بقلم/ جيروم سويد
كان النصف الثاني لعام 2016 قياسيا، من حيث عمليات الاندماج والاستحواذ في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.
فقد بلغت قيمة الصفقات المبرمة 5.30 مليار دولار، بما يفوق 3 أضعاف صفقات النصف الاول من العام نفسه تقريبا. منها صفقات ضخمة تضمنت 4 عقود تزيد قيمة كل منها عن مليار دولار، لتصل إجمالا إلى 2.24 مليار دولار.
وكانت أكبرها في مجال الخدمات المالية؛ إذ أعلن Bank Gulf First وDhabi Abu of Bank National عن اندماجهما بقيمة 8.14 مليار دولار، ليشكال أكبر مصارف دولة الامارات العربية المتحدة، بأصول قدرها نحو 178 مليار دولار.
أما سواها من الصفقات الضخمة فأبرمت في مجال الشحن، وأجريت عمليات استحواذ على شركات ذات امتيازات في قطاع النفط والغاز في مصر والامارات.
لكن انخفض عدد العقود أو الاتفاقات بنسبة 53 %على أي حال، مقارنة بالنصف الاول من العام الماضي، ووصل إلى أقل مستوى له خلال الاعوام الـ4 الماضية، وعددها 76 عقدًا أو اتفاقية معلنة.
في المقابل، زادت الشركات المشترية حصصها في سوق عمليات الاندماج والاستحواذ في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وتحول أكبر المستثمرين للبحث عن فرص خارج حدود هذه المنطقة غالبا.
وبلغت حصة الشركات 82 %من صفقات المنطقة في النصف الثاني من عام 2016، مقارنة بنسب تتراوح بين 64 %و75 % في فترات سابقة.
وكانت الشركات العالمية تحديدًا نشيطة خلال هذه الفترة، باستثمار قياسي بلغ 11 مليار دولار.
فيما تبدو ثاني أضخم صفقة في النصف الاول من العام الماضي مثالا على لجوء الشركات إلى عمليات الاندماج والاستحواذ لتحسين التنافسية، فقد أعلنت Lloyd-Hapag وUnited Company Shipping Arab عن اندماج بقيمة 4.5 مليار دولار، لمواجهة تراجع عام في القطاع سببه اقتصاد عالمي متعثر وتخمة في السفن.
لكن من المتوقع تحقيق الشركة الناتجة عن عملية الاندماج وفورات هائلة في التكاليف، وتحسين شبكاتها وبنيتها التحتية.
وفي سوق عمليات الاندماج والاستحواذ العالمي، حافظ مستثمرو هذه المنطقة على رغبة وعزم شبيهين بفترات سابقة، عبر 55 صفقة معلنة في النصف الثاني من عام 2016 .
ومن حيث القيمة على أي حال، شهد النصف الثاني من العام صفقات بقيمة 8.17 مليار دولار، زادت بنسبة 52 %عن مثيالتها في النصف الاول. كما كان المستثمرون- معظمهم يمثلون صناديق الثروات السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي- فاعلين في قيادة عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية من منظور القيمة، عبر سعيهم لتحسين العوائد المالية وتنويعها.
فيما كان أبرز المستثمرين من حيث عدد العقود أو الاتفاقات: جهاز قطر للاستثمار، وجهاز أبو ظبي للاستثمار، اللذان نفذا معًا 6 استثمارات في قطاعات: الطاقة والعقارات والنقل. فضلا عن إدارة مستثمري المنطقة محافظهم الاستثمارية بفاعلية عالية لتعظيم قيم استثماراتهم، على الرغم من التباطؤ إلى حد ما مقارنة بالفترات الـ4 السابقة.
لكن يتوقع استمرار الحركة النشطة لسوق هذه العمليات في المنطقة والعالم خلال عام 2017 ، مع استمرارية المبادرات الهادفة إلى تحسين التنافسية، ومن ضمنها اللجوء إلى عمليات الاندماج والاستحواذ.
كذلك يتوقع أن يركز المستثمرون على العقود أو الاتفاقات المؤثرة لتوحيد جهود الشركات المتعاونة في إدارة عملياتها الاساسية.
وهناك 4 سمات للسوق في الشهور الــــ12 المقبلة: قد تتواصل الضغوط المسهمة في تراجع أسعار النفط، مما يبقي على حاجة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تحسين موازناتها المالية قدر الامكان.
وفي السوق الحالية ذات النمو الضعيف، يبدو أن عمليات الاستحواذ توفر فرصًا لتحسين الارباح، أو تتيح الدخول إلى أسواق جديدة وتجذب العملاء.
أما التركيز على أنشطة الشركات الاساسية من جديد، يعد توجها رائجًا في المنطقة، يهدف إلى تحسين قيمة موارد الشركات، وزيادة الاصول المعروضة لتصفية الاستثمارات، ورفد سوق عمليات الاندماج والاستحواذ. ومثال ذلك: تبحث العديد من شركات النفط والغاز عن فرص لتصفية الاصول، سواء تلك البعيدة عن طبيعة عملها أو غير الضرورية، لدعم استراتيجياتها طويلة الاجل.
إن انتقال دول منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا إلى الاقتصاد المبني على المعرفة في المستقبل، قد يحفز الصفقات التي تتيح الوصول إلى منتجات تكنولوجية وابتكارات ومهارات جديدة.
كما تعد المشاريع المشتركة والتحالفات الاستراتيجية فرص شراكة جذابة، كونها تؤدي غرضين في هذا الانتقال، هما: نقل الخبرات والمعارف، وتخفيض رؤوس الاموال الالزمة لتدشين مشاريع جديدة.
بالاضافة إلى أن فرصة الحصول على أصول بقيم جذابة، تتيح الوصول إلى النمو طويل الاجل المتوقع في المنطقة، وتلفت انتباه شركات الاستثمار العالمية بقوة. وقد شهدنا هذا الاتجاه في النصف الثاني من عام 2016 ،عبر إقبال الشركات على عمليات الاندماج والاستحواذ. وبالتالي، فإن توافر السيولة بكثرة للمستثمرين، يحفزهم للكشف عن استثمارات مفيدة في المنطقة التي التزم المستثمرون العالميون تجاهها بسياسة حذرة منذ عقود.