لم يسبق لمؤسسات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي أن واجهت سيلاً من تحديات إدارة المواهب في وقت هي فيه بصدد معالجة توزيع القوى العاملة فيها، وتوجهات حكوماتها فيما يتعلق بتوطين الوظائف، وجداول أعمال التميز، ووضع الموازنات المثلى. أصبحت إدارة المواهب نتيجة لما سبق أولوية لقادة القطاع العام الخليجي الذين يحثون إدارات الموارد البشرية في المؤسسات على إعادة النظر في أساليبهم المتعلقة بتعيين الموظفين وإدارتهم.
لقد تمكنا من رصد التحديات الرئيسية المتعلقة بإدارة المواهب من خلال خبرتنا في العمل مع مؤسسات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي.
أولها هو عدم توافق المهارات الذي يعد جذر مشكلة توظيف الشباب في دول مجلس التعاون. إن نقص المهارات يرهق كاهل مؤسسات القطاع العام في محاولتها استقطاب المواهب النادرة، والمحافظة عليها.
ثاني هذه التحديات هو التشغيل الأمثل للقوى العاملة، حيث وظفت بعض مؤسسات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي ما يفوق حاجتها من العمالة في سبيل توطين القوى العاملة. تبرز الحاجة إلى تبني منهج علمي لتحديد القوى العاملة في المستقبل، ومتطلبات توطين الوظائف لأن الموازنات المحدودة لمؤسسات القطاع العام تلقي بظلالها على التوظيف في هذا القطاع.
أخيراً وليس آخر، حققت مؤسسات القطاع العام نجاحاً محدوداً فيما يتعلق بتعزيز انخراط الموظفين واندماجهم، ويعود ذلك في جزء منه إلى الامتيازات المضمونة التي تعد حقاً لهم ولا ترتبط بالإنتاجية أو الأداء. نتيجة لذلك، من الضروري إعادة النظر في الثقافة السائدة في أماكن العمل ونظام المكافآت.
إن معالجة هذه التحديات بفاعلية تقتضي أن تستعد الحكومات لمراجعة الممارسات القائمة والمعمول بهافي مختلف مناحي إدارة المواهب.
هذه تتضمن ما يلي: انسجام استراتيجية المواهب مع الاستراتيجية المؤسسية، والحاكمية، وتخطيط القوى العاملة، وإدارة الكفاءات، وتطوير القيادة، وإدارة التعاقب في المناصب، وإدارة المسار الوظيفي، وإدارة الأداء، وتطوير القدرات والتعلم، والاستحواذ على المواهب، والمكافآت، قاعدة المواهب، والتحليلات.
يتعين إعادة النظر في المكونات الرئيسة لإدارة المواهب بناء على أهميتها لمؤسسات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي.
بهدف النظر إليها بعين الشريك الاستراتيجي، يتحتم على اختصاصيي الموارد البشرية تطوير استراتيجية تتماشى مع استراتيجية المؤسسة وأولويات الحكومة الأوسع مدى (مثل توطين الوظائف). يجب أن تشتمل هذه الاستراتيجية على أحد مكونات المواهب الذي يركز على تمكين المؤسسة من تحقيق أهدافها من منظور المواهب، ويوجه نشاطات إدارة مواهب استباقية كالتعيين والتعليم.
يجب تغيير ثقافات المؤسسات الحكومية لتركز على الأفراد بدلاً من تركيزها على السياسات. يمكن تحقيق ذلك بإعادة تقييم المكافآت، لترتبط بدرجة أكبر بالإنتاجية والأداء، وبتوفير العوامل التي قد تزيد من سعادة الموظف في العمل، كساعات العمل المرنة، والتناوب الوظيفي، وترتيبات العمل الطارئة (مثل العمل من المنزل أو بدوام جزئي، والترتيبات الأخرى التي تناسب الأم العاملة).
بهدف تعزيز عملية اتخاذ القرار، يمكن لإدارة الموارد البشرية استخدام أدوات تحليل المواهب لتقديم التصورات، والاتجاهات، وكأدوات مراقبة ووصف لقياس معايير الموظف، كالإنتاجية والدوران، بهدف تحديد الاتجاهات والإجراءات التصحيحية. كما يمكن استخدامها كأدوات تنبؤ لدعم عملية تخطيط القوى العاملة.
إن أفضل توقيت لمؤسسات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي لتعيد التفكير في منهجها لإدارة المواهب هو الآن. تقف الموارد البشرية في مركز هذا التغيير.
على أي حال، فإن تحقيق التحول المطلوب الرامي إلى معالجة تحديات المواهب بفاعلية يتطلب الاهتمام بالقيادة، وتبني التفكير الجريء والإبداعي. يجب أن يكون التركيز أكبر على إدارة مواهب متكاملة، كونها عنصراً رئيسياً في تغيير مكان العمل والنجاح المؤسسي.
نقلا عن مجلة فوربس