السبت , 21 يونيو 2025

تعرف على السيدة التي تقف وراء تحويل دبي لأسعد مدينة في العالم

الدكتورة عائشة بنت بطي بن بشر
الدكتورة عائشة بنت بطي بن بشر

أول ما يلاحظ عند دخول مكاتب مدينة دبي الذكية هي نباتات الزينة المنتشرة في كل مكان، بما يوحي للزوار أنهم دخلوا حديقة للاسترخاء، أو مساحة هادئة لممارسة رياضة اليوغا كما في ولاية كاليفورنيا.

مع ذلك، فإن صاحبة السعادة الدكتورة عائشة بنت بطي بن بشر، مدير عام مكتب مدينة دبي الذكية، عاشقة للمدنية أيضاً. تقول مبتسمة: “أحب المدن”.

لقد أصبحت مدينة دبي التي حلت في المرتبة الرابعة كأكثر المدن التي يقصدها الزوار في عام 2016 ، مركزًا حضرياً من الدرجة الأولى.

وفي حين تتوسع المدينة، فاعتمادها على التكنولوجيا الذكية يتزايد أيضاً، وتصبح أكثر سعادة ورخاء كما تأمل هي تماماً. فيما يشرف مكتبها على تحول دبي إلى مدينة ذكية، حيث تسهل المنصات الإلكترونية المستندة إلى التكنولوجيا والبيانات التوزيع الكفؤ للموارد، وتجعل تجارب المستخدمين أكثر إيجابية في القطاعين العام والخاص.

كذلك سخرت التكنولوجيا للاستعمالين الخيالي المتقدم والواقعي البسيط؛ من طائرات التوصيل الموجهة ورجال الشرطة الآليين إلى البوابات الرقمية المتطورة التي تتيح تسديد أثمان تذاكر مواقف السيارات ورسوم الجامعات.

لكن الذكاء الذي يقاس بالحلول التي تقدمها التطبيقات الإلكترونية والخدمات المبتكرة، لا يمثل وحده جوهر الهدف الذي تسعى إليه، تقول موضحة: “تتمثل رؤيتنا في جعل مدينة دبي أسعد وأذكى مدينة على وجه الأرض، عبر تبني الإبداع والابتكار والتكنولوجيا بوصفها وسائل لتحسين نوعية حياتنا”.

وفي وقت لا تزال فيه معايير قياس المدينة الذكية موضع نقاش، هناك تعريف عملي أو مقاربة عملية لتحديد هذا المفهوم.

يقول فيليب باين، مدير عام مجلس المدن الذكية: “تطور مفهوم المدينة الذكية لتثقيف المدن حول منافع دمج البيانات، والعمل على تكاملها لإيجاد مدينة أنسب للعيش والعمل والاستدامة”.

وعلى هذا النحو، ساعدت مدينة دبي الذكية على تدشين نظام عناوين لأنحاء المدينة كافة، يسهل على سيارات الإسعاف، ودراجات مطاعم McDonalds للتوصيل، العثور على المباني باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي. وأرشدت مبادرة أخرى، هي خريطة الطريق الاستراتيجية للمدينة، “هيئة كهرباء ومياه دبي” إنشاء صور ثلاثية الأبعاد تحدث لحظة بلحظة لشبكة الكهرباء، لتخفيض الانبعاثات.

 

كذلك ينسق مكتب مدينة دبي الذكية، مع دائرة التنمية الاقتصادية لتقديم خدمة يطلق عليها “سعد” ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتثقيف المستثمرين المحتملين بشأن تأسيس الشركات. بينما يعمل أشخاص مثلها اليوم، مع مختلف الوكالات الحكومية لإيجاد حلول تستند إلى التكنولوجيا والبيانات للمشكلات الحضرية، مثل: الازدحام المروري والتلوث والبيروقراطية.

في عام 2014 ، برزت مبادرة من رأس السلطة، فقد أعلن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم إمارة دبي، أنه يفضل عدم انتظار صدور تقرير مؤشر السعادة العالمي الذي تعده الأمم المتحدة، لمعرفة مستويات الرضا في إمارته.

وصرح بأن جعل مدينة دبي أسعد مدينة على وجه الأرض هو التوجه المقبل، فأعدت أجندة السعادة الوطنية ووقعت في حينها. واختيرت عائشة بنت بطي بن بشر، التي عملت في الماضي مساعدة مدير عام المكتب التنفيذي، لتولي مسؤولية السعادة المستندة إلى الحلول الذكية.

لقد كانت خيارًا مطروحاً وبارزًا للنهوض بهذه المهمة. وبمعزل عن الدرجات العلمية الحائزة عليها، والمتضمنة درجة الدكتوراه في الأعمال والإدارة من جامعة مانشستر، ما زالت تميل إلى فهم نظم البيانات وتفسيرها، وإعادة تنظيمها.

فيما تستذكر عهد طفولتها الذي قضته في دبي وقتئذ، حيث لم تكن قد بدت عليها معالم التطور. حينئذ كانت غارقة في الكتب والأرقام، وبينما كان والداها يحثانها على الخروج واللعب، كانت تسلي نفسها بالتخطيط لإجازات العائلة في الخارج، واحتساب التكاليف المنزلية بدلاً من ذلك. ربما ورثت هذه الصفة، فهي تنحدر من سلالة من المخططين، كوالدها وجدها اللذين عملا في مجلس الحاكم مستشارين سياسيين للقيادة الإماراتية.

وهي تتذكر ارتداء جدها لعباءته كل يوم وتوجهه إلى مجلس الحاكم، حيث عمل مستشارًا للشيخ الراحل سعيد بن مكتوم بن حشر آل مكتوم حاكم دبي من عام 1912 إلى عام 1958 والشيخ الراحل راشد بن سعيد آل مكتوم نائب الرئيس ورئيس الوزراء، وحاكم دبي من عام 1958 إلى 1990.

وكانت تسأله عند عودته عمن حضر إلى مجلس الحاكم من السياسيين والمستشارين، وما قيل فيه، لتطور فهماً وإدراكاً عن العملية السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة والأطراف النافذة فيها.

لكن عندما كانت تطلب الحضور في مجلس الحاكم معهما، كانت الإجابة بأن ذلك مقتصر على الرجال. تقول: “كان ذلك يثير غضبي. وأمي تقول لي: “اذهبي للعب مع شقيقاتك”. وحين كانت جدتي تقص علي قصصاً عن النساء الحكيمات في مجتمعنا، كنت أقول: لا بأس أريد أن أصبح مثلهن”.

وقتها أصبح دخول مجلس الحاكم هدفاً محورياً في حياتها. تضيف: “أبقاني هذا الأمر أعيش التحدي. اعتقدت أن الحصول على المزيد من الشهادات العلمية، واكتساب المزيد من الخبرة، والإكثار من الأسفار، قد يوفر لي الفوز بهذه الثقة لدخول مجلس الحاكم”.

ثم استمرت تلك الرغبة في دفعها نحو بدايات مسيرتها الوظيفية عندما وصلت شبكة الإنترنت إلى مدينة دبي. وبعملها مشرفة في شركة “اتصالات” وارتيادها الجامعة بدوام جزئي، بهرت بقدرة شبكة الإنترنت على ربط الناس عبر الفضاء المفتوح. تقول: “كانت كيفية الاستفادة من شبكة الإنترنت أمرًا أثار فضولي في الحقيقة”.

أثناء ذلك، قادها فضولها إلى شراء حاسوب مستعمل، ومزود ببرنامج التشغيل )ويندوز 3.1 (. فأتقنت استعمال الجهاز خلال 3 شهور فقط، وتعلمت بنفسها لغة البرمجة لتصميم برنامج حاسوبي جديد. ثم تطور مسارها الوظيفي سريعاً بالتزامن مع تطور التكنولوجيا نفسها.

وبإفساح الأقراص المرنة المجال لحلول الأقراص المدمجة ذات الذاكرة المتاحة للقراءة محلها، انتقلت إلى وزارة السياحة لتعمل فيها رئيسة تطوير المحتوى في أوائل العقد الأول الماضي، ودفعت مكاتب الحكومة إلى استخدام التكنولوجيا لمشاركة المعلومات على نحو أكثر كفاءة.

تتذكر بقولها: “سادت عزلة بين الأقسام، ولم يرغب أحد في التواصل مع الآخر. فأدى كل ذلك إلى التساؤل عن جدوى توظيف كل هذه التكنولوجيا، واستخدام شبكة الإنترنت، وامتلاك موقع إلكتروني نوفر عبره المعلومات للعالم الخارجي، في حين لا نتحدث فيما بيننا ولا نتواصل”. في ذلك الحين، اكتشفت أن التغيير لمجرد التغيير أمر ذو فائدة متواضعة جدًا.

لكنها واصلت الدفاع عن هذه الفلسفة أثناء تطويرها لاستراتيجيات خلاقة في المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وقبل انتقالها إلى منصبها الحالي في رئاسة مكتب مدينة دبي الذكية.

عندما تسأل عائشة بنت بطي بن بشر عن أعظم التحديات التي تواجهها في مسيرتها المهنية، لا تتردد في الإجابة بقولها: “كوني امرأة”.
إذ بينما تشكل النساء نسبة 41 % من القوى العاملة في الإمارات وفقاً للبنك الدولي، يمتلكن فرصاً مهنية تفوق ما تمتلكه نظيراتهن في المنطقة، وهي بدورها تحاول كسب احترام أقرانها من الذكور. تقول: “شعرت في العديد من المواقع التي عملت فيها بأن “زملائي الذكور” لم يمنحوني التقدير الذي استحقه.

كما عملت سابقاً في مواقع يهيمن عليها الذكور، فعوملت وقتها كأنني دخيلة”. وربما لهذا شعرت بأن عليها بذل جهد أكبر مما يبذله أقرانها الذكور لتثبت أنها تستحق مكانها بينهم، إلى درجة أصابتها بالإجهاد أحياناً. أما عن مواجهة زملائها الذين أبدوا رفضهم لها، تقول: “يكمن التحدي في أن تنال الاعتراف بجدارتك، أي أنك تستحق مكانك في المنصب الذي تشغله، إذ يمكنك ملاحظة هذا الشك في عيون الآخرين”.

وقد اكتسبت اليوم، وهي التي تقود مكتباً حكومياً بارزًا يسهل عقد الشراكات التكنولوجية بين القطاعين العام والخاص، وتعمل في طليعة التوجه المتعلق بالمدينة الذكية، احترام كبار المسؤولين والمعنيين فيالمدينة وخارجها. يؤكد فيليب باين من مجلس المدن الذكية مادحاً: “أثرت إيجاباً في مدينة دبي والعالم، بجمعها بين منظمات معروفة في التطوير الحضري، لوضع أفضل الممارسات والإرشادات للمدن الساعية أن تصبح ذكية”.

وها هي اليوم، تمكنت من دخول مجلس الحاكم الذي بات يجمع بين الجنسين، رغم أن أهميته اليوم اجتماعية أكثر منها إدارية. كذلك بوصفها المدير العام لأحد مكاتب حكومة دبي- وهي إحدى امرأتين تشغلان هذا المنصب- تلتقي دورياً بالشيخ محمد بن راشد، لتنصحه بشأن جعل مدينة دبي أذكى وأسعد.

وبعيدًا عن القيادة المحلية، لفت العمل في دبي الذكية انتباه شركات القطاع الخاص البارزة التي جذبها بريق المدينة. مما دفع ايلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع السيارة الكهربائية Tesla إلى افتتاح معرض في دبي، وعقد صفقة مع الحكومة تتضمن 200 مركبة ذاتية القيادة جزئياً. كما جلب فريقها شركة IBM وشركة تطوير البرامج الحاسوبية الرائدةConsenSys لإنشاء منصة إلكترونية رقمية للمدينة، ستمكن مؤسسات حكومة دبي من الاستغناء عن الورق تماماً في أعمالها بحلول عام 2021.

فيما يراقب المحللون أيضاً، نمو هذا القطاع في مدينة دبي الذكية. يوضح راشد بشير، رئيس القطاع العام للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Deloitte عن صناعة التكنولوجيا الذكية الإقليمية: “تقود دبي، دون أدنى شك، الركب في منطقة الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأعمال. وهناك موافقة على مقترحات أفضل شركات التكنولوجيا العالمية، فضلاً عن دعوتها للمجيء وإجراء التجارب”. ويضيف فادي سالم، كبير الزملاء الباحثين في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية: “أعتقد أن مدينة دبي الذكية كشفت عن الفرص لهذه الشركات البارزة.

وهي فرص تجارية من وجهة نظرها، في مكان يعد مكاناً مناسباً لإجراء التجارب أيضاً، إذ تأتي هذه الشركات إلى مدينة دبي وتمضي في تطبيق الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة”.

من ناحية أخرى، تعد سوق تكنولوجيا المدن الذكية وبنيتها التحتية بنمو ضخم، وستفيد اقتصاد دبي في الأعوام المقبلة. ووفقاً لتوقعات Persistence Market Research ربما تصل قيمة سوق المدن الذكية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وحدها إلى 246.8 مليار دولار خلال العقد المقبل، قد تحوز دبي على حصة كبيرة منها.

لقد أدت عائشة بنت بطي بن بشر دوراً محورياً في إظهار فرص سوق المدينة الذكية في دبي، وربط الشركات الخاصة بالشركاء الحكوميين، وفقاً لقول فادي سالم الذي يؤكد: “على صعيد إتاحة البيانات الحكومية، ومحاولة بناء التحالفات عبر الاستعانة بالقطاع الخاص، كان دورها وقيادتها على درجة عالية من الأهمية.

أعتقد أنها شخصية نالت الاعتراف والتقدير العالميين، لاسيما بين شركات القطاع الخاص، الكبيرة منها والصغيرة”.

لكن بدلاً من الاكتفاء بالمجد الذي نالته من إحداث تلك التغييرات، يتزايد حرصها على إضفاء قيمة مضافة على الابتكارات الذكية، عبر تحسين الحياة في طرقات دبي ومراكزها التجارية. في حين تمثلت واحدة من مبادرات مدينة دبي الذكية، في استحداث مؤشرات السعادة لقياس رأي المستهلكين في العديد من نقاط تقديم الخدمات في المدينة. وبمجرد الضغط على أزرار رسومات الوجوه التعبيرية، الضاحكة أو العابسة أو المحايدة، بعد تلقي الخدمة، يقدم المقيمون والسياح في دبي أراءهم لحظة بلحظة، لمساعدة السلطات على التعرف إلى الخدمات التي تحتاج إلى مزيد من التحسين حتى تغدو مثالية.

بينما تسجل المؤشرات أكثر من 23 ألف رأي يومياً، بسبب تفاعل المستهلكين في المطارات والجامعات والمتاجر مع نظام التقييم. وبهذا يستطيع الشيخ محمد بن راشد استعراض مستويات السعادة في مدينة دبي بحركة واحدة من أصبعه، إذ لديه لوحة بيانات يستخدمها لتفقد إحصاءات مؤشرات السعادة الواردة لحظة بلحظة.

لم تعد عائشة بنت بطي بن بشر بحاجة إلى إثبات جدارتها المهنية بعد اليوم. وهي ترى أن التحديات أمامها تتمحور حول التعامل بحكمة مع الشخصيات والثقافات الراسخة في المؤسسات الحكومية المختلفة. تقول: “أعتقد أني بدأت باكتساب هذه اللباقة- حس التعامل مع الرجال تحديداً- مع التقدم في العمر وتراكم الخبرات”.

وستواصل مثل والدها وجدها، عملها الدؤوب في مشروع مدينة دبي الذكية لتقدم النصيحة لقادة المدينة حول خطط تحسين الحياة في المدينة العالمية. كما ستساعد في الإرشاد والتوجيه في الأعوام المقبلة، متسلحة بالتكنولوجيا المفيدة والالتزام الجاد، بهدف تعظيم الرضا وزيادة الخدمات الإلكترونية المقدمة على امتداد المدينة (فوربس).

شاهد أيضاً

البحرين.. “الأعلى للمرأة” يشارك في ملتقى “التمكين الاقتصادي للمرأة” بدولة الإمارات العربية المتحدة

Share