
للمرة الأولى منذ أن أتيح لها المشاركة في الانتخابات البرلمانية الكويتية عام 2008، شهدت الانتخابات التي جرت بداية هذا الأسبوع مفاجأة غير متوقعة بالنسبة للمرأة الكويتية، حيث لم توفق في الحصول على أي مقعد برلماني في هذه الانتخابات بعد أن سقطت النائبة صفاء الهاشم في دائرتها لتفقد المرأة الكويتية مقعدها الوحيد الذي كانت تشغله النائبة الهاشم منذ الانتخابات ما قبل الأخيرة، فيصبح مجلس الأمة الكويتي الجديد خاليا من الوجوه النسائية على عكس ما حققته المرأة الكويتية في أول مشاركة لها بعد تعديل قانون الانتخابات حين فجرت، كما يقال، مفاجأة من العيار الثقيل بفوز أربع مرشحات للمرة الأولى لتشكل بذلك سابقة في تاريخ انتخابات مجلس الأمة الكويتي وتزين المرأة مقاعد مجلس الأمة الذي بقي منذ تدشين الحياة النيابية في الكويت عام 1962 ذا صبغة ذكورية خالصة.
هناك ربما من يرى في عدم نجاح المرأة الكويتية في الوصول إلى كرسي مجلس الأمة في هذه الانتخابات إخفاقا للمرأة أو علامة على عدم ثقة الناخب الكويتي في قدراتها أو كفاءتها، وهذه بطبيعة الحال نظرة خاطئة تماما، فليس المرأة وحدها التي أخفقت في الوصول إلى البرلمان الكويتي خلال هذه الانتخابات، وإنما العديد من المرشحين الذكور هم أيضا فشلوا في الحصول على الأصوات التي تؤمن دخولهم مجلس الأمة، حيث لم ينجح من مجلس الأمة السابق سوى 19 نائبا من أصل 50 مرشحا فازوا بعضوية المجلس الأمة.
الحقيقة التي يجب التأكيد عليها هي أن عدم نجاح المرأة الكويتية في تكرار الوصول إلى مقاعد مجلس الأمة من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة لا ينتقص من كفاءة المرأة وقدراتها ولا يجب أن يشكل إحباطا لها عن المشاركة بقوة في الانتخابات البرلمانية القادمة، فهذه النتائج يمكن أن تحدث لأي من المرشحين، بغض النظر، رجلا كان أم امرأة، فهذه هي اللعبة الديمقراطية، أضف إلى ذلك فإن مشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات البرلمانية حديثة ولم يمض على تجربتها كناخبة ومرشحة أكثر من اثني عشر عاما، مقارنة بالمشاركة الذكورية التي تجاوزت تجربتها الستة عقود، ناهيك عن الأوضاع الاجتماعية التي لا يزال الرجل يشكل محورها الرئيسي.
سواء نجحت المرأة الكويتية في دخول مجلس الأمة أم لم توفق في ذلك، فإن مشاركتها في العملية الانتخابية، مرشحة وناخبة، هو في حد ذاته مكسب كبير ومهم، حيث باتت رقما له قيمته ومساويا للرقم الذكوري في الحياة السياسية الكويتية بعد أن غيبت عن المسرح السياسي قسرا، بغض النظر عن الأسباب التي كانت تقف وراء هذا التغييب، فمشاركة المرأة في الانتخابات أسوة بالرجل يعطيها فرصة الدخول إلى مجلس الأمة، وفي نفس الوقت تستطيع بصوتها أن تسهم في رسم صورة المجلس من خلال التصويت، سواء لصالح أي من المرشحات، أو دعما لمرشحين، يرى العنصر النسائي فيها القدرة على دعم قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها.
فهناك أسباب اجتماعية كثيرة تقف حتى الآن عائقا أمام المرأة في العديد من الميادين، ليس في الكويت فقط وإنما في العديد من الدول ذات الخصائص الاجتماعية الشبيهة بالوضع في دولة الكويت الشقيقة، ومع ذلك، فإن الطريق طالما فتح أمام المرأة لتشارك في مختلف ميادين الحياة العامة، ومنها بطبيعة الحال الميدان السياسي المتمثل في المشاركة أسوة بأخيها الرجل في الانتخابات البرلمانية، فإن إثبات وجودها وكفاءتها وقدرتها على خوض غمار مختلف أشكال المنافسات، يتطلب جهدا وصبرا ودعما أيضا من المؤمنين بحق المرأة في المساواة في جميع الحقوق والواجبات من دون أي شكل من أشكال التمييز أو التفضيل.
تغيير الأوضاع الاجتماعية التي تعد أحد أكثر أسباب الإعاقة التي تعترض طريق المرأة، يحتاج إلى وقت طويل وإلى جهود ونضال مستمر، سواء من جانب المرأة عبر المؤسسات النسوية المختلفة، أو من جانب القوى التي تؤمن بأهمية تغيير الواقع الاجتماعي الذي لا يخدم قضايا المرأة في مجتمعاتنا، مثل هذه العملية المجتمعية لا يمكن أن تأتي ثمارها بين ليلة وضحاها، وإنما عبر جهود تراكمية، أثبتت صحتها تجارب معظم الشعوب التي أصبحت المرأة فيها تمارس حقوقا متساوية تقريبا مع أخيها الرجل.
هناك إرهاصات عميقة تؤكد أن تغير هذا الواقع يسير بخطى حثيثة وإيجابية، في الكويت وفي غيرها من الدول الشبيهة لها من حيث الأوضاع الاجتماعية، مثال على ذلك عندنا هنا في البحرين، فالمرأة كانت مغيبة أيضا خلال انتخابات المجلس الوطني في سبعينيات القرن الماضي لكنها نالت حقها كناخبة ومرشحة مع تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وهي الآن تجلس على هرم السلطة التشريعية كرئيسة لمجلس النواب، ونائبة أيضا، فهناك تغييرات اجتماعية تمر بها مجتمعاتنا في الخليج ومن شأنها أن تنعكس إيجابا على وضع المرأة بشكل عام.