جاسون بتلر*
كنت أتناول العشاء مع صديق مقرب في الآونة الأخيرة، ودار حديث بيننا عن المال والسعادة. أوضح صديقي أن جمع وشرب النبيذ الفاخر يجعله سعيداً جداً، لدرجة أنه يقدر أن قيمة ما يملكه من النبيذ بأكثر من قيمة منزله.
المال، بالنسبة لمعظم الناس موضوع عاطفي معقد. لدينا جميعا معتقدات ودوافع وعواطف وأفضليات مختلفة، يمكن أن تجعل من علاقتنا معه صعبة. كما يؤثر المال أيضا على نظرتنا لأنفسنا وقد يؤثر على مشاعر احترام الذات والسيطرة والشعور بالأمن.
على مدى 25 عاماً عملت خلالها مستشاراً مالياً، وقابلت مئات من الناس الناجحين. كل منهم أخبرني قصة حياته، وكيف حقق النجاح فيها. لكن ما وجدته الأكثر إثارة للاهتمام كانت علاقتهم بالمال، وكيف أثرت في نهجهم وطريقة تعاملهم مع الحياة.
بالنسبة لبعض الناس، بخلاف تمويل الأساسيات، كان المال مجرد قياس واحد لنجاحهم الشخصي أو لنجاح أعمالهم. ورأى آخرون أنه وسيلة للحصول على وضع اجتماعي معين، وغالبا ما يقارنون الثروة المادية (المنزل والسيارة والملابس) بتلك التي يملكها أقرانهم. وكان دافعهم الشخصي يرتبط كثيرا بالمظهر الخارجي للنجاح، حتى لو لم يكونوا راضين تماما.
في بعض الأحيان، يشعر الناس بأنهم «أسرى» للمال، لا سيما عندما ترتفع تكاليف الحياة مع مرور الوقت، ويجدون أنفسهم مضطرين الى القيام بعمل لا يعجبهم لمجرد الحصول على مكافآت مالية مرتفعة.
قبل بضع سنوات، أعدت «سيتي آند غيلدز» استطلاعاً حول الوظائف، ووجدت أن أعلى مستوى من الرضا الوظيفي موجود عند من يعملون في مجال تنسيق الزهور والحدائق (%87)، وأدنى مستوى من الرضا كان يعاني منه من يعمل في مجال التكنولوجيا (%48)، والمصرفيون (%44). ويبدو أن وجود درجة عالية من السيطرة على العمل، ورؤية نتائج ذلك العمل يكون لهما تأثير كبير على السعادة.
قرر صديق آخر لي، وهو مستشار أعمال، وزوجته اجراء تغيير جذري في حياتهما، بعد عدة سنوات من التحجج بمبررات مختلفة. باعا معظم ممتلكاتهما، ووضعا الباقي في مخزن، وأجرا منزلهما في لندن.
هما الآن يجوبان العالم ويقضيان شهرين على الأقل في ممارسة التزلج سنويا، ويعودان الى المملكة المتحدة كل بضعة أشهر للقاء العملاء وادارة دورات الأعمال المنوطة بهما. هما الآن أكثر سعادة مما كانا عليه في أي وقت مضى، ويكسبان أيضا المزيد من المال، في الوقت الذي يعملون فيه ساعات أقل.
كنت قادرا على أن «ألغي» وظيفتي الخاصة، عندما سنحت لي الفرصة، قبل بضع سنوات، لبيع حصتي في شركة استشارات الثروات، التي كنت قد أسستها. لكني خفت من الاقدام على مثل هذا التغيير الجذري، بعد 17 عاما في منصب الرئاسة، لكني كنت مصمماً على تغيير نمط حياتي.
لم أعد متعبا من التنقل والسفر المستمر، واستمتع بالكثير من التنوع بين القاء الكلمات والكتابة والاستشارات وأنشطة الاستثمار في الشركات المبتدئة. بت أرى عائلتي أكثر، وأمارس الرياضة والتمرين بشكل أكبر ولدي الكثير من العطلات والرحلات. كما أخطط لمشروع ادارة مبنى مسكن عائلتنا الجديد في وقت لاحق هذا العام.
وتشير البحوث الى أن ارتفاع الدخل لا يؤثر في السعادة، وتأثيره يقف عند حد ما. ومهما كان ذلك الحد بالنسبة لك ( وضعته الدراسة عند 70 ألف دولار في السنة) فانه يعتمد على الوضع الخاص بك. وما يتجاوز ذلك الحد لن يجعلك أكثر سعادة بكثير. السعادة القصوى تأتي من الزيادة المتواصلة والمهمة في الدخل طوال حياة المرء.
مقارنة وضعك المالي بالوضع المالي لزملائك ليس فكرة جيدة، لأن الأبحاث تظهر أن الناس يهتمون بالدخل النسبي. فاذا كنت تكسب أقل من أقرانك فانك تكون أكثر عرضة للشعور بالظلم. وسيكون هناك دائما شخص يملك مالا أكثر منك، لذا توقف عن محاولة القلق حيال ذلك.
وهناك أيضا الكثير من الأدلة على أن انفاقك المال على تجارب الحياة، بدلا من الممتلكات المادية، يجعلك أكثر سعادة. وسبب ذلك أننا نتذكر التجربة التي عشناها لفترة أطول بكثير من الاثارة الأولية للحصول على أشياء مادية. كما نكون أقل عرضة لأن نقارن أنفسنا بأشخاص آخرين عندما يكون لدينا خبرات وتجارب حياتية مقارنة بحصولنا على المقتنيات المادية.
كما من المرجح أن تكون سعادتك أكبر اذا كنت تنفق أموالك على الآخرين بطريقة تعزز العلاقات الشخصية، أو تسهم وتتبرع بالمال لقضايا تتماشى مع القيم الخاصة بك.
تقديرك لذاتك لا يتحدد بقيمة ما تمتلكه ولكن بنوعية علاقاتك الشخصية وتجاربك في الحياة، والمعنى الذي تستمده من وجودك في هذه الحياة.
أعتقد أن السعادة الحقيقية تأتي من وجود شعور قوي بالهدف، وأن تكون واضحا حيال نمط حياتك المثالي واتخاذ قرارات خاصة بالعمل والانفاق تتماشى مع تلك الرؤية. فالحياة قصيرة جدا لهدرها على القيام بالأشياء التي لا تجلب المتعة لك.
بالعودة الى صديقي ومجموعته من النبيذ. آخر مرة التقينا لتناول العشاء أخرج زجاجة تبلغ قيمتها نحو 350 جنيها استرلينيا. اعترضت على ذلك قائلا انه لا يمكنني أن أشرب نبيذا باهظ الثمن على نفقته، لكنه أصر.
وقال معلقا «جميعنا نكبر في العمر وأريد أن أبدأ بشرب ما أملكه من نبيذ فاخر قبل فوات الاوان. أفضل مشاركة هذه التجربة مع صديق جيد بدلا من ترك الغبار يتراكم على الزجاجات في القبو. ما هي الفائدة في وجودها اذا لم أتمكن من الاستمتاع بها؟».
اذن قام صديقي بذكاء بأمرين أثبتت الأبحاث أنها تزيد السعادة. فقد حول الممتلكات والمقتنيات الى تجربة حياة وأنفق البعض من ثروته على صديقه، على نحو يعزز العلاقة الشخصية.
وقد أوضحت لصديقي أننى سأكون مسرورا جدا لمساعدته على التمتع بجمع النبيذ على مدى السنوات القائمة. فبعد كل شيء «الصديق وقت الضيق هو الصديق الحقيقي».
* نقلا عن القبس