بقلم: فيكاس أغاروال*
تعتبر المرحلة التجريبية أمر حيوي في المراحل المبكرة من دورة حياة الشركات الناشئة، لكنها تنطوي على مفاضلات عدة، قد تؤثر في قدرة الشركة على التأقلم مع التغيرات التكنولوجية المستقبلية.
“اقتحام السوق وكسر الروتين” كثيراً ما اقترنت هذه المقولة بفيسبوك في بداياته. تبنت الشركات الناشئة المرنة هذه المنهجية التي تخولها دخول السوق بأسرع وقت ممكن والتعلم من نظيراتها. تعد المرحلة التجريبية حجر الزاوية في الشركات الناشئة المرنة، فكيف تتم عملية التعلم -جنباً إلى جنب مع مرحلة التجريب- التي تؤثر في قدرة الشركات الناشئة على الاستمرارية ؟ وبشكل أوضح، هل يمكن للتعلم والاستكشاف أن يكونا مؤشراً على مدى قدرة الشركات الناشئة على التأقلم مع التكنولوجيا المتطورة مستقبلاً؟
غالباً ما يلجأ رواد الأعمال لأسلوب التجربة خلال تطويرهم لخدمة أو منتج ناجح. بعدها تتوقف عملية الاستكشاف، فكلما طالت المرحلة التجريبية، تأخر دخولهم إلى السوق. وقد يكون الوقت المخصص للتجارب عائقاً امام الشركة على المدى القصير، إلا أنه سيعود عليها بالفائدة على المدى الطويل- هذا ما نطلق عليه قدرة الشركة على التأقلم مع التغيرات التكنولوجية.
في مقال وارد في ” Strategic Management Journal” بعنوان: ” القدرة على التكيف مع التغيير التكنولوجي: النهج المتناهي المصغر”، شاركني في تأليفه كل من:هارت بوسن وماسيج وركوييتز، ناقشنا قدرة الشركات على التأقلم مع مختلف أنواع التغيير التكنولوجي، باعتبارها ميزة غير مستغلة تنشأ عن ذات العملية التي من خلالها تطور الشركة أسلوب عملها. ليتكشف لنا أن أسلوب عمل الشركة يتطور مع الوقت، منذ بداية دورة حياتها. وفي حين تتم عملية التعلم في الشركات الناشئة الجديدة من خلال استكشاف طرق مختلفة للقيام بالأعمال – كجزء من نهج الشركات الناشئة المرنة – يوفر هذا الإجراء للشركات القدرة على التكيف مع مختلف المتغيرات الخارجية مستقبلاً بدرجات متفاوتة.
المثير للاهتمام كون تلك الخصائص تتيح للمدراء القدرة على ضبط عملية النمو في مرحلة مبكرة من دورة حياة الشركة. وبإمكانهم القيام بذلك من خلال التأثير على رغبة الأفراد بالانخراط في السلوك الاستكشافي. فعلى سبيل المثال: الخيارات التي يتخذها المدراء في وقت مبكر بما يتعلق بالقدرة على التكيف، يستمر تأثيرها مستقبلاً.
التحول إلى الطابع المؤسساتي
طورت ورق العمل نموذجاً لشركة تعتمد نهجاً مبسطاً (شبيهة بالشركات الناشئة)، مجرد عدد محدود من الأفراد يجتمعون بهدف تنظيم مجموعة من الأهداف. يتعلم فيها الأفراد عن البيئة التي يعملون فيها، ويتأثرون بطبيعة العلاقة التي تجمعهم، كجزء من العملية. توصلنا لنتيجة مفادها أن عملية التعلم الفردية تقود إلى مجموعة من الخصائص التنظيمية المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، “الذاكرة التنظيمية” تتطور، فالمعرفة لا تتجسد بطريقة تفكير الأفراد فقط، بل بطريقة تفاعلهم مع بعضهم البعض، لتصبح أحد قيم الشركة: فعند مغادرة أحد الموظفين للشركة، سيتصرف الشخص الذي يحل مكانه على غراره بشكل تلقائي بالرغم من عدم امتلاكه المعرفة الكافية.
هناك سمة جديدة تنشأ مع الوقت وهي القدرة على التكيف. تعلمنا سابقاً أن الشركات تميل لأن تصبح متحفظة مع الوقت. ولكن الأمر الذي لم نفهمه جيداً، امتلاك ذلك النهج القدرة على التغيير. ويمكن أن يحدث التغيير على صعيد الشركة كنوع من الاستجابة لأنماط مختلفة للتغيير التكنولوجي الخارجي.
درسنا ثلاثة نماذج للتغيير التكنولوجي نطلق عليها، المتدرج والمتقطع والمضلل. تتغير من حيث درجة الصعوبة، أي درجة صعوبة الشركة في التأقلم، استجابة للمتغيرات في البيئة المحيطة والمحفزات. وتبين لنا أن قدرة الشركة على التكيف لا تختلف فقط باختلاف شكل التغيير، بل يوجد نوع من التفضيلات، فعند تطوير القدرة على التأقلم في المراحل المبكرة من تأسيس الشركة، لا تستطيع الشركات الناشئة الاستفادة من عامل الوقت والتغييرات المختلفة الحاصلة. وفي بعض الحالات قد تضطر الشركات الناشئة إلى التنازل عن الكفاءة على المدى القصيرلصالح القدرة على التكيف على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، قد تضطر للالتزام بنوع واحد من التغير التكنولوجي بالمقارنة مع غيره.
إدارة التغييرات المستقبلية
تنشأ القدرة على التأقلم كنتيجة لعملية التجارب التي تقوم بها الشركات الناشئة في مرحلة مبكرة. وتتجسد في المعارف التراكمية ومعتقدات الأفراد. ولكن يوجد نهج آخر يعطي أهمية للأفراد، أي من خلال تخطيط استراتيجي فعال. بناءً عليه، يقع على عاتق المدراء دور هام بسبب الخيارات التي يتخذونها والتي تؤثر على تحفيز الموظفين على التجربة في مراحل مبكرة، وذلك من شأنه التأثير في قدرتهم على الـتأقلم بشكل أكبر.
يوجد أدوات مختلفة بإمكان المدراء اعتمادها لتوجيه عملية الاستكشاف التي تقود بدورها إلى مستويات مختلفة للتأقلم. فبإمكانهم تعيين موظفيين يتمتعون بمهارات مختلفة، فبعض الأشخاص يميلون للاستكشاف أكثر من غيرهم. وبإمكانهم إيضاً المشاركة في مبادرات معينة مثل برامج التحفيز التي تعزز الحاجة إلى الاستكشاف. جوجل على سبيل المثال، يسمح لـ 20% من المهندسين بقضاء خمس وقت العمل، في المشاريع التي يظهرون حماساً للعمل فيها.
أخيراً، من وجهة نظر المدراء هناك مفاضلة استراتيجية، لأنه من غير الوارد أن يكونوا على يقين حيال أشكال التغيير التكنولوجي المستقبلية. لذلك يتعين على المدراء بذل قصارى جهدهم لتوقع ما قد يكون عليه الوضع مستقبلاً، ومن ثم إيجاد التوازن بين الأداء على المدى القصير والقدرة على التأقلم على المدى الطويل.
التكيف في الوقت المناسب
مع نضوجها، ستواجه الشركات على المدى المتوسط تحولات تكنولوجية تولد قدرة فطرية على التأقلم أو عدمه. فعلى سبيل المثال، كاد فيسبوك أن يخسر فرصته في الانتشار على الهواتف المحمولة، بسبب تركيزه على سوق المواقع الالكترونية، ولكنه نجح بالتأقلم في نهاية المطاف. حيث امتلك فيسبوك القدرة على التغيير بما يتناسب مع عصر المحمول. وبذلك حافظ على هيمنته على سوق وسائل التواصل الاجتماعي.
يحتاج المدراء في الشركات الناشئة إلى تقييم ملامح المستقبل بشكل مستمر. وبذلك يستطيعون توجيه قدرة شركاتهم على التكيف. فيسبوك، أخذ بعين الاعتبار كل من الواقع الافتراضي والواقع المعزز. وبذلك يتعين على فريق الإدارة تقييم قدرة الموظفين على التأقلم مع التغييرات التكنولوجية الوشيكة الحدوث.
* فيكاس أغاروال، أستاذ في ريادة الأعمال والشركات العائلية بكلية إنسياد، فوربس