
لم تعلن الأمم المتحدة الثامن من مارس/آذار يوماً عالمياً للمرأة فقط؛ بل أضافت أيضاً إلى هذا اليوم النسائي الثقافي والإنساني، أبعاداً فكرية وحقوقية وسياسية كموضوعات عالمية طرحتها المنظمة الدولية في يوم المرأة. وعلى سبيل المثال، كان موضوع عام 1999: «عالم خال من العنف ضد المرأة»، واللافت في اقتراحات الأمم المتحدة، تكرار موضوع العنف في اليوم العالمي للمرأة، فقد كان موضوع عام 2007 «إنهاء الإفلات من العقاب على العنف ضد النساء والفتيات»، وفي عام 2009 اقترحت الأمم المتحدة في اليوم العالمي للمرأة موضوع «النساء والرجال متحدون لإنهاء العنف ضد النساء والبنات»، وكان موضوع 2013 «الوعد هو الوعد: حان الوقت للعمل من أجل وضع حد للعنف ضد المرأة».
ويشير تكرار موضوع العنف ضد المرأة منذ عام 1999 وحتى 2013، إلى أن العنف بكل أشكاله الجسدية والنفسية والمعنوية ضد المرأة لم يتوقف؛ لا بل إن وتيرته زادت في العامين الماضيين جراء عادات الحجر والبقاء الطويل في المنزل إثر وباء «كورونا». وبالمناسبة، فإن مثل هذه الأوبئة المعدية والعدائية للبشرية، هي دائماً على أجندة الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بالمرأة التي تذهب ضحية لهذه الجوائح المتكررة، ففي عام 2004 اقترحت المنظمة الدولية في يوم المرأة العالمي موضوع «المرأة وفيروس نقص المناعة»، إضافة إلى موضوعات قريبة في «كارثيتها» العامة من آثار العنف والأوبئة، مثل الفقر والجوع وهو الموضوع الذي طرح في اليوم العالمي للمرأة في عام 2012، وتحديداً أثر الفقر والجوع على المرأة الريفية.
هذه الملاحظات والاستنتاجات تعود إلى قائمة الموضوعات التي طرحتها الأمم المتحدة في اليوم العالمي للمرأة منذ 1996 وحتى 2017، وإلى اليوم، كما يبدو؛ بل إلى أيام قادمة مع تقدّم العلم والثقافات والحضارات، فإن العنف والوباء والفقر والبطالة والجوع والهجرات القسرية، وسوء التغذية، والأسوأ سوء المعاملة.. لن تنتهي، وستظل الأمم المتحدة تقترح موضوعات إنسانية مثالية يجري تداولها في اليوم العالمي للمرأة، فيما المرأة؛ هذا الكائن البشري الجميل، ستظل الضحية، وأسوأ من ذلك ستظل موضوعاً ثقافياً عابراً في يوم عالمي هو الزمن الأنثوي الوردي لنصف البشر على هذه الأرض.
الصورة السوداوية التي نقلتها هذه السطور استنتاجاً من قضايا المرأة في يومها العالمي، ليست صورة مطلقة أو نهائية، فالبؤس الذي تتعرض له المرأة يبدو كارثياً في حالة المرأة العربية، وفي حدود جغرافية معينة مثل مخيمات اللجوء السورية بشكل خاص، ومثل الوجود العنصري الذي يقع أحياناً على نساء عربيات مهاجرات إلى بعض البلدان الأوروبية، ومثل الاضطراب الأمني والنفسي والمعيشي الذي تتعرض له المرأة في لبنان جراء الفساد والتوحش السياسي الطائفي والمذهبي، وفي العراق تدفع المرأة العربية هناك ثمن الصراع على السلطة والفساد والانتماءات الطائفية والمذهبية مرة أخرى.
من العنف إلى فساد السياسة، إلى الأوبئة، إلى خطوط الفقر الدنيا، تتابع الأمم المتحدة الرواية التراجيدية لهذا الكائن الأنثوي الذي يتحدى كل ذلك، بالصبر والقوة البشرية الداخلية.. في قلب وروح المرأة.