في عالمٍ تتسارع فيه التحولات وتتزايد التحديات، يبرز دور المرأة في المجال الدبلوماسي كقوة ناعمة تجمع بين الحكمة، والقدرة على بناء الجسور، والسعي إلى السلام، وتحقيق التنمية المستدامة. من هذا المنطلق، حرصنا على تسليط الضوء على تجارب عدد من السفيرات والدبلوماسيات اللواتي يمثلن بلدانهن في دولة الكويت، حيث كشفن عن مسارات ملهمة، وتحديات واقعية، وأدوارٍ مؤثرة تؤديها النساء في صياغة السياسات الخارجية وتعزيز العلاقات بين الشعوب.
ومن أبرز هذه النماذج، تجربة السفيرة التركية لدى الكويت، طوبى نور سونمز، التي تحدثت عن رحلتها في عالم الدبلوماسية، والدوافع التي قادتها لهذا الطريق، والصعوبات التي واجهتها كامرأة، إضافة إلى رؤيتها لدور المرأة في الساحة الدولية. أكدت سونمز أن جوهر العمل الدبلوماسي الحقيقي يبدأ من التعاطف وينتهي بخدمة الإنسانية.
روت سونمز أنها نشأت في تركيا خلال تسعينيات القرن الماضي، في فترة شهدت اضطرابات وأزمات إنسانية كبرى، مثل حرب الخليج، والنزاعات في البلقان والقوقاز، فضلاً عن الفظائع التي وقعت في سريبرينيتسا ورواندا، والتي تركت أثراً عميقاً في وعيها، وجعلتها تنظر إلى السياسة الدولية كمسؤولية إنسانية، وليست مجرد حقل نظري.
قبل التحاقها بوزارة الخارجية التركية، عملت سونمز في منظمات المجتمع المدني، وشاركت في مهام إنسانية بعدد من الدول الإفريقية. وقد منحتها تلك التجارب فهماً مباشراً لاحتياجات الناس وتعقيدات التنمية. لاحقاً، وخلال عملها في رئاسة الجمهورية، تفاعلت مع عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين، مما عمّق إيمانها بأن الدبلوماسية الحقيقية تقوم على المزج بين السياسة والجانب الإنساني.
وعند الحديث عن التحديات التي واجهتها كامرأة، أوضحت سونمز أن انخراط النساء في السلك الدبلوماسي جاء متأخراً مقارنة بالرجال، إلا أن تركيا تسير بخطى ثابتة، وتشهد اليوم وجود عدد متزايد من السفيرات والدبلوماسيات في مناصب قيادية. ورغم ذلك، ما زال هناك تصور تقليدي بأن الدبلوماسية مهنة “رجالية”، لكنّها ترى أن أفضل رد على هذا التحدي هو الأداء الاحترافي والانضباط، مؤكدةً أن الكفاءة تفرض حضورها مع الوقت، ومعربة عن تفاؤلها بقدرة النساء على تجاوز العقبات كافة.
وقدّمت سونمز نصيحة للفتيات اللواتي يطمحن إلى العمل الدبلوماسي، فقالت: “ابدأن بمراقبة من سبقكن في هذا المجال، وتعلمن كيف يديرون المواقف المعقدة، وكيف يتخذون القرارات تحت الضغط. لكن لا تتبعن المسارات ذاتها بالضرورة، لأن العالم قد تغير كثيراً. نحن نعيش اليوم في زمن الدبلوماسية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والنزاعات المعقدة التي تتجاوز الحدود الجغرافية، من فلسطين إلى أوكرانيا، ومن أزمات الغذاء إلى تحديات المناخ، وكل ذلك يتطلب مهارات جديدة ووعياً واسع النطاق”.
وضربت مثالاً بالسيدة الأولى في تركيا، أمينة أردوغان، التي تركت أثراً واضحاً على الساحة الدولية من خلال مبادراتها الإنسانية والبيئية، وعلى رأسها حملة “صفر نفايات” المعترف بها عالمياً، مشيرة إلى أن دور المرأة في السلك الدبلوماسي لا يقتصر على تمثيل الدولة، بل يشمل أيضاً المساهمة في تشكيل عالم أكثر شمولاً وتعاوناً.
وعند سؤالها عن اللحظة التي شعرت فيها بأنها أحدثت أثراً حقيقياً، تحدثت سونمز عن الزلازل المدمّرة التي ضربت تركيا في 6 فبراير 2023، مشيرة إلى أن خلفيتها في العمل الإنساني ساعدتها على الاستجابة بسرعة، حيث نسقت مع فريق السفارة في الكويت جهود الإغاثة، وتواصلت مع الشركاء المحليين. وقد استجابت الكويت بشكل سريع وفعّال، وأطلقت جسراً جوياً للمساعدات. وذكرت أنها رافقت إحدى طائرات الإغاثة الكويتية إلى المناطق المنكوبة، برفقة وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة، السيدة مي البغلي، مؤكدة أن الوقوف جنباً إلى جنب مع امرأة قيادية أخرى في لحظة تضامن إنساني نادرة كان من أكثر المواقف تأثيراً في مسيرتها.
وعن الصفات التي تعتبرها ضرورية للنجاح في العمل الدبلوماسي، ترى السفيرة سونمز أن المرونة، والوضوح، والقدرة على الحفاظ على الهدوء، والتواصل الفعّال، وقيادة الفريق برؤية استراتيجية، جميعها عناصر أساسية. كما شددت على أهمية التعاطف، والانفتاح على التعلم، والتكيف مع المتغيرات، مثل التحولات المناخية والدبلوماسية الرقمية، إلى جانب الصبر، والقدرة على حفظ الأسرار، لأن الكثير من النتائج المهمة تُبنى خلف الكواليس، من خلال الثقة والتراكم الهادئ.
وفي ختام حديثها، عبّرت سونمز عن قناعتها بأن التمثيل الدبلوماسي يجب أن يعكس التنوع الحقيقي في المجتمعات. فالتنوع ليس فقط مطلباً للعدالة، بل هو عنصر فعّال يعزز جودة العمل الدبلوماسي. وأشارت إلى أن تجربتها في منظمات المجتمع المدني أظهرت لها كيف يمكن للنساء أن يكنّ عوامل تغيير حقيقي، سواء في جهود الإغاثة أو في صياغة السياسات، مؤكدة أن إشراك النساء في اتخاذ القرار يعود بالنفع على المجتمعات بأكملها.