
لماذا دخلت المرأة بنسبة الـ 25% من عدد أعضاء البرلمان بالقائمة بسهولة بينما لم تنجح الا ثلاث عضوات علي المقاعد الفردية علي طول مصر وعرضها؟.
يحدث هذا للمرة الثانية، كما أنه يحدث بالرغم من أن المرأة تنزل للانتخاب في حشود ملحوظة. كما ترتفع أصوات نسائية كثيرة علي طول المنطقة العربية، ومنها مصر ، تطالب بحقوق سياسية واجتماعية جديدة وكثيرة. وعندما أقول ترتفع اصوات فإني اعني دائما أصواتا حضرية متعلمة وفي أغلب الاحيان عاملات مهنيات. وفي كثير من الاحيان نجد البعض من الرجال السياسيين يتقدمون للمؤازرة وللمساندة. وإذا نظرنا الي المنطقة العربية فسوف نجد الصورة تتكرر. تنجح المرأة في القوائم او ما يشابهها بينما لا تحقق نجاحا ملحوظاً في المقاعد الفردية. وحتي إذا ما حققت نجاحا في دورة انتخابية فإنها تتراجع فورا في الدورات التالية.
أول المعاني والاستنتاجات التي تخطر علي البال هو أن هذا المجتمع العربي يتشابه اجتماعيا وسياسيا في مكوناته. أي ان مكوناته التي تمثل خلاياه الأولي متشابهة الي حد كبير بالرغم من اختلافات اقتصادية سببتها الثروة المجتمعية العامة التي يشكلها في الأساس مكون الريع وليس مرحلة او نظام القيمة المضافة. مجتمعات تمتلك السيولة الريعية التي تأتي بالمال الوفير وليس اقتصاد القيمة المضافة الذي يتحقق بالجهد والعرق الانساني. ومن المؤكد انه سيتطور مع الزمن الا انه الي الآن مجتمع ريعي. تتطلع مكوناته البشرية من اناس يتمنون الرخاء والازدهار نتيجة لوجود مصادر الريع لا المال الناتج عن العمل الصناعي أو الزراعي. ينعكس هذا الوضع الاقتصادي العام علي الفكر والتوجهات سواء تجاه المرأة او الاقليات بكل اشكالها ونوعياتها. طبيعة حاكمة وصانعة ومرسخة للمجتمع البطريركي الابوي الذي يعطي السيادة للرجل علي المرأة والغني علي الفقير والمنتمي الي الأغلبية علي ابن الاقلية.
ومن هنا ترسخت في هذا المجتمع فكرة المطالبة من الدولة وانتظار عطاياه العامة. ف الدولة من تدعم الحقوق. وتقدم مصر النموذج الواضح لهذا المجتمع. فالمرأة ال مصر ية لم تحصل علي حقوقها السياسية إلا عام 1956 بينما مطالبها ونشاطها المكثف بدأ عام 1919 عام الثورة الأم. ثم جاء عصر انور السادات لنجد انفسنا امام نظام متردد في الحقوق السياسية . يعطي ثم يأخذ. ثم جاء نظام الرئيس حسني مبارك ليقدم الكثير من الحقوق الاجتماعية ثم يتوقف كثيرا امام الحقوق السياسية . وأخيرا جاء الرئيس السيسي ليقدم جانبا كبيرا من الحقوق السياسية , نسبة 25% من عدد المقاعد, ليتوقف هذا التقدم في المقاعد الفردية التي لا يتدخل الرئيس فيها. مصر كلها لم تنتخب علي المقاعد الفردية الا ثلاث سيدات منهن واحدة نجحت باكتساح، لأنها لم تسترح لحظة واحدة ولم تتوقف عن العمل طوال الدورة الفائتة.
وتتكرر الحالة في مواقف اخري مثلا عندما يختلف الدين او اللون. لذا يجب ان نقف ونحلل الحالة حتي لا تتكرر بعد ذلك او علي الاقل حتي يبدأ منحاها الي الانحسار.علينا ان نحلل السبب الذي نجد فيه كوادر نسائية تتساوي إن لم تزد في جدارتها عن جسارة الرجال ومع ذلك تجنح هذه الكوادر إلي السلبية السياسية وترفض بشكل قاطع خوض المعارك الفردية النيابية وتفضل وتنتظر اختيارها في القوائم او التعيين من الدولة في مناصب سياسية. وهي حالة تتكرر في صفوف الرجال ال مصر يين إلا أننا هنا نناقش قضايا المرأة السياسية التي تبدو لنا واضحة.
في مناقشات سابقة اثيرت قضية تقدم المرأة ال مصر ية الي الانتخابات الفردية وتم توضيح ان أعداداً من النساء المؤهلات سياسيا يجنحن الي هذا الموقف السلبي بسبب ما يحيط الانتخابات ال مصر ية من ظواهر سلبية تدفع المرأة إلي خارج دورتها الآن. منها مثلا عامل المال وبجانبه عامل نوعية الانتخابات ذاتها التي تستمر تلتقط صفات تلتصق بالمرأة ويستمر منافسوها فى استخدامها كعناصر ضعف في حالة النساء.اتذكر مثلا الراحلة الفنانة نعيمة وصفي التي تقدمت للانتخابات البرلمانية عن دائرة قصر النيل و الزمالك ولم تنجح لأنها كانت مجرد فنانة وممثلة بالرغم من انها كانت انسانة سياسية جيدة. حدث ذلك بالرغم من الناس العادية للغاية قبلت تعيين كل من الفنانتين امينة رزق و مديحة يسري كنائبتين برلمانيتين.
ولكن تستمر الثقافة العامة السائدة هي العامل الأساسي في عدم قدرة النساء ال مصر يات علي خوض هذه المعارك. وهي الثقافة التي ذكرناها كثقافة ابوية تحتكر سدة الحكم وما يماثلها من مواقع سياسية في البلاد. وهي ثقافة تنبع من عدم قدرة المجتمع ال مصر ي علي استكمال مراحل تطوره بالإضافة الي سماح عدة ثقافات فرعية تعيش جنبا الي جنب في البلاد. ف مصر ، علي سبيل المثال، مواقع صناعات ومعلومات متقدمة في الوقت الذي استمرت لا تتقدم فيها الزراعة التي يعيش عليها نصف تعداد الشعب مما يساعد علي استمرار سيادة الثقافة الزراعية المتخلفة التي هي في الاساس ثقافة ابوية.
الخلاصة أن الجماهير الناخبة لا تنتخب النساء وإنما تنتخب القوائم المقدمة لها من رئاسة الدول بما يعني أننا نحقق مكاسب يتوقف استمرارها علي استمرار ذات الرئاسة التي تضعها في الدستور ثم في القانون . لذا نقف الآن امام وضع لا يتطلب منا التقدم الي سدة الحكم للمطالبة بالمزيد وإنما يتطلب منها كقيادات النشاط العام لتعديل تلك الثقافة المتخلفة الحالية لتحقيق ذلك التقدم الذي نسعي اليه كشعب وقيادة سياسية، جميعا ومعا، لنحول مطالبنا كنساء الي قرار مجتمعي يعترف بدور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العامة.فالعمل الجماهيري هو المطلوب الآن وليس التفرغ لتقديم المظالم.