نعومي شراغاي *
أثبتت الشركات العائلية منذ فترة طويلة أن العلاقات الوثيقة والولاء والالتزام التي تربط العائلات داخليا يمكن أيضا أن تكون مسؤولة عن نجاح أعمالهم.
هذا النموذج نجح بالتأكيد مع دونالد ترامب. انضم الرئيس الأميركي المنتخب الى شركة والده للعقارات في صغره وأبناؤه الثلاثة الأكبر، دونالد الابن وايفانكا واريك، تولوا مناصب تنفيذية في ما هو الآن امبراطورية متعددة الجنسيات. وأعلن ترامب أن اثنين من أبنائه سوف يتوليان ادارة مصالحه التجارية قبل توليه مهام منصبه في 20 يناير. وقد كانا بالاضافة الى صهرهما جاريد كوشنر لاعبين أساسيين في حملته الانتخابية وجزءاً من الفريق الانتقالي.
الا أن المصائر المتنوعة لشركات ترامب على مر السنين تعكس حقيقة أخرى حول الشركات العائلية، اذ تشير الاحصاءات الى أن %30 فقط من هذه الشركات تصمد الى ما بعد الجيل المقبل.
مانفريد كيتس دي فريس المحلل النفسي وأستاذ مادة تنمية المهارات القيادية والتغيير التنظيمي في كلية انسياد لادارة الأعمال يقول في كتاب Family Business on the Couch ان قياس الأداء وحده لا يفسر حالات الفشل للكثير من الشركات. إذ كثيرا ما تؤدي الخلافات العائلية التي لم تحل بعد والدوافع الذاتية للأفراد الى تعطل التواصل والصراعات المتصاعدة.
في ممارستي للعلاج النفسي، رأيت كيف للغيرة المكبوتة والمنافسة بين الأخوة أو الاستياء الكامن لفترة طويلة يمكن أن تعيث فسادا في الشركة العائلية. عادة، يتم تجنب الدخول في محادثات صعبة لأنها تهدد بخطر حدوث انقسامات، ولكن المفارقة هو أن هذا ما يعرض العلاقات إلى الخطر.
شهد الدكتور توم دافيدو معالج مختص بالعائلات ومستشار شركات عائلية مقره في بوسطن، ماساشوستس، على مدى أكثر من 30 عاما المطبات التي تنتظر الشركات العائلية عندما تسوء العلاقات بين أبنائها.
وكما يقول «اذا كانت ممارساتك في العمل جيدة، فان فرصك في أن تكون لديك عائلة جيدة هي أيضا عالية جدا».
لكن الدكتور دافيدو يطلق تحذيرا شديد اللهجة للذين يضلون عن هذا الطريق، والرهانات في هذه الحالة تكون مرتفعة. اذ يقول «اذا كنت تتخذ قرارات عائلية في مجال الأعمال التجارية، فإن ذلك يضر بالشركة والأعمال، وربما أيضا يضر بالأسرة. وبالتالي تواجه خطر فقدان كل منهما».
ويعتقد أن الشركات العائلية تعمل بشكل فعال لفترات طويلة، ولكن غالبا ما تظهر المشاكل عندما تنتقل من مراحل التأسيس المبكرة الى تحديات النمو. فوسائل التواصل بين أفراد العائلة بعضها مع بعض راسخة منذ زمن بعيد لدرجة لا تسمح بمناقشة القضايا الملحة بشكل صحيح، لأنها تبدو خطيرة جداً ومدمرة.
«يقررون: لا يستحق الأمر ابلاغ أخي ان ما يفعله يزعجني، لأنه اذا كان عليهم الحديث عن هذه القضية، فان ذلك سوف يفتح كل القضايا الأخرى»، كما يقول الدكتور دافيدوف. ويضيف «انهم خائفون، لا يريدون أن يعقدوا اجتماعات لأنهم قلقون من أن ينفجر كل شيء».
مواجهة التوترات في الأسرة يمكن أن تتسبب بالتوتر وتجعلهم خائفين من الثأر أو الرفض من الآخرين. بيد أن الخطر يكمن في تجاهل هذه الصعوبات المهمة ما سيؤدي الى تأثير سلبي جدا على الشركة.
في إحدى العائلات التي كانت تعاني مثل هذه المشكلة، تمكنت شركة التصنيع التي تمتلكها العائلة من العمل، لكن مشاعر الغيرة، التي تغلي ببطء، ومشاعر الظلم وعدم المساواة، كانت لها آثار مروعة على علاقاتهم الشخصية.
نصائح دافيدوف لشركة عائلية صحية
وضع مصلحة الشركة أولا يتيح فرصة أفضل للوصول الى شركة ناجحة وأسرة متناغمة ومتوافقة. عبارة «العائلات التى تملك الشركة» بدلا من «الشركة المملوكة للعائلة» يعكس هذه الفكرة بشكل أفضل.
يجب أن تسند المناصب في الشركة الى اشخاص يتم اختيارهم وفقا لجدارتهم ومؤهلاتهم. وينبغي على أفراد الأسرة أن تكون لديهم المؤهلات والخبرة اللازمة للمناصب التى يحتلونها. واذا كان أداء أحد أفراد الأسرة دون المستوى فلا بد من نقله الى منصب أو وظيفة ملاءمة لمهاراته.
لابد أن يعترف صاحب العمل عندما يكون بحاجة الى مساعدة مهنية لفكفكة واطلاق العنان لديناميات الأسرة. وقد يكون من الصعب على أصحاب الشركة الاعتراف بأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا كل شيء.
الابن الثاني، الذي جاء الي من أجل العلاج النفسي، توقف في نهاية المطاف عن التحدث الى والده، بينما اشتدت الصراعات مع شقيقه. الاهمال العاطفي الذي واجهه من والديه في وقت مبكر، ومن ثم السلوك المسيطر والمهيمن من قبل والده وشقيقه في العمل، حطم ثقته بنفسه.
ويقول: «الشركة دمرتني عاطفيا لسنوات عديدة. أعتقد أنهم كانوا ينظرون الي باعتباري حالة خيرية، وكأنهم يقولون: فلنشغله عندنا، فلا يوجد شيء آخر يمكن أن يفعله». لقد رأى أخي في الشركة كأنها طفل له، وكأني سوف أسلب ميراثه».
بلغت عدم المساواة بين الاخوين الى درجة أن كان يشار اليهما داخل الأسرة بـ«الوريث والاحتياطي»، في تكرار لموضوع تاريخي. الجد، الذي أسس الشركة، ترك معظم ثروته لابنه والقليل جدا لابنته، لأنه يراها أقل قيمة من أخيها.
في وقت لاحق كرر الوالد هذا الموضوع من خلال دفع رواتب لابنيه وفقا لاحتياجاتهما وليس وفق ما يستحقان، وهو أمر لم يسمع به من قبل في ممارسة الأعمال التجارية العادية.
«لأن أخي تزوج وأنجب أطفالا، كان راتبه أضعاف راتبي مما زاد من استيائي. في ذلك الوقت، كنت أعزب وبالتالي عكس راتبي هذا الوضع». وقد عبر عن غضبه المكبوت بسبب استبعاده عن «مركز» العمل بشكل سلبي من خلال عدم التحدث الى والده أو طلب المشورة منه. وكما يوضح «كان أمرا انتقاميا. اذا كنت ستتجاهلني فأنا سأتجاهلك أيضا».
في بعض الأحيان، يمكن للأبناء أن ينضموا الى الشركة في الأساس لاصلاح العلاقة التالفة مع أحد الوالدين. الرجل الذي جاء للعلاج النفسي، على سبيل المثال، انضم الى شركة والده لتجارة التجزئة للتعويض عن التقارب والرضا اللذين افتقدهما عندما تطلق والداه.
وقد حدد جورج ستوك، كبير المستشارين والزميل في مجموعة بوسطن الاستشارية، وهنري فولي، المؤسس المشارك في شركة بانيان فاميلي بيزنيس أدفايزرز، واحدة من الفخاخ الرئيسية التى تقع فيها العائلات، وهي السماح للشركة بأن تصبح الخيار البديل بالنسبة للأفراد الذين لا يمكن أن ينجحوا في أي مكان آخر . في بعض الأحيان يتم القيام باعطائهم مناصب في الشركة لكنهم لايكونون مؤهلين أو مناسبين لها.
مشكلة من هذا النوع ظهرت في شركة عقارات في المملكة المتحدة يديرها الأب المؤسس وولداه. الابن الأكبر، الذي وافق على التحدث معي، أوضح أن الصراعات بينه وبين شقيقه، الذي يعاني من صعوبات في التعلم، أصبحت شديدة.
ويقول إن الأسرة عادة كانت تلبي جميع احتياجات الابن الأصغر مما ساعد في تعزيز تقديره لذاته. ويستذكر الأخ الأكبر قائلا «كانت وظيفتي حمايته».
في الشركة يفسر الأخ الأصغر حماية أخيه له كما لو كانت تدخلا في شؤونه، لذلك أصبح عدائيا تجاهه. اشتد الخلاف بينهما عندما حان وقت اختيار خليفة لادارة الشركة، وطالب الأخ الأصغر بسلطة مساوية في الشركة.
مع مساعدة مهنية، تمكنت العائلة من الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين في حمايته بل حتى السماح له بأن يفكر بأن أداءه كان جيدا عندما لم يكن كذلك. وبينما تستطيع العائلة الحفاظ على المساواة داخل الأسرة، الا أن الشركة تتطلب بنية هرمية وأن يكون الأفضل تأهيلا في منصب القيادة.
ويضيف الأخ الأكبر: «رد فعلنا تمثل في اعطائه ما يريد ليكون سعيدا. لقد مررت على بعض القرارات في العمل كانت خاطئة جدا. ما كنا نفعله سابقا كان أمرا جائرا، لم نعطه دورا يناسب قدراته ونقاط قوته».
الخلط بين المسائل العائلية وأهداف الشركة يكون وراء الكثير من هذه المشاكل. وفي حين أن الأسر تهتم بالرفاهية العاطفية للأشخاص وقضايا الحب والانتماء، الا أن ما يهم الشركات في المقام الأول هو النجاح الاقتصادي. كما أن الأسر تتطلع أكثر نحو الداخل، وغالبا ما تقاوم التغيير، في حين أن الشركات تتطلب الابتكار والتركيز على الأحداث الخارجية لتحقيق النجاح.
هذه المصالح المتضاربة يجب أن تفتك في أي مؤسسة عائلية تسعى للصمود والنجاح في الجيل المقبل.
* نقلا عن القبس الكويتية