تحتضن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعداداً متزايدة من الأفراد المتعلّمين، ويُتوقع بحلول عام 2030 أن تتوسّع شبكة المواهب ذات التحصيل العلمي الجامعي بنسبة 50%، لكنّ اثنين من أصل خمسة خرّيجين هم عاطلون عن العمل في الوقت الحالي.
سيحدد التعليم والعمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معيشة أكثر من 300 مليون شخص، ويعززان النموّ والتطوّر لأجل أجيال المستقبل. وبما أنّ المنطقة واحدة من المناطق التي تضمّ أعداداً كبيرة من الشباب في العالم، لا بدّ لها أن تستثمر بصورة ملائمة في التعليم والتعلّم الضروريين في سوق العمل، وأن تعدّ مواطنيها لعالم الغد. كما يتعين على صنّاع السياسة وروّاد الأعمال والموظفين أن يستعدوا لخوض هذه المرحلة الانتقالية فيما تعيش المنطقة أجواء التحوّل العالمي في قطاع العمل.
في هذا الإطار، تعاونت “لينكدإن” مؤخراً مع المنتدى الاقتصادي العالمي في إعداد بحث مطوّل يوفّر نظرة شاملة وجيزة عن التعليم والمهارات والوظائف في المنطقة. وقد أظهر تحليلنا أنّ هنالك حاجة ملحّة إلى تطبيق قادة المنطقة الإصلاحات اللازمة اليوم للحرص على استفادة الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الفرص الجديدة التي توضع بمتناولهم.
في هذا السياق، توصّل التقرير إلى خمس نتائج أساسية بشأن مستقبل الوظائف والمهارات في المنطقة:
1- المجتمع شاب ويتمتع بمستوى تعليمي عالٍ وإنما عاطل عن العمل
يشكّل الشباب تحت سنّ الـ25 حالياً نصف سكان المنطقة تقريباً، ويُتوقع أنّ يرتفع هذا المعدل بأكثر من الربع بحلول عام 2030. وقد حسّنت دول عدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنجازاتها التعليمية التي تطال الأجيال الأصغر سناً بمعدلات ملحوظة، ويُتوقع أن تتوسّع شبكة المواهب ذات التحصيل العلمي الجامعي بحلول عام 2030 بنسبة 50%، لكنّ نسبة بطالة الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبلغ 31% ويشكّل المتخرّجون من الجامعات 30% تقريباً من مجموع العاطلين عن العمل. هذا وتبقى الفجوة بين الجنسين في ما يتعلق بمشاركة القوة العاملة متسعة وتتجاوز الـ40% بقليل في الكويت وقطر لتصل إلى 80% في الجزائر والأردن، ما يدلّ على استخدام غير فعال للاستثمارات التعليمية. ويطرح هذا الأمر تحدياً وفرصة في آن أمام المؤسسات: كيف يمكنها الاستفادة من مواهب جيل المستقبل.
2- الناس سيكونون الموارد القيّمة في المستقبل
بحسب مؤشر رأس المال البشري التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يقيس مدى استغلال الدول والاقتصادات لإمكانيات رأسمالها البشري بكفاءة من خلال التعليم وتطوير المهارات ونشرها، لا تستفيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً سوى من 62% من كامل إمكانيات رأسمالها البشري (مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 65%).
3- توفير فرص للنساء لتعزيز النموّ
من أهم ما يميز سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو معدل مشاركة النساء المنخفض فيه وإنما المتزايد. يشار إلى أنّ النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متعلّمات لكنّ مواهبهنّ غالباً ما تُستخدم بمستويات أقلّ في الاقتصاد الرسمي. في هذا الإطار، تستخدم المنطقة الإمكانيات النسائية بنسبة 30% أقلّ من المعدل العالمي، لذا يتعين على القادة النظر في هذه المواهب الكامنة بهدف تطوير كامل إمكانيات اقتصاداتهم.
4- وفرة الوظائف العالية المهارة
تشكّل الوظائف العالية المهارة في المنطقة نسبة 21% تقابلها نسبة 66% للوظائف المتوسطة المهارة في كامل القطاع الرسمي. وتحتلّ الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية الصدارة في مجال توفير الوظائف العالية المهارة في السوق المحلي. وتشير أحدث بياناتنا إلى أنّ الوظائف الأكثر شيوعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذه الفئة تشمل العمل في المصارف التجارية، وماليّة الشركات، والمحاسبة، والتعليم في المدارس والجامعات، والهندسة، وضمان الجودة، والاستشارات في مجال تكنولوجيا المعلومات.
5- مهارات اليوم ووظائف الغد
سيكون لموجة التغيير التكنولوجي الحالية أثر كبير على أسواق العمل رغم أنّ إيقاعها يختلف داخل المنطقة. وتشير التقديرات إلى أنّ 41% من مجموع أنشطة العمل في الكويت سيخضع للأتمتة، مقابل 46% في البحرين والمملكة العربية السعودية، و47% في الإمارات العربية المتحدة، و49% في مصر، و50% في المغرب وتركيا، و52% في قطر. وسواء أكانت الوظائف تتراجع أو تشهد استقراراً أو نمواً، تخضع مجموعة المهارات التي تتطلبها لتغيرات كبرى. في هذا الإطار، وجد تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ 21% من المهارات الأساسية في دول مجلس التعاون الخليجي و41% منها في تركيا سيختلف بحلول عام 2020 عن المهارات التي برزت الحاجة إليها عام 2015. فعلى هذه الدول ألا تكتفي أبداً بما حققته من أجل تلبية متطلبات وظائف المستقبل. ورغم أنّ بعض الدول تتقدم حالياً على سواها في هذا المجال، يجب ألا تفوّت هذه الفرصة. فهنالك إمكانيات هائلة للتوصل إلى وظائف عالية القيمة في القطاع الرسمي تشمل مجالات ومستويات مهارات وأنماط عمل متنوعة.
ولاستغلال قدرات سكان المنطقة المتزايدة، يتعين على الحكومات بالتعاون مع القطاع الخاص على توفير فرص للناس لتطبيق مهاراتهم وتعزيز النموّ والازدهار. ومع تغير خريطة العمل العالمية، ستبرز تحديات جديدة في أسواق العمل في المنطقة.
* علي مطر، رئيس حلول المواهب في “لينكدإن” في أسواق النمو والشرق الأوسط وشمال إفريقيا