
تربّي خمسة أبناء وتواصل عملها بالرغم من إصابتها بأمراضٍ مختلفة و بالرغم من كل الصعوبات التي واجهتها، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي عاشتها، قررت أن تستمر وتبدأ رحلتها في العمل والسعي لتوفير لقمة العيش لها ولأسرتها، إنها إيمان حوراني (أُم طاهر) التي خاضت معترك الأُمومة والعمل في أوقات صعبة بكفاءة، واستطاعت أن تحمل عائلتها إلى بر الأمان، ونجحت في تحسين أوضاعها وأوضاع أُسرتها المادية؛ من خلال لجوئها لتنفيذ مشروع صغير خاص بها، عبارة عن مطبخ.
بدأت حوراني بفكرة مشروع، ثم أثمرت تلك الفكرة لتطرح وتدر عليها وعلى عائلتها دخلاً يكفيهم ويُحسّن من مستوى معيشتهم، لتؤكد أن المرأة قادرة على العمل والنجاح والتميّز، مهما كانت الظروف المحيطة بها.
وتقول إيمان: في كل الظروف كان هاجسي دائماً الأسرة والأبناء، كانت الصعوبات جمة وكبيرة وغير محمولة، وبفضل الله والترتيب كان النجاح حليفي، ومضت الحياة، كان عليّ أن أُواجه الفقر، وأعمل من أجل توفير الدخل لعائلتي، خاصةً أن زوجي لا يعمل، لما يعانيه من أمراض، خاصة الديسكات في ظهره التي تحول بينه وبين أيّ عمل.
وتضيف: كان دخلنا يعتمد على مخصص الشؤون الاجتماعية، الذي لم يكن يوفر كفاف يومنا في أحيانٍ كثيرة، وهذا ما دفعني لأبحث عن أيّ عملٍ أستطيع إتقانه، ومن هنا عندما ذهبتُ إلى وزارة التنمية الاجتماعية من أجل التأمين الصحي قمت بسؤالهم إذا كانوا يستطيعون مساعدتي بإيجاد عمل لي، ومصدر دخلٍ أُنفق على أُسرتي من خلاله، يكفينا قوت يومنا بعيداً عن مذلة السؤال، وبالفعل أخبروني عن مشاريع التمكين الاقتصادي للنساء، التي يقدم من خلالها تمويل المشاريع النسائية التي تستطيع المرأة القيام بها، وأخبروني عن مشاريع لنساء مكافحات، قدمن المثل الرائع للمرأة الصابرة والمكافحة.
إيمان تغلبت على قسوة الحياة، ونهضت بمسؤولياتها في تربية أبنائها الخمسة، الذين لا يعمل والدهم بسبب مايعانيه من مرض، وبالرغم من أنها تعاني من مرض “بهجت” أو ما يُسمّى أيضاً متلازمة بهجت، وهو اضطراب نادر يسبب التهاب الأوعية الدموية في كل الجسم، ويصيب العديد من الأجهزة في الجسم، وقد يؤدي إلى أمراض العيون والتهابات المفاصل، وإصابات في الجهاز العصبي المركزي، وأمراض الأمعاء، وقد تتضرر الأوعية الدموية، الوريدية والشريانية، على اختلاف أحجامها لدى قسم كبير من المصابين بمتلازمة بهجت، ومن الأعراض الأوسع انتشاراً: التهاب جدران الأوعية الدموية، وتكوّن الجلطات الدموية (Blood clot) في الأوردة (السطحية والعميقة)، وفي أعضاء مختلفة، إضافة إلى إصابتها بجلطة على الرئة وأُخرى منذ مايقارب الشهر على الدماغ، فإنها استطاعت إثبات قدرتها وقوّتها في إنجاح مشروعها (مطبخ أُم طاهر حوراني) الذي استطاعت من خلاله تأمين لقمة العيش لأبنائها لتبيع إنتاجها، وتصرف على بيتها وأولادها.
تقول أُم طاهر: كنتُ أتطلع لإيجاد جهة ممولة من أجل تنفيذ مشروع صغير، حيث أجد لديّ الرغبة في العمل، ونجاح مشروعي الصغير في المطبخ بعملٍ أُحبه وأُتقنه كان حافزاً لي لأعمل أكثر، متناسيةً الألم والمرض، بعد أن أعانني الله، وأغناني عن مدّ اليد، وإنني أُهيب بكل امرأةٍ أن تبادر لإقامة المشاريع التي تُدرّ عليها وعلى أُسرتها حتى لا تبقى أسيرة الحاجة.
الاعتماد على النفس وبداية قصة المطبخ
وتتابع: في البداية اعتمدتُ على نفسي بعملي وبإنتاجي، ولم يتملكني اليأس، لأنني أحمل فكرة وجود المرأة وإثبات كيانها وأنها قادرة على النهوض بأُسرتها، لا أن تكون مهمشةً وعالةً على غيرها، وبدأ مشروعي يكبر، فقد علمتُ بناتي كيفية العجن وإعداد بعض الأكلات الشعبية ليكنّ يد العون لي في أوقات الضغط ومع ازدياد الطلبات، وإنني أشعر بالاعتزاز وأنا أقوم بتربية أبنائي وتعليمهم مساعدتي ليكونوا السند لي في معترك الحياة، ما خلّف في نفوسهم أثراً إيجابياً كثيراً وفخراً بما أقوم به من أجلهم.
وتواصل: قبل خمس سنوات وعندما لجأت إلى وزارة التنمية الاجتماعية من أجل التأمين الصحي لأتعالج، تفأجاتُ بما تقدمه من مشاريع ريادية لتمكين النساء، وكانت بداية قصة مطبخي، فبعد الحديث الذي دار بيني وبين الموظفة رندة التي أخبرتها بمرض زوجي الذي جعله عاطلاً عن العمل، وأخبرتني بإمكانية مساعدتهم لي، وإقامة مشروع مطبخ صغير يُدر دخلاً على أُسرتي، وقد فرحت كثيراً، وبالفعل قاموا ببناء غرفة لي، وأعدوها بشكل كامل من معدات ومواد خام، ليكون عملي فيها، إضافةً إلى أنني طلبتُ منهم عربة للقهوة والشاي، وأُخرى لأضع عليها الحلويات والمأكولات ليذهب بها ابني ويبيع من خلالها، وبالفعل أحضروا لي كل المستلزمات، وكل ما طلبته، وبدأتُ في البداية بالرغم من خوفي الشديد من عدم النجاح، وكانت بداخلي عزيمة قوية وإرادة صلبة أن أُخرج عائلتي من دائرة الفقر إلى الأمان، وبدأتُ أصنع الحلويات والمعجنات، ويذهب ابني فيها إلى السوق لبيعها، وبالفعل كانت النتيجة مذهلة لي.
وتُكمل: لا أنسى الفرحة التي اعترتني للمرة الأُولى عندما رجع وقد باع كل ما أعددته له من طعام وحلويات، لم أكن أتوقع هذه النتيجة، واستمررنا على هذا المنوال، إلى أن بدأ الناس يعرفونني عندما يسألون ابني طاهر مَن الذي يُعدّ له الطعام والحلويات، وبدأ الناس يتصلون ليطلبوا طلبيات خاصة لهم، وفي فترات العيد، كنت أصنع الكعك والمعمول لبيعه وهكذا، إلى أن أصبح مطبخي اسماً معرفاً لدى الجميع داخل البلد وخارجه، فقد كنت قبل ازمة كورونا استقبل الطلبات من مناطق الداخل المحتل مثل قلنسوة والطيرة وكفر قاسم وغيرها، وبدأ المشروع يكبر ويتطور والدخل يتحسن ما كان له كبير الأثر في نفوس أبنائي، خاصة أنني أصبح بمقدوري تلبية جميع متطلباتهم مهما كانت، وأذكر قبل أن يجتاح فيروس كورونا حياتنا كانت الغرفة التجارية والبلدية تطلبان الطعام من مطبخي للوفود القادمة من الخارج، ليتجاوز دخلي في اليوم 500 شيكل، إضافةً إلى أنني كنت أعمل ما يقارب 70 كيلوغراماً من الكعك والمعمول في أيام العيد، وكنت أُحضِر سيدات مستورات الحال ليترزقن من خلال العمل معي ومساعدتي مع اشتداد الطلب.
وتضيف: الحمد لله، استطعت تأثيث منزلي من جهدي وعملي، وبعد خمسة أشهر من نجاح مشروعي زارني وزير التنمية الاجتماعية والمحافظ اللذين اشكرهما على ما قدماه لي من مساعدة ومد يد العون، وأخص بالشكر المحافظ الذي لا يزال حتى الآن يساعدني ويمد يد العون لي في كل ما أحتاجه أنا وأُسرتي.
تأثُّر العمل بكورونا.. وإصرارٌ على النجاح
وتقول أُم طاهر: للأسف، جائحة كورونا غيّرت حياتنا بشكلٍ كبير، فلم يعد الطلب كما كان من قبل، فقد خفّ كثيراً، وتوقفت العربة، واليوم نكتفي بالطلبات القليلة، في كل يومين طلبية طعام، ولا يتجاوز دخلنا اليومي 65 شيكلاً، وسأبقى أعمل من أجل أبنائي طاهر ويسرى ورهام ومحمد وحلا.
وينبض صوت أُم طاهر بالفخر والاعتزاز وهي توجه سالتها لكل النساء وتقول: الوصول إلى النجاح يبدأ بالعمل والمثابرة في كل مكان، عليكنّ فقط التركيز والتفكير وتحديد ما الذي تردن إنجازه، وإلى أين تردن الذهاب والوصول، وأن تعرفنَ كيف تردنَ تطوير حياتكنّ وتنميتها، وكيف يمكنك توسيع آفاقكنّ وتحقيق أهدافكنّ.