة مع الدور الذي يؤديه الرجل، ويعتبر هذا التمكين قوة دفع تساعد على تجاوز الكثير من العقبات المرتبطة بأوضاع اجتماعية وأسرية أيضا، طالما مثلت عائقا أمام انطلاقة المرأة ومشاركتها الكاملة في جميع الميادين الوطنية التي لا يجب أن يكون هناك أي حاجز يحول دون ذلك، أو أن يكون هناك أي شكل من أشكال التمييز أو أفضلية للرجل على المرأة.
مثل هذه العقبات الاجتماعية طالما استخدمت كورقة للوقوف أمام العديد من المشاريع الاجتماعية والقانونية التي تستهدف تسليك الطريق أمام دخول المرأة إلى هذه الميادين ومشاركتها الكاملة في مختلف الأنشطة والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، لذلك لم يكن مستغربا أن يكون حضور المرأة والمشاركة في العديد من مثل هذه الفعاليات جاء متأخرا في الكثير من المجتمعات العربية والخليجية كذلك، بغض النظر عن الفارق الزمني في ذلك، إذا ما قيس الأمر بمجتمعات أخرى تمكنت من تجاوز الكثير من العقبات الاجتماعية منذ فترة طويلة.
ليس هناك أدنى شك، بل ان الواقع يؤكد ذلك، في أن الموروث الاجتماعي أو ما تسمى بالعادات والتقاليد, شكل جزءا ليس سهلا ولا صغيرا من العقبات التي فرملت وعطلت العديد من التوجهات التي تستهدف تغيير واقع المرأة في مجتمعاتنا العربية والخليجية، ولعب هذا الموروث والعادات دورا سلبيا ومؤثرا في الإبطاء أو تعطيل مثل هذه المشاريع, وهو ما يعد «انتصارا» لتلك الأصوات التي تلجأ إلى حجة «الموروث والعادات»، ليس هدفها الحماية أو الدفاع عن «الموروث والعادات» وإنما تأكيدا على موقفها الثابت والمناهض لمبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات.
يتوقف تعاطي المجتمعات مع وضعية المرأة وتجاوبها مع الدعوات التي تنادي بتأكيد وتثبيت الحقوق الإنسانية الكاملة للمرأة أسوة بما يتمتع به الرجل في هذه المجتمعات، يتوقف ذلك على مدى ما تتمتع به تلك المجتمعات من درجات الوعي أولا والإيمان الصادق بمشروعية وحق المرأة في أن تحظى بمكانتها الطبيعية كإنسان له كامل الحقوق وعليها، بالقدر نفسه، كامل الواجبات التي يتحملها أو ينالها الرجل، وبالتالي فإن المجتمع يتحمل جزءا لا بأس به من مسؤولية تصحيح الخلل وتثبيت المعادلة العادلة بين الجنسين.
متى ما كانت درجة الوعي هذه عالية فإن دعم المجتمع للمطالب المشروعة للمرأة والتعاطف معها، بل ودعمها وتبنيها، يكون قويا ومؤثرا، ولمعرفة مقدار ما تتمتع به المرأة من حقوق في هذا المجتمع أو ذاك، ما عليك سوى أن تقيس مستوى الوعي المجتمعي، فهذا الوعي هو بمثابة الجسر الذي تخطو المرأة من خلاله نحو تحقيق مطالبها الإنسانية العادلة التي طالما بقيت غائبة أو مغيبة في جميع المجتمعات تقريبا، دون إنكار أن هناك تفاوتا كبيرا في هذا التغييب بين مجتمع وآخر، ليس بسبب غياب التشريعات فحسب، وإنما لضعف الدعم المجتمعي.
مهمة تمكين المرأة، أي جعل وصولها إلى تحقيق مطالبها المشروعة ونيلها وتثبيتها بقوة القانون، لا تتوقف فقط على نجاح مشاريع التمكين في المجالات التعليمية والاقتصادية أو غيرها من الميادين، رغم ما لمثل هذه المشاريع من أهمية قصوى فإن نتائجها يمكن أن تصطدم بالوعي المجتمعي الذي يتحول إلى عقبة تشاغب أو تفرمل فعالية النجاحات التي تتحقق في العديد من الميادين، وبالتالي لا بد من العمل الدؤوب من أجل تغيير النظرة المجتمعية الخاطئة بشأن حقوق المرأة وقضية المساواة بين الجنسين وعدم ربطها بما يسمى بالعادات والتقاليد.
العديد من المجتمعات العربية والخليجية كذلك، وبغض النظر عن التفاوت في مستوى الحقوق التي نالتها المرأة أو وضعها المجتمعي، فإن فئات كبيرة من هذه المجتمعات، ومن الجنسين أيضا, ما زالت حبيسة النظرة النمطية للمرأة وغير مؤمنة بضرورة القضاء على كافة أشكال التمييز بين الجنسين والإقرار بحق المرأة في أن تكون على قدر المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل، البعض ينظر إلى المساواة على أنها خروج عن المألوف الاجتماعي الذي يستند إلى العادات والتقاليد، وآخر يرى أن إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة تتناقض مع التعاليم الدينية، وهذه نظرات خاطئة وليس لها علاقة لا بالعادات ولا بهذه التعاليم.
المجتمعات بحاجة إلى ما يشبه الثورة الاجتماعية من أجل تغيير هذه النظرات والتخلص من عقدة التفوق الذكوري الموروث عن أزمان لم تكن المرأة فيها لاعبا محوريا في مختلف ميادين الحياة، مع أنها لعبت مثل هذا الدور في عدة ميادين من قبل، فتغيير نمط التفكير الذكوري يبقى حجر الزاوية التي لا بد من وضعها كي ينجح التمكين الحقيقي للمرأة.

شاهد أيضاً

العبدالهادي يصدر الجزء الثاني من كتابه «مبدعات كويتيات»

Share