
في خطابه الأخير، تحدث صاحب السمو أمير البلاد عن دعم الشركات الناشئة، وهو ما أكده وزير المالية في توجهات الموازنة العامة. ستشهد الفترة المقبلة تركيزاً على تنمية هذه الشركات وتعزيز دور رواد الأعمال، وفقاً لاستراتيجية التنمية الثالثة التي تمتد حتى عام 2030. تُعد هذه الخطوات جزءاً من جهود الدولة لتحقيق نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا المالية وتوطين الأعمال في هذا السياق تحدث رائد الأعمال ومؤسس تطبيق سنونو حمد الهاجري خلال استضافته في جلسة الأعمال.
قال الهاجري: إن دولة قطر تشهد تطوراً ملحوظاً في إستراتيجيتها الوطنية للتنمية للعقد القادم، مع التركيز على التحول من اقتصاد يعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد المعرفة والرقمي. ففي عام 2023، استثمرت المنطقة 2.4 مليار دولار في القطاع التقني، وكانت حصة قطر منها 22 مليون دولار، أي ما يقارب 1%. وعلى الرغم من أن هذه النسبة قد لا تبدو كبيرة، إلا أن الطموحات تتجه نحو الوصول إلى 10-12% في المستقبل.
وأضاف بأن قطرتمتلك بنية تحتية تعليمية متقدمة، بما في ذلك جامعات تقنية مثل جامعة قطر وجامعة الدوحة للتكنولوجيا، والتي تسهم في بناء مهارات الشباب. ومع ذلك، يواجه الخريجون تحديات في تحويل مهاراتهم إلى مشاريع ناشئة بسبب نقص التمويل. هذا يؤدي إلى “هجرة الأدمغة” حيث يبحث الخبراء عن فرص في دول أخرى، كما حدث في السعودية التي استقطبت استثمارات بقيمة 1.4 مليار دولار في القطاع الرقمي في عام 2023.
ولمواجهة هذه التحديات، تتجه الاستراتيجيات نحو إنشاء صناديق استثمارية جريئة ودعم المؤسسات الكبرى لإنشاء صناديق استثمارية خاصة بها في مجالات مثل التكنولوجيا المالية واللوجستيات. هذه الخطوات تهدف إلى تعزيز التحول الرقمي وتمكين المؤسسات نفسها من تبني التقنيات الجديدة.
قطر تسعى لمركز تكنولوجي رائد
واستكمل الهاجري حديثه بإبراز أهمية إنشاء تجمع استثماري لتكنولوجيا المعلومات في قطر كجزء من استراتيجيتها الوطنية، ويُمكن أن يُمهد هذا الطريق لظهور مركز تكنولوجي يُشبه وادي السيليكون. بالإرادة والتصميم، لا شيء مستحيل، وقطر تمتلك الأساسيات اللازمة لهذا الإنجاز. تتوفر في الدولة بنية تحتية متقدمة ومهارات عالية، إلى جانب وجود جامعات مرموقة. يبقى التحدي الأساسي في توفير التمويل الكافي. وبمجرد تأمينه، يُمكن تحقيق هذا الهدف بسهولة.
استثمار ومخاطرة
وبسؤاله عن الحلول المتاحة للتمويل؟
أجاب الجارحي بأنه يُقصد بالتمويل هنا إما الدعم الحكومي أو الاستثمار من قِبل رجال الأعمال والجهات الاستثمارية. التمويل في جوهره استثمار جريء، إذ من بين كل عشرة مشاريع قد تنجح ثلاثة فقط، خاصةً في مجالات مثل الرياضة والأعمال والتقنية. هذه المشاريع تحمل فرص النجاح والفشل على حد سواء، لكن النجاح في ثلاثة منها قد يُعيد رأس المال المستثمر مضاعفًا أو أكثر.
استثمارات تعزز اقتصاد قطر
قال: استثمار عام 2000 في شركة أمازون كان بمثابة قفزة مالية هائلة، وهو ما يعكس قوة الرأسمال الجريء. في قطر، لا يزال الاقتصاد يعتمد على القطاعات التقليدية كالعقارات والتجارة. لتسريع التحول الاقتصادي، من الضروري وجود حوافز حكومية تتجاوز مجرد الإنفاق لتشمل استثمارات تعود بالنفع على البلاد.
من فوائد هذه الاستثمارات، خلق فرص عمل جديدة وتحديث البنية التعليمية، مما يسهم في زيادة عدد السكان وتعزيز قطاعات متنوعة كالعقار والتجزئة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقصص النجاح أن تلهم تبني ثقافة الابتكار وتعزز الثقة لدى المستثمرين.
مع ذلك، ما زال أمام قطر طريق طويل لتصبح مركزًا إقليميًا رائدًا. بتطبيق عدة استراتيجيات، يمكن تحقيق النجاح وبناء مستقبل مزدهر للمنطقة
تأسيس شركات تكنولوجية قطرية
أفاد بأن تكنولوجيا المعلومات العالمية تشكل دافعًا أساسيًا لتأسيس شركات ضخمة، بعضها يتجاوز قيمته تريليون دولار. السؤال هو موقعنا اليوم من إمكانية وجود شركات تكنولوجية بسمعة عالمية تنطلق من بلادنا. العمل لا يقتصر على المستثمر المحلي، بل يمكن تحقيق النجاح من خلال الشراكة مع شركات عالمية، فأي مشروع يُنشأ في قطر يُعد قطريًا.
ومن الضروري بناء قصة نجاح وطنية تنطلق من قطر، معتمدة على القيمة المحلية. كما يجب التركيز على استقطاب مؤسسين ذوي كفاءات عالية لإنشاء مشاريع في قطر، بدلاً من مجرد مساعدة مشاريع خارجية للتوسع في سوقنا. النجاحات الكبرى تُبنى على استقطاب مؤسسين مثل إيلون ماسك وبيل جيتس.
كما أنه يمكن لمنصة تجارة إلكترونية أن تحدث تأثيرًا كبيرًا وتضاعف الدخل، ومن الأهمية أن تكون قصص النجاح متجذرة في قطر، سواء عبر المواطنين أو المقيمين أو استقطاب مؤسسين من الخارج للإقامة وبناء مشاريع هنا.
نماذج للاقتصاد المتنوع
سنغافورة مثال يحتذى به في بناء قصة نجاح داخلية، فبدلاً من التركيز على الاستثمارات الخارجية، عملوا على تنويع اقتصادهم وتوطين القيمة الاقتصادية. لو نظرنا إلى دولة قطر، نجد أن الاستثمار في الشركات المحلية يعود بالنفع المباشر على الاقتصاد الوطني، من خلال توظيف المهندسين والمدراء، وبناء قصص نجاح تعود بالفائدة على الدولة نفسها.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل بيئة الأعمال الحالية تشجع على تبني الاستثمارات ودعم المشاريع الناشئة؟
فالشركات الكبرى هي من تضخ السيولة في هذه المشاريع، ولكن يجب ألا نغفل عن أهمية الاستثمار في القطاع التقني، الذي يتطلب محفزات وتدريب للمستثمرين.
ونجد أن تحدي تنويع الاقتصاد يقع على عاتق رجال الأعمال، وخاصةً السعوديين الذين يميلون للاستثمارات التقليدية. يجب توجيههم وتقديم خطط لتنويع استثماراتهم، كما فعلت بعض العائلات التي تحولت إلى الاستثمار في القطاع التقني. وأخيرًا، مع اكتمال البنية التحتية في قطر، يجب على رجال الأعمال تحويل تركيزهم نحو قطاعات جديدة تدعم النمو الاقتصادي المستقبلي.
دعم قطري لريادة الأعمال
قال الهاجري بأن الجهات المعنية تتميز بدور فعال في دعم ريادة الأعمال، من خلال حاضنات الأعمال وبنك قطر للتنمية ومؤسسات قطر الأخرى. تحقق هذه الجهات إنجازات ملموسة، ومع ذلك، لا تظهر هذه الإنجازات بوضوح لرجال الأعمال. هناك حاجة إلى منصة تسويقية تبرز هذه الأفكار الجديدة وتعرضها للضوء، مما يسهم في تحقيق مزيد من الدعم والمشاركة في المستقبل
واستكمل بأن قطاع الشركات الناشئة في دولة قطر تواجه تحديات كبيرة، إذ تظهر الإحصائيات أن عدد الشركات التي تمكنت من إغلاق جولات استثمارية قليل جدًا.فهناك مشكلة في تحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للتمويل والنمو. الاهتمام ينصب على الأفكار أكثر من التنفيذ، وهذا يطرح سؤالًا حول مصدر الجيل القادم من رواد الأعمال.
فالاستراتيجية المثلى لدولة قطر يجب أن تركز على دعم عدد محدود من المشاريع الواعدة لتحقيق قصص نجاح يمكن أن تلهم الآخرين. هذا النجاح سيجذب المزيد من المستثمرين ورجال الأعمال للمشاركة في السوق. الجهود الحالية غير كافية لتحفيز الاستثمار وتحقيق النجاحات الكبرى.
ومن الضروري بناء بيئة داعمة تشمل مراكز تمويلية وشركات ذات تدفق نقدي عالي لتمويل المشاريع الناشئة. يجب التركيز على تطوير مهارات الخريجين والمسوقين من خلال تجارب عملية في مشاريع ناجحة. الدعم المالي والبيئة التعليمية المتقدمة متوفران، لكن ينقصنا التركيز والعمل المنظم لتحقيق النجاح في هذا المجال.