
لا تقتصر الحياة الاجتماعية فقط على مجرد علاقة الإنسان بالأشخاص والفعاليات اليومية، وإنما تتخذ منحنى آخر ليشمل تلك المشاركة الفاعلة التي تربط الإنسان بالحياة وعلاقته بنفسه كذلك، لتتوسع دائرته وتذهب إلى أبعد من ذلك لتشمل خدمة المجتمع واستهداف فئات جديدة، وتأخذ شكلاً آخر من النشاطات، مثل المؤتمرات والندوات والنقاشات المحورية والحوارية، ويعتبر مثل المجتمع الشعبي البسيط والموسع بنطاقه، حيث يشمل معلومات واسعة في مجال تطوير المعرفة أيضاً.
إن المشاركة الاجتماعية ليست مجهوداً فردياً، بل هي منهج جماعي ولأنّ نطاقات المصلحة الاجتماعية متعددة ومتنوعة كان لا بد للدور النسوي من الحضور والمساهمة فيه، وهنا نشأت فكرة نادي سيدات البيرة، التابع لجمعية أبناء البيرة الخيرية، من سيدات تمكَّنَّ من إثبات حضورهن في جمعية أبناء البيرة التي كانت إلى وقت قريب حكراً على الرجل، ولم تكن في هذه الجمعية أي مشاركة نسائية أو دور في الهيئة الادارية، إلى أن تمكَّنَّ من إثبات جدارتهن والمشاركة في الانتخابات الأخيرة، وبدأت مشاركتهن في الهيئة الإدارية، وشكّلن لجنة نسائية ليبدأ العنصر النسوي بالقيام بدوره على أكمل وجه نحو التغيير والتطوير لنشاطات جمعية أبناء البيرة، هذه الجمعية غير الربحية التي تأسست عام 2004، وكغيرها من الجمعيات التي كانت ولا تزال تسعى إلى تقديم خدماتها ومساعداتها لكل فئات المجتمع.
رفع معنويات النساء وتوثيق معارفهنّ
تتحدث سميرة عبد الجواد عابد، مؤسِّسة النادي، عن النادي وفكرة تأسيسه، وتقول: إن نادي سيدات جمعية البيرة الخيرية تأسّس عام 2019، وهو نادٍ مجتمعي انبثق عن اللجنة النسائية التي تشكلت في جمعية أبناء البيرة الخيرية بعد حضور العنصر النسوي فيها، ويعتبر نادي سيدات البيرة الأول من نوعه في الضفة، لما يعمل عليه من أهداف، وللفئة العمرية التي يستهدفها، وهي مابين (40-80 عاماً)، وفكرة النادي تقوم على أن هذه الفئة لديها قصص وحكايات كثيرة، وتحمل في جعبتها العديد من الأفكار والحكم، من هنا وُلدت فكرة إنشائه لتوثيق كل ما لديهن، وهو من قسمين، القسم الأول يضم النساء اللواتي لديهن القدرة على الخروج من المنزل، والقسم الثاني يُعنى بالنساء اللواتي لا يمتلكن القدرة على الخروخ من المنزل، نحن نذهب إليهنّ، والهدف من ذلك هو رفع معنويات هؤلاء النساء، وتوثيق ما لديهن من أغانٍ وقصص وحكم وأمثال شعبية وكل ما يعرفنه، حتى الأكلات الشعبية.
وتتابع حديثها: يُعدّ النادي مكاناً مناسباً لتجمُّع العديد من طبقات المجتمع المختلفة والتقاء النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية واحتكاكهنّ ببعضهن، وتناقل الأفكار، ما يفيد في بناء العديد من العلاقات الاجتماعية أيضاً، فاختلاط النساء مع بعضهن يساعد في تحسين الحالة المزاجية والنفسية بشكل واضح، ما يزيد من الثقة في النفس، ويرفع مفهوم الذات، إضافةً إلى اطلاع السيدات على الأمور التي تدور في المجتمع ومختلف القضايا والأحداث، ما يزيد من نشاطهن وشعورهن بالحيوية، فدورنا كنادٍ اجتماعيٍّ نسعى بشكلٍ دائمٍ إلى زيادة الثقافة في مختلف المواضيع التي يتم تداولها في اللقاءات، وتشمل ذوي خبرة يطرحون مواضيع تهم السيدات في مختلف مجالات الحياة، في جوّ يسوده الشعور بالانتماء والتطوّع والمبادرة والعمل الجماعيّ والتّضامن وقبول الاختلاف والتفاعل الإيجابيّ، كما كنا ننظم رحلات للسيدات في داخل الوطن وفي خارجه، ومنها رحلة إلى تركيا.
مساعدة أُسَر وأنشطة متنوعة
وتواصل: منذ دخول العنصر النسوي إلى الجمعية وتأسيس نادي السيدات أصبح من السهولة علينا أن نعمل أكثر في تطوير الأعمال وإنجاز المهام، خاصة لسهولة وصولنا إلى البيوت الفقيرة والأُسر المحتاجة، فالجمعية تساعد خمساً وثمانين عائلة، إلا أنه ومع ظروف جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات كثيرة ازداد عدد الأُسر التي تقدم الجمعية لها المساعدات، لتشمل كذلك الأُسر المتضررة، ما زاد العدد إلى أكثر من ثلاثمئة عائلة، وقد تمّ التعاون مع جمعية أبناء البيرة الخيرية في أمريكا، التي قامت بدعمنا بشكل كبير حتى نستطيع تأمين 200 دولار لكل عائلة، ونحن كغيرنا من الجمعيات الأهلية والخيرية نعتمد بشكل كلي على التبرعات وما يقدمه الأعضاء من مبالغ للانتساب ومن تبرعات خاصة لندفع المصاريف المترتبة علينا من إيجار مقر الجمعية وغيرها، ولا يوجد أي موظف، فكلنا أُسرة واحدة ومتطوعون، ونتمنى أن نستمر في العطاء.
وتقول عابد: في ظل جائحة كورونا قمنا بالعمل على التوجه إلى الحدائق العامة كحديقة الاستقلال، لعقد اللقاءات مع السيدات في النادي، إضافة إلى مبادرتين بالتنسيق مع جمعية المستهلك تحت شعار “حارب عدونا” لتعريف النساء بضرورة مقاطعة منتجات الاحتلال، وأهمية دعم المنتج الوطني والتعريف بالزراعة الوطنية، كما قمنا بتنظيم يوم طبي في مركز البيرة الثقافي بالشراكة مع بلدية البيرة ومع “ميدي كير لاب”، إضافة إلى أننا في طور بناء مركز مجتمعي للجمعية.
وتضيف: كما نسعى بشكل كبير للمحافظة على التراث، فقمنا بتنظيم يوم للتراث الفلسطيني، وشاركنا مع عدة جمعيات ومؤسسات في الزي الفلسطيني، إضافة إلى مشاركتنا في سوق الفلاحين بصابون زيت الزيتون الصافي وأكلات شعبية، ومع مركز حواء في صناعة القش، ونحن بصدد تنظيم دورة لتعليم صناعة القش، إضافة إلى أننا بدأنا في مشروع إنتاجي ليكون مصدراً للدخل للجمعية لتستمر بنشاطاتها، وهو صناعة الصابون من زيت الزيتون، وهو عمل تطوعي أيضاً، وبدأنا بالفكرة من خلال جمع التبرعات فيما بيننا لشراء الزيت وكل المستلزمات، وبالفعل بدأنا إنتاج صابون زيت الزيتون الصافي 100 بالمئة، ليكون أول مشاريعنا، ونتمنى أن يكون هناك دعم من السوق المحلي من أجل أن تستمر الجمعية في العطاء، كما نسعى إلى تصديره للخارج.
المساهمة في رعاية الشؤون الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية
وتقول عابد: تسعى جمعية أبناء البيرة ونادي السيدات إلى المساهمة في رعاية الشؤون الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية لأبناء المدينة، إضافة إلى تقديم الدعم العيني والمالي إلى الأُسر الفقيرة في المدينة وتقوية الروابط والصلات بين أبناء المدينة في فلسطين والمهجر، وقد أطلق النادي أيضاً الكنعانيات، وهو نادٍ يتم تنظيمه من قبل الشابات وفقاً لرؤيتهن، لأننا نفتقر لحضور الشابات، ونحتاج إلى طاقاتهن، فاستهدفنا الفئة العمرية مابين (18-40 عاماً)، لكن للأسف بدأنا في عام كورونا، فكانت النشاطات محدودة جداً، لكن هذه الطاقات الشبابية استطاعت وضع خطة استراتيجية لتكون حلقة وصل بين كل نشاطات الجمعية، وأول مبادرة هي مساعدة الأُمهات والأطفال على التعليم الإلكتروني ومد يد العون لهم عن طريق دورات تُعلمهم على كيفية استخدام وإتقان التعامل مع أجهزة الحاسوب والمواقع المنوعة، لكننا لا نزال بحاجة إلى شابات متطوعات ليساعدن في هذه المبادرة.
وتتابع: إن نادي سيدات البيرة الذي تم تأسيسه من أجل الأنشطة التطوعية والخيرية هو للجميع، وليس مقتصراً فقط على النساء الموجودات في مدينتي البيرة ورام الله، وإنما هو لكل النساء في فلسطين، وبالرغم من أننا بدأنا منذ عامين فقط، فإننا استطعنا تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، وبالرغم من اجتياح وباء كورونا وما فرضة من إغلاقات، فإننا حاولنا أن نستمر ونتطور، لكن لا يوجد نجاح من دون دعم المجتمع لنا ولإنتاجنا، ومن خلال العمل على بناء علاقات والتشبيك مع الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية، والآن تنظر الناشطات في النادي إلى المستقبل بتفاؤل، ويتوقعن أن ينمو دور النادي الذي بات يضم نساء يواصلن عملهن، ويوسعن نشاطهن في النادي بتنظيم مجموعةٍ من الفعاليات والأنشطة المجتمعية المعنية بالفنون والصحة، إضافةً إلى الأنشطة الترفيهية والثقافية المخصصة للسيدات، وعلى رغم جائحة كورونا استمر النادي في العطاء، كما يعمل على تنظيم الفعاليات الخيرية، والمشاركة في البازارات والمعارض والمحاضرات والندوات والملتقيات بكافة أنواعها.