الأحد , 22 يونيو 2025

فوربس.. قصة نجاح أول سيدة تترأس بنك في السعودية


حدث الأمر بين ليلة وضحاها بصورة عامة. وفي غضون ساعات قليلة، صار اسم رانيا نشار كثير التداول وفي صدارة الأخبار المتعلقة بقطاع التمويل السعودي، لكونها أول رئيسة تنفيذية لبنك تجاري سعودي مدرج. أما بصورة خاصة فقد كان صعودها إلى هذا المنصب في مجموعة سامبا المالية يمثل رحلة امتدت 20 عاماً، لم تتميز بالانطلاق السريع بقدر ما اتسمت بتطورات بطيئة وثابتة.

فحين انضمت إلى المجموعة عام 1997 ، كان اهتمامها المهني الأكبر منصباً على مشكلة عام 2000 ، أي الانهيار الرقمي الوهمي الذي لم يحدث مطلقاً. والآن، بإشرافها على أصول حقيقية تتعدى 61 مليار دولار، عليها أن تقود ثالث أكبر مؤسسة مالية في السعودية عبر مناخ اقتصادي راكد، بينما تواصل قيادة المملكة إصلاحاتها التاريخية.

ولا يتعدى تعيينها أكثر من كونه تغيرًا إدارياً بحتاً. تقول لبنى قاسم، نائب الرئيس التنفيذي في بنك الإمارات دبي الوطني وعضو في % Club 30 لمنطقة الخليج، الذي يناصر مشاركة أوسع للمرأة في الأعمال التجارية: “هذا إنجاز عظيم، وعلينا الاحتفال به حقاً، إذ من خلاله نوضح للنساء في المنطقة أنه لا حدود لأحلامهن، وأن الوصول إلى منصب الرئيس التنفيذي خيار وظيفي لا يقتصر على الرجال”. غير أن مسيرة نشار المهنية لم تتحدد بالنوع الاجتماعي كونها امرأة بقدر ما تحددت بتطور المصرف أيضاً؛ فحين التحقت به، كان تابعاً ل Citibank ويتبنى ثقافة Wall Street ونموذج أعمال تقليدي عموماً.

تستذكر نشار بقولها: “كان العملاء أكثر تركيزًا على الصيرفة التقليدية بحيث يأتون ويطلبون الجلوس عند موظف يرتدي بدلة رسمية على مكتب بني اللون- أي يفضلون الطريقة التقليدية”. لكن بعد أن أسهم العمل على الاندماج مع “البنك السعودي المتحد” عام 1999 في جعل سامبا إحدى أكبر المؤسسات المالية في الشرق الأوسط، استغلت نشار شهادتها في علوم الحاسوب والتقنية من جامعة الملك سعود، لتطوير الخدمات الرقمية للأعمال. وفي عام 2003 ، أنهى Citibank اتفاقية لإدارة التقنية مع سامبا وأصبح المصرف مؤسسة سعودية مرتبطة بمزايا وعيوب اقتصاد المملكة المعتمد على النفط.

فيما تتذكر نشار 40 يوماً من العمل المتواصل لإعلان الاندماج وإخلاء مكاتب المصرف.

وبفضل النمو الاقتصادي الثابت للملكة، والاستقرار النسبي في أسعار النفط، نمت أصول سامبا خلال العقد التالي من 25.3 مليار دولار إلى 57.8 مليار دولار عام 2014 . كذلك تطورت مسيرة نشار الوظيفية، إذ عينت للإشراف على مشاريع كبرى، ضمت بناء دائرة مركزية للالتزام بالأنظمة، وتطوير استراتيجيات لمكافحة غسيل الأموال على مستوى الشركة، مع العمل كرئيس قسم الالتزام بالأنظمة في المصرف.

وخلال سنوات الازدهار، توسع إقليمياً، واستحوذ على أصول في باكستان، وافتتح فروعاً في دبي وقطر والمملكة المتحدة.

لكن بسبب الوفرة العالمية بالنفط الخام، وما نتج عنها من انخفاض لسعر النفط منذ 2014 ، أثرت السنوات الأخيرة على الاقتصاد السعودي، مع تعود الحكومة التي شهدت أنشطة قوية لمدة طويلة على سياسة شد الحزام. وهذا التقليص الحكومي للنفقات يؤدي إلى تقليص مماثل في حجم القروض لدى المصارف الوطنية، ومنها: سامبا. يقول مراد أنصاري، المدير الإداري للبحوث المالية في EFG Hermes : “إن نمو موازنة المصرف تباطأ بصورة ملحوظة خلال السنة الماضية، إلى أقل من 10 %. وسبب ذلك يتمثل في مواجهة اقتصاد يخوض إصلاحات، كما أن أسعار النفط المنخفضة ليست مشجعة بالتأكيد”. وبصراحة واضحة، تقر نشار بتراجع الاقتصاد السعودي إلى حد ما، وتقول: “هناك غموض حالياً في أسعار النفط، مما يشكل تحدياً لاقتصاد كاقتصاد السعودية، حيث هناك سلعة واحدة وهي النفط. لكن من ناحية أخرى، غيرت البلاد رؤيتها وطريقة أدائها للأعمال. وعلينا أيضاً أن نستجيب للتغيرات الحاصلة”.

وفي أثناء هذا الغموض، استدعيت نشار إلى اجتماع مع رئيس البنك، عيسى محمد العيسى، فعلمت أنها رشحت لمنصب الرئيس التنفيذي. بعد التفكير لوهلة، تصف رد فعلها على الخبر بكلمة واحدة: مذهولة!

والحقيقة أن ازدياد المسؤوليات وتنوع الأدوار الإدارية وضعها على الطريق الصحيح لمنصب رفيع في الشركة، بينما تؤكد أن أحدًا لم يلمح لها سابقاً بأنها كانت مرشحة لهذا المنصب. كذلك لم يسبق أن قادت امرأة بنكاً تجارياً مدرجاً للتداول العام في السعودية. وهذه الندرة في توظيف النساء ضمن المناصب التنفيذية في البنوك والمؤسسات المالية، لا تقتصر على السعودية فقط.

وتضيف: “في كل أنحاء العالم، لا ترى مشاركة واسعة للمرأة في مجالس الإدارة أو المناصب العليا في القطاع المالي”.

في حين تؤلف النساء 22 % فقط من القوة العاملة في السعودية، ولا تزال المرأة بحاجة لموافقة الوصي أو ولي الأمر لإجراء معاملات مهمة. لكن في عدد من المراسيم مؤخرًا، تعهد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بتخفيف نظام الوصاية الذكورية التي تمنع المرأة من استصدار جوازات سفر أو الزواج من دون موافقة الوصي الذكر. ولم يتم بعد تحديد الخدمات القانونية التي يمكن للنساء الحصول عليها من دون إشراف ذكوري.

وتقر نشار بأن تمكين المرأة قد لا يحدث بالسرعة الكافية في السعودية: “التغير حاصل، لكن ليس

بالسرعة التي تلبي تطلعات المرأة السعودية. وحالياً، هناك الكثير من النساء الرائعات في السعودية. إنهن موهوبات ومتعلمات ومثابرات في العمل، وكل ما يحتجن إليه فرصة لإثبات أنفسهن فقط”.

وهناك مؤشرات على حدوث تحول ثقافي حقيقي؛ فمع انتشار خبر التعيين التاريخي لنشار، أعلنت تداول- سوق الأسهم السعودية، أنها اختارت سيدة أيضاً، هي: سارة السحيمي، الرئيس التنفيذي في البنك التجاري الوطني لتكون رئيستها الجديدة. كذلك في الأسبوع ذاته، اختيرت لطيفة السبهان لتكون الرئيس المالي في البنك العربي الوطني أحد أكبر 10 مؤسسات مالية في السعودية.

تقول الدكتورة بسمة المومني، الأستاذة في جامعة واترلو عن التعيينات الحديثة والتعديلات القانونية: “أعتقد أن السعودية تمر بعملية إصلاح حقيقية. ودافعها الضرورة- ضرورة الاعتراف بأن إقصاء المرأة اقتصادياً يبقي 50 % من طاقتها الاقتصادية خاملة”. في حين تحاول السعودية تنويع محفظة أعمالها منذ عقود، لكنها أيضاً تبحث عن وسيلة لاستغلال مواردها القائمة. وما لديها هو الطاقات والمواهب البشرية غير المستغلة حتى الآن”. مع ذلك، هناك من يشكك فيما إذا كان بروز القيادة النسوية سيشكل فرقاً حقيقياً للمرأة في السعودية، التي قد تفتقد للتعليم المناسب أو الموارد أو العلاقات الاجتماعية للوصول إلى مناصب مهنية رفيعة. وتوضح مريم صفير، مساعدة مدير معهد الدراسات النسائية في العالم العربي- الجامعة اللبنانية الأميركية: “هذا لا يفتح المجال أمام الفتيات ذوات المستوى الاقتصادي الأقل، ممن يتعرضن لتحديات أكبر. لكنه يدل على انفراج ملحوظ، فقد حولن الطموحات غير الواقعية إلى واقع يمكن تحقيقه”. غير أن الانفراج الملحوظ ليس سوى جزء من المعركة. وبوصفها رائدة في القطاع، ستكون نشار محل تمحيص مكثف بناء على كونها امرأة أولاً، كما تقول نادرة شاملو، المستشارة السابقة في البنك الدولي: “إذا انتهجت أسلوب المبادرة القوية ستعد شرسة، وإذا انتهجت أسلوباً مهذباً ستعد لينة. إن أنماط السلوك المتاحة عند القادة من الرجال أوسع بكثير مما عند القياديات”. لكن نشار واثقة باستراتيجيتها الإدارية. والحفاظ على جودة أصول سامبا خلال التراجع الاقتصادي يمثل همها الأول في العمل، أما الحذر فهو الأسلوب الحكيم في الإدارة كما تصفه. وتضيف: “لا نريد دخول مناطق أشد خطرًا لمجرد زيادة دخلنا، ومن ثم التورط في تلك الأخطار لاحقاً.

وربما سيظن البعض أننا نخسر فرصاً مؤكدة، لكننا نؤمن أن الأفضل لنا متابعة أعمالنا بثبات وأمان”. لكن بالرغم من الضغوط الاقتصادية، ترى وكالات التصنيف الكبرى أن أسس المصرف قوية. يقول اندرو باركنسون، المدير في فريق المؤسسات المالية لدى Fitch Ratings : “رأس ماله قوي، وأرباحه ممتازة وجودة أصوله تظل مستقرة، بل أكثر استقرارًا من معظم البنوك الأخرى التي نقيّمها في السعودية”.

كما يتفق كرستوس ثيوفيلو، المحلل في Moody’s Investors Services مع هذا الرأي قائلاً: إنه يملك أسساً مالية مرنة وقدرات مرنة للغاية. ويكمن التحدي في الاستمرار على هذا النحو”. من جهة أخرى، يشهد الاقتصاد السعودي تغيرًا الآن، نظرا لأن الحكومة لم تعد قادرة على أن تكون المزود الوحيد للخدمات والنمو الصناعي، فهي تسعى إلى تقوية القطاع الخاص وتنويع أصولها المالية. فيما يأمل المصرف من الاستفادة من الشراكات الجديدة مع القطاع الخاص كدائن واستشاري. توضح نشار: “سنشهد سياسة تركز على تنويع مصادر الدخل، بالاستثمار في موارد المملكة الضخمة، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتشجيع التجارة والتصنيع”.

وستتمثل أهم خطوات الخصخصة في الإدراج العام لأرامكو شركة النفط السعودية الوطنية.

فيما يعتقد أنها أعلى شركة من حيث القيمة في العالم، إذ يقدر خبراء القطاع قيمتها السوقية بنحو 1 ترليون دولار. وسبق أن أعلنت السلطات السعودية نيتها إدراج الشركة في بورصة أجنبية لم تحدد بعد، وفي سوق التداول المحلية. وقد اختير سامبا لتقديم المشورة حول الاكتتاب العام في تداول. وعند سؤالها عن الاتفاق، اكتفت بالقول إن النقاشات لا تزال في مراحلها الأولى.

بالرغم من أن بعض التحديات قد تكون جديدة عليها، إلا أن رانيا نشار صقلت خبرتها في الشركة على مدى 20 عاماً. تقول: “لست غريبة عن سامبا ، إنه المكان الذي أمضيت فيه مسيرتي المهنية كلها. أنا أعرفه جيداً، بل كل لبنة في المبنى…إنه بيتي”.

شاهد أيضاً

البحرين.. “الأعلى للمرأة” يشارك في ملتقى “التمكين الاقتصادي للمرأة” بدولة الإمارات العربية المتحدة

Share