تبدو المرأة بطلة وضحية في الفيلمين المغربيين المشاركين في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة ضمن فعاليات النسخة الـ29 من مهرجان قرطاج السينمائي التي يسدل عليها الستار، السبت، بتونس.
وتتجلى البطولة النسائية للفيلمين منذ البداية من خلال العنوانين المختارين لمخرجيهما، فالأول حمل عنوان “صوفيا” للمخرجة المغربية- الفرنسية مريم بن مبارك، كما منح المخرج محسن البصري فيلمه “لعزيزة” عنوانا أنثويا، سواء كان اسما أو رمزا، والذي يندرج ضمن أفلام السيرة الذاتية، حيث اختار البصري طرح قصة حياة والدته لتكون موضوعا لفيلمه.
ويروي فيلم “صوفيا”، الذي قامت مريم بن مبارك بتصويره في الدار البيضاء أواخر سنة 2017، قصة فتاة ميسورة الحال اسمها “صوفيا” تضع مولودتها نتيجة علاقة خارج إطار الزواج، لتجد نفسها مضطرة إلى إحضار الأب للمستشفى أو مواجهة السجن وفق القانون المغربي، ومن هناك تنطلق الفتاة ذات الـ20 عاما برفقة إحدى قريباتها في رحلة ليلية بمدينة الدار البيضاء بحثا عن الأب المفترض للطفلة، أو بالأحرى من أجل عدم الكشف عن الأب الحقيقي لمولودتها، رجل الأعمال الذي أوقعها في المحظور، فتعقد صفقة مع شاب من الطبقة الفقيرة “عمر” للتستر على حملها وإنجابها.
وقام بتشخيص الفيلم كل من سارة الدحماني العلوي، وسارة بيرليس، وحمزة كفيف، ولبنى أزبال، بالإضافة إلى المخرج والممثل فوزي بنسعيدي والممثل سعيد باي.
و”صوفيا”، هو أول فيلم روائي طويل لمريم بن مبارك بعد عدة أفلام قصيرة، أشهرها فيلما “نور” و”جناح” الذي حصلت من خلاله على عدة جوائز ورشحها لأوسكار أفضل شريط قصير سنة 2015، وهو فيلم التخرج بعد دراستها السينما في المعهد الوطني لفنون الفرجة ببروكسيل.
ونال “صوفيا” جائزة أفضل سيناريو في مسابقة “نظرة ما” للدورة الـ71 من مهرجان كان السينمائي، وجائزة “فالوا” لمهرجان الفيلم الفرنكوفوني “آنجوليم” بفرنسا.
وغير بعيد عن ثيمة المرأة البطلة والضحية في مجتمعات عربية ذكورية حد العظام، يروي فيلم “لعزيزة” لمخرجه محسن البصري قصة “لعزيزة” التي يهجرها زوجها، دون أسباب، وهي حامل في شهرها السابع، لتلد بمنزل شقيقها وتعيش فيه مع ابنها “إحسان”.
وبعد عدة سنوات، وعندما يحين موعد التحاق وحيدها بالمدرسة، يبدي والده رغبة في استعادته، وعلى العكس من رفض أشقائها، تقرّر لعزيزة أن تأخذ ابنها إلى عتبة البيت الذي كان مغلقا في وجهها يوما من الأيام، وبرأسها تدور فكرة واحدة، هي أن مستقبل إحسان فوق أي شيء.
والفيلم من بطولة رشيد الوالي، وعمر لطفي، وصونيا عكاشة، وزكريا عاطفي، وفاطمة الزهراء بناصر.
وفي كلا الفيلمين، ورغم اختلاف القصتين، أتت المرأة بطلة وضحية في “صوفيا” التي تقودها الأقدار للوقوع في براثن رجل مُستهتر، فتجد نفسها في دوامة أخلاقية وقانونية من أجل إسناد لقب وهوية لمولودتها، فتبحث عن ضحية، وهي الضحية، كي تنجو من مصير مجهول.
وإن بدت صوفيا مُشاركة وفاعلة في ما آلت إليه، ولو من خلال سكوتها وخنوعها، في فيلم مريم بن مبارك، فالأم في فيلم محسن البصري، بدت ضحية خيارات زوج يُغادر متى يشاء ويعود متى يُريد، ليُمارس أنانيته الذكورية إلى أقصاها غير عابئ بعواطف زوجة ثم أمّ قدّمت الغالي والنفيس من أجل زوجها أولا فطفلها ثانيا، لتتوالى تضحياتها لصالح ابنها دائما.
والثيمة ذاتها قدّمها فيلم “بلا موطن” للمخرجة نرجس النجار الذي كان افتتح الدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية بمدينة الثقافة في تونس العاصمة، وهو من بطولة الغالية بن زاوية وأفيشاي بنعزرا وعزيز الفاضلي ونادية النيازي ومحمد نظيف وجولي غاييه وزكريا عاطفي.
ويلقي الفيلم، على مدى 114 دقيقة، الضوء على قضية المغاربة الذين تم طردهم من الجزائر سنة 1975، من خلال تتبع قصة فتاة تم طردها وعمرها لا يتجاوز 12 سنة مع والدها إلى المغرب، فيما أرغمت أمها على البقاء في الجزائر، لتعيش الفتاة مأساة إنسانية كبيرة بسبب فراقها لأمها.
وللمرة الثالثة تكون المرأة بطلة وضحية في الأفلام المغربية الثلاثة المُشاركة في دورة مهرجان قرطاج السينمائي لهذا العام، ما يعني أن نصف مجتمعنا العربي لا يزال مريضا، على اعتبار أن المرأة هي نصف المجتمع، ومُلهمة نصفه الثاني، كما يُوصّفها علماء الاجتماع، فمتى شُفيت من عللها، برأ المجتمع كله، ومتى تعاظمت مآسيها، تصّدع المجتمع بأسره.
وبذلك، ربما، تستعرض الأفلام الثلاثة، قراءة مُبطنة لحالة التردي العام الذي باتت تعيشها بعض مجتمعاتنا العربية في ظل عدم تمكين المرأة من أبسط حقوقها في الحب والأمومة والانتماء لأوطان تعيش شتاتها من الداخل.