
أطلق عليها البعض “سيدة سوق الذهب”، إذ كانت من أوائل سيدات الكويت اللائي اقتحمن هذا السوق الموجود في منطقة المباركية الشهيرة لتتاجر بالذهب واللؤلؤ، وتمتلك محلا فيه بعدما ظل حكرا على الرجال طوال تاريخه.
تحكي سرى راشد للجزيرة نت كيف ارتبطت حكايتها مع تصميم المجوهرات بهوايتها وهي طفلة، إذ كانت دائمة تقطع العقود التي تأتيها كهدايا في مواسم الحج وغيرها لتحاول تشكيلها مجددا بغية التميز عن باقي شقيقاتها.
أمام معهد تصميم المجوهرات
بمرور السنوات كان اهتمامها بعالم المجوهرات يتزايد، يشدها برنامج تلفزيوني يتحدث عنها فتذهب للشراء أو تكتفي بجولة على المحال المختلفة، العام 2008 فقد كان مختلفا بالنسبة لها، فحين كانت تتجول في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن خلال وجودها برفقة ابنتها في رحلة علاج وجدت نفسها أمام معهد لتصميم المجوهرات، وفيه درست تصميم المجوهرات الملكية لمدة عام كامل.

عادت سرى إلى الكويت ولا يشغل بالها سوى افتتاح مشروعها الخاص، لم يكن الأمر سهلا، فلا هي من عائلة “جواهرجية” كما هو حال أغلب أصحاب المحال في السوق ممن ورثوا مهنة أجدادهم ومعها مخزون مجوهرات وألماس ولؤلؤ، كما أنها لم تكن تملك رأس المال الكافي لمثل هذا النشاط، لذا كان السؤال: من أين تبدأ؟
وبدأت بشراء سبيكة فضة
على مدار 4 سنوات لم يكن أمامها سوى القيام بنشاط بسيط في تجارة الفضة عبر الإنترنت من خلال اقتطاع جزء من مرتبها الخاص بوظيفتها الحكومية -تركتها لاحقا لتتفرغ لمشروعها الخاص- لشراء سبيكة فضة ثم تصميم الأشكال التي تستهويها وإرسالها إلى إحدى الورش للتنفيذ، ثم بيع تلك المجموعة في المعارض الشبابية.
في العام 2013 استطاعت شراء محل في سوق المباركية الشهير للذهب لكن كان رأس المال المتوافر للمشروع صفرا، مجرد طاولة موضوعة يعلوها قلم رصاص وأرواق، يدخل الزبائن مستفسرين عما تبيعه لتخبرهم بقدرتها على تصميم الشكل الذي يريدونه.
كان البعض يتقبل أن تصمم لهم أشكالا من الفضة أو الألماس حتى نمت الثقة، وبدأ بعض من يملكون السبائك القيمة يأتونها، ومن ذلك أن إحدى السيدات أتت لها بألماس قيمته 70 ألف دينار (270 ألف دولار)، ومنه صنعت سرى لتلك السيدة تاجا من الألماس الخالص.
واكتشفت عشقها للؤلؤ
بمرور الوقت اكتشفت سرى عشقها للؤلؤ كونه يدخل في كل التصاميم الخاصة بها، مما دفعها للسفر لدولة البحرين، وهناك تعلمت مهنة الطواشة على يد أحد التجار، وهي مهنة تطلق على من يقوم بشراء اللؤلؤ من الصيادين بعد جمعهم له، كان ذلك قبل أن تثري معارفها بشهادات دراسة اللؤلؤ من الولايات المتحدة وبلجيكا.
على مستوى الكويت اهتمت سرى بالبحث عن تفسير لتراجع سوق اللؤلؤ، إذ لا يوجد محل واحد متخصص ببيعه على الرغم من كونه من أنقى الأنواع عالميا، مما دفعها للإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن شرائها اللؤلؤ الطبيعي، وهنا توجس منها قدامى “الطواشين” العاملين بالمهنة، وكان سبب خوفهم أن صيد اللؤلؤ ممنوع قانونا، وبالتالي فإن عملهم يتم عادة بشكل غير معلن.

بمرور الوقت بدأ بعض الطواشين باختبار معرفتها، يعطيها أحدهم اللؤلؤ لتفحصه فيفاجأ بقدرتها على تمييزه، رويدا رويدا نسجت علاقات معهم واستعانت بالعارفين منهم لثقل خبراتها بعدما خسرت في بداياتها 2700 دينار (نحو 9 آلاف دولار) نتيجة شراء لؤلؤ اتضح لاحقا أنه زراعي.
بالخبرة وحدها يعرف التاجر اللؤلؤ
أما الآن فهي تقول عن نفسها إنه لا يوجد عقد لؤلؤ في سوق الذهب في الكويت لم يمر عليها، حتى أنها تخجل أحيانا حين يأتيها تاجر كبير في السن ليستفيد من خبراتها، وهي التي لم تصل سن الأربعين بعد.
مستخدمة مناخل اللؤلؤ التي يتجاوز عمرها 70 عاما والتي أهداها إياها أحد كبار السن من الطواشين، تشرح السيدة كيف أن تمييز اللؤلؤ يأتي بالخبرة، وبالخبرة وحدها يعرف التاجر ما إذا كان اللؤلؤ طبيعيا أو زراعيا، فحين يقوم الصياد بوضع حبة الرمل أو أي جسم غريب داخل المحار الذي يبدأ بدوره بمهاجمة الجسم الغريب ليتكون اللؤلؤ يكون الناتج زراعيا ذا لمعة ولون وقيمة تختلف عن اللؤلؤ الطبيعي الذي تدخل فيه حبة الرمل أو الجسم الغريب إلى داخل المحار دون تدخل بشري لينسج الخيوط حولها.
غواصو قطر والبحرين والكويت
تتعامل سرى مع غواصين من قطر والبحرين والكويت ممن يبيعونها اللؤلؤ الذي تتفاوت قيمته بالطبع، فعقد اللؤلؤ قد يبدأ من ألف دينار (3 آلاف دولار) ويتصاعد بلا سقف، وهناك حبة لؤلؤ واحدة تصل قيمتها إلى 10 آلاف دينار وفق عوامل الحجم واللمعان والاستدارة واللون، وهي الأمور التي تحدد القيمة.
ويقاس اللؤلؤ بوحدة “الجو” بتعطيش “الجيم”، وفيها يتم وزن اللؤلؤة بالقيراط، ثم يحول القيراط إلى “الجو”، وقيمة الجو الواحد تختلف كذلك حسب النقاء والمواصفات، ولا يتم تجوية أي لؤلؤة وإنما الأحجام الكبيرة فقط.
اللؤلؤ الطبيعي يشتاق للماء
ويتميز اللؤلؤ الطبيعي بكونه معمرا، ويضم المحل عقودا يتجاوز عمرها مئتي عام، ويتوقف عمر اللؤلؤ على الظروف المحيطة، فالبخور مثلا يفسده، وكذلك يتأثر إذا وضع في أماكن مظلمة، إذ يحتاج للتهوية، والغسل بالماء من وقت إلى آخر، فهو يشتاق إلى الماء حتى بعد تشكيله على هيئة عقد، لذا يشيخ ويتغير لونه ويظهر عليه أثر السنين بسبب الظلام، بحسب رواية صاحبة القصة.

ويختلف حجم اللؤلؤ حسب نقاء المياه المستخرج منها، فقديما كان هناك نوع كبير الحجم يسمى الحصوات، لكنه اندثر بسبب التلوث، وفي الوقت الحالي هناك أنواع، مثل القماش والشاهينة والشرينات والجلوات، أما أفضل الأنواع فهي الجوان.
المصدر : الجزيرة