
خلف مكتبها الصغير تنهمك رونيدا في صيانة الأجهزة الإلكترونية داخل محل “الألوان”، ذلك المشروع التشاركي الذي افتتحته خمس شابات في مدينة “القامشلي” شمال شرق سوريا.
تمر الساعات سريعا على “ذكا” الشابة العشرينية، وهي تعيد صيانة الأجهزة وبرمجة الهواتف الذكية، التي تزاحمت على طاولتها، ساعية إلى كسر الجمود، واحتكار الذكور لهذا المجال الذي لاقت فيه استحسانا وإقبالا كبيرا من الزبائن، لا سيما من الفتيات اللواتي لا يفضلن صيانة هواتفهن النقالة لدى محلات الرجال حفاظا على خصوصية ملفاتهن الشخصية.

أجهزة الصيانة المتواضعة، كالحاسوب الشخصي، وساعة الفحص، وبرامج الصيانة، تلبي بها الشابتان احتياجات الزبائن وتجهدان في توسيع مشروعهما، وتوفير كافة مستلزمات أجهزة الصيانة المطلوبة في العمل.
ظروف قاسية وانتقادات لاذعة
الانتقادات اللاذعة التي قد تواجهها العاملات في مهن خدمية لم تؤثر في عزيمة “قمر محمد” في استمرارها في عملها بمحل بيع الوجبات السريعة في مدينة الحسكة منذ أربع سنوات، بعد نزوحها من مدينة حلب قبل ست سنوات.
لم ترأف الظروف بالأرملة قمر (25 عاما)، لتجد نفسها مسؤولة عن إعالة أطفالها الثلاثة، بعد مقتل زوجها في غارة جوية على حي “الفردوس” في مدينة حلب، وأضافت “فقدت زوجي المعيل الوحيد للأسرة، والظروف أجبرتني على النزوح وقبول أي عمل شريف، يحفظ كرامتي وأولادي من الحاجة”.
لا فرق بين الجنسين، شعار رفعته بيان (14 عاما)، من مخيم “سردم” لنازحي عفرين في ريف حلب، التي امتهنت مهنة تصليح إطارات السيارات والشاحنات والدراجات، لتؤمن قوت عائلتها المكونة من ثمانية أشخاص، وهي كما وضحت الوحيدة بين شقيقاتها الخمس التي لم تتوقع أن تعترك يوما غمار عمل رجولي.
فن قيادة الشاحنات الضخمة
تنجذب الإناث لمهن ذكورية إما شغفا بها، أو لقسوة الظروف عليهن، يقابلهن إلى جانب ذلك استهجان المجتمع لهن بنظرة دونية ترفضها بيان كأنثى تمتلك إمكانات لا تقل عن نظيرها الذكر حسب رأيها الذي تؤيده سيلفا أحمد (18عاما) التي تعمل سائقة للمركبات الثقيلة في مدينة “عامودا” منذ أن كانت في التاسعة من عمرها.
فنجاحها تبديه بكل ثقة في قيادة الشاحنة كأول فتاة في المنطقة، الذي ارتبط بشكل مباشر بالتحدي وإثبات ذاتها بجدارة.
المهمة في البداية كانت غير هينة على “سيلفا”، لكن سرعان ما تخطتها بسرعة بتشجيع من والدها الذي لم يمانع رغبة أصغر بناته في العمل معه.
من وجهة نظر علم الاجتماع حول عمل نساء بأعمال اختصت بالرجال، أكد الباحث محمد علي عثمان أن المجتمع كان ينظر للمرأة ككائن رقيق ذي بنية ضعيفة لا تتناسب معها المهن الصعبة التي يتحملها الرجل، لكن النظرة تغيرت لصالح النساء منذ أعوام بعد إثباتهن جدارتهن في جميع المهن تقريبا.
كسر حاجز الخوف
زمن تقسيم المهن حسب الجنس يرفضه “بلند سربست” مدرس التربية الموسيقية، معللا ذلك بظروف الحرب التي تعيشها سوريا وما رافقها من عمليات إرهابية وقتل ونزوح وسجن وهجرة للشباب، وحالات الطلاق، وفقدان العديد من العوائل لمعيلها من الرجال والظروف المعيشية الصعبة، كل ذلك خلف أعدادا هائلة من نساء دون معيل، فكسرت النسوة الحاجز الزجاجي الذي حصرهن في الاشتغال بمهن شاقة في ميادين الرجال.

يذكر أنه وفقا لتقارير البنك الدولي، يعيش 87% من سكان سوريا تحت خط الفقر، وكشفت تقارير غير رسمية ارتفاع نسبة عمالة النساء في الأسواق السورية إلى أكثر من 80% نتيجة لظروف فرضتها أزمة البلاد على الرجال، وتوجه قطاعات كثيرة الاستعانة بالعاملات لسد حاجتها في العمل.
المصدر : الجزيرة