المرأة العاملة وريادة الأعمال أصبحتا اليوم من أبرز علامات التغيير في المجتمعات الحديثة، فلم يعد عمل المرأة مجرد خيار شخصي أو إضافة بسيطة لدخل الأسرة، بل تحوّل إلى عنصر أساسي في عملية التنمية الشاملة.
دخول المرأة إلى سوق العمل يساهم في دفع عجلة الاقتصاد، ويمنحها استقلالية مادية ومعنوية، ويجعلها شريكًا حقيقيًا في صياغة مستقبل بلدها. في المجتمعات العربية والخليجية تحديدًا، مثل الكويت والإمارات والسعودية، لم يعد من الغريب أن نرى المرأة في مواقع قيادية أو في ميادين كانت تُعتبر حكرًا على الرجال مثل الجيش والطيران والقضاء وريادة الأعمال، بل إن وجودها صار يعكس التطور الذي تشهده هذه الدول.
المرأة العاملة لا تقتصر أهميتها على الجانب الاقتصادي فقط، بل لها دور اجتماعي وثقافي أيضًا، فهي تكسر الصور النمطية القديمة التي تحصرها في إطار المنزل، وتثبت أن بإمكانها أن تكون أمًا ناجحة وموظفة متميزة في الوقت ذاته.
كثير من النساء استطعن أن يجمعن بين مسؤوليات الأسرة ومتطلبات العمل رغم ما في ذلك من صعوبات وضغوط، وهو ما جعل حضورهن في سوق العمل أكثر رسوخًا وأقوى تأثيرًا. هذا الحضور يعكس قدرة المرأة على العطاء في أكثر من مجال، ويؤكد أنها عنصر إنتاج لا يقل كفاءة عن الرجل.
أما في مجال ريادة الأعمال، فقد أصبحت المرأة نموذجًا للإبداع والابتكار. هناك العديد من النساء اللواتي أسسن شركات ناشئة في مجالات التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا والصناعات الإبداعية والمشاريع الاجتماعية.
بعض هذه المشاريع لم يقتصر أثره على الجانب الاقتصادي فقط، بل ساهم في حل مشكلات مجتمعية مثل البطالة أو دعم الفئات المهمشة أو تقديم خدمات مبتكرة لم تكن متاحة من قبل.
وفي الكويت مثلًا، تقود النساء ما يقارب أربعين في المئة من الشركات الناشئة، وهو رقم يعكس حجم الثقة المتزايدة في قدرات المرأة من جهة، وإصرارها على خوض التجربة وإثبات ذاتها من جهة أخرى.
رغم هذه النجاحات الكبيرة، ما زالت المرأة تواجه تحديات عديدة، منها الفجوة في الأجور بينها وبين الرجل، وضعف التمويل الموجه للمشاريع النسائية، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والثقافية التي قد تضع حدودًا لدورها.
كما أن التوفيق بين الحياة الأسرية والعملية يظل من أكبر التحديات التي تواجهها المرأة العاملة، وهو ما يتطلب دعمًا من الأسرة والمجتمع، إلى جانب سياسات عمل أكثر مرونة تراعي هذا الجانب.
إن دعم المرأة العاملة ورائدة الأعمال لا يقتصر على منحها الفرصة فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير التشريعات التي تضمن المساواة في الأجور والفرص، وإنشاء صناديق تمويل خاصة لدعم المشروعات النسائية، وتوفير برامج تدريبية متخصصة في الإدارة والقيادة وريادة الأعمال، إضافة إلى دور الإعلام في تسليط الضوء على قصص نجاح النساء لتكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.
فكل قصة نجاح لامرأة تُعد رسالة قوية بأن الطريق، رغم صعوبته، يمكن أن يُشق بالإرادة والعمل الجاد.
المرأة الخليجية تقدم اليوم مثالًا بارزًا على هذا التقدم، ففي الكويت على سبيل المثال دخلت النساء إلى سلك القضاء والنيابة العامة، وفي السعودية أصبحت المرأة جزءًا من رؤية 2030 بما فيها من طموحات اقتصادية واجتماعية ضخمة، وفي الإمارات نرى المرأة تتبوأ مناصب وزارية وبرلمانية وتدير قطاعات استراتيجية كالتكنولوجيا والطيران. هذه النماذج لم تعد مجرد استثناء، بل أصبحت تعبيرًا عن مرحلة جديدة يعيشها العالم العربي، حيث تُعطى للمرأة الفرصة لتثبت قدراتها، وحيث تتحول من عنصر مساعد إلى قوة قيادية.
إن الحديث عن المرأة العاملة وريادة الأعمال ليس مجرد احتفاء بإنجازاتها الفردية، بل هو اعتراف بدورها المحوري في بناء المجتمعات.
تمكين المرأة ليس رفاهية ولا مجرد شعار، بل هو ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة، لأن أي مجتمع يستبعد نصف طاقاته البشرية لا يمكن أن يحقق التقدم المطلوب.
المستقبل لن يُصنع إلا بتكامل الجهود بين الرجل والمرأة، وحين تُمنح المرأة المساحة الكاملة للعمل والإبداع والابتكار، فإن المجتمع بأسره يحصد النتائج. ولهذا فإن المرأة العاملة ورائدة الأعمال اليوم ليست مجرد شريك في التنمية، بل هي صانعة للتغيير وقوة أساسية تدفع نحو غدٍ أكثر عدلًا وازدهارًا.