الجمعة , 20 يونيو 2025

عندما يكون الموظفون.. الحلقة الأضعف

1

براين غروم *

تميز القرن الـ21 حتى الآن بأزمات الشركات، من عمليات الاحتيال المحاسبي الى الانهيارات المدمرة والاختراقات الأمنية وفضائح التضليل التي صاحبت عمليات البيع. وباتت الشركات تدرك بشكل متزايد أن الطريقة التي تدير بها موظفيها تكون في كثير من الأحيان جذور وسبب هذه الأزمات. ويبقى السؤال المفتوح هو الى أي مدى تعلمت الشركات الدرس.
تم تغريم البنك الأميركي ويلز فارغو 185 مليون دولار في سبتمبر بعد اكتشاف أن الآلاف من الموظفين، وتحت ضغط تحقيق الأرقام المستهدفة للمبيعات، أنشأوا حسابات مصرفية وهمية، وفي بعض الحالات تزوير بيانات العملاء وتوقيعاتهم. ودفعت الضجة الناتجة عن تلك الفضيحة رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي جون شتومبف الى الاستقالة.

تمتد مشاكل «الخطر البشري» الى ما هو أبعد من القطاع المصرفي، اذ يبدو في الظاهر أن انفجار هاتف غالاكسي نوت 7 الذكي الذي تنتجه شركة سامسونغ للالكترونيات، على سبيل المثال، وكأنه ناجم عن خلل فني في السوفت وير أو الجهاز. لكن المنتقدين يتهمون «سامسونغ» بعدم اعطاء مهندسيها الوقت الكافي لاختباره أو الفرصة للحصول على الآراء والتعليقات.
تذكير آخر على عنصر الخطر البشري يشمل ما يلي: اعترفت «ميتسوبيشي موتورز» بأن موظفيها ضخموا بيانات فعالية استهلاك الوقود، فشل «ياهو» لمدة عامين في رصد تعرضها لأكبر عملية خرق للبيانات، التحطم المميت للسكك الحديد البافارية نتيجة أن الشخص، وفق المزاعم، الذي يراقب ويتحكم في حركة المرور كان يلعب على هاتفه المحمول.
الخطر البشري يمكن أن يتراوح بين التخريب أو الاحتيال الى ضعف التدريب والحسابات الاستراتيجية الخاطئة والتراخي في قواعد السلامة أو الأخطاء البسيطة مثل فتح البريد الالكتروني يحمل فيروسا. واحدة من أكبر المخاطر تكمن في وجود رئيس متهور يتجاهل أصوات التحذير. يمكن القول إن قرار رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الدعوة الى استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي لأنه كانت لديه ثقة مفرطة بالفوز، يناسب هذا النوع من المخاطر.
وتتضاعف المشكلة كلما أصبحت الشركة أكبر وأكثر تعقيدا وأكثر عالمية. «عندما يكون هناك تعقيد، فان هناك امكانية أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة بطرق أكثر تنوعا وأحيانا أكثر دراماتيكية»، بحسب أنتوني فيتزسيمونز، رئيس شركة ريبيوتابيليتي للاستشارات.
تحاول العديد من الصناعات معالجة هذه المشكلة. القطاع المالي، على سبيل المثال، أجرى تغييرات على الطريقة التي يوظف ويدرب ويدفع أجرا ويراقب الناس. لكن بوجه عام، يقول فيتزسيمونز، «لا أعتقد أن القادة يدركون أن هناك أشياء يتعين عليهم القيام بها، وأنه يمكنهم القيام بها من أجل معالجة الخطر البشري على نحو سليم».
وقد حدد بحث أجرته كلية كرانفيلد للادارة لحساب ايرمك، الاتحاد البريطاني لمديري المخاطر في الشركات، خمسة مبادئ لازمة لتحقيق المرونة: القدرة على توقع المشاكل والموارد الكافية للرد على الظروف المتغيرة والتدفق الحر للمعلومات وصولا الى مستوى مجلس الادارة والقدرة على الاستجابة السريعة عند وقوع أي حادث والاستعداد للتعلم من التجربة.
وكثيرا ما يستشهد بصناعة الطيران بشأن الممارسات الجيدة في هذا الصدد. فعلى الرغم من وقوع الحوادث، حققت هذه الصناعة سجل سلامة تحسد عليه من خلال تشجيع الطيارين وغيرهم على الاعتراف بالأخطاء والسماح بنشرها ودراستها في جميع أنحاء العالم.
يقول كيث سوادا، المستشار والمؤلف المشارك لادارة مخاطر البشرية أن معالجة المشكلة يبدأ من الادارة العليا من خلال «التأكد من أنك قد حصلت على الشخص المناسب لادارة المؤسسة وتحديد القيم». ويشير الى أن الشركات يمكن أن تعطي العاملين مدونة شخصية للسلوك، يتم قياس سلوكياتهم وفقها. «ليس هناك سبب لماذا لا يمكنك تدريب الناس حول ما تنطوي عليه الثقافة وما هو دورهم ومحاولة أن تجعل الجميع يحافظون على شعور بالضعف والافتراض بأن شيئا ما قد لا يسير على ما يرام».
غالبا ما تركز مجالس الادارات على ثقافة الشركة، على الرغم من أنه يمكن أن يكون مفهوما غامضا ويستغرق سنوات للتغيير.
بات ماكونيل، زميل فخري في المركز المالي التطبيقي في جامعة ماكواري في أستراليا، يشير الى ثلاثة مستويات حددها ادغار شين، الخبير في الثقافة المؤسسية: المحلية وفي جميع أنحاء المؤسسة والصناعة.
وكما يقول ماكونيل «فضيحة سوء المبيعات المتعلقة بتأمين حماية المدفوعات كانت نتيجة لهذه الثقافة التي عمت البيئة المصرفية للأفراد في المملكة المتحدة. اذا كانت الثقافة والممارسات تتغلغل في الصناعة، فانه لا يمكن للمديرين الأفراد أن يفعلوا شيئا حياله».
وأظهر استطلاع أجرته شركة QBE للتأمين الاسترالية أن ثلاثا من كل 10 شركات شعرت أن هناك فهما مشتركا في مؤسساتها لأهمية ادارة المخاطر. ديبورا أوريوردان، المديرة الممارسة لحلول المخاطر في العمليات الأوروبية لشركة QBE، تقول ان الشركات بحاجة الى التركيز على مواقف وآراء الموظفين باستخدام اجتماعات المباشرة معهم للتأكد من أن الجميع يدركون أن لديهم مسؤولية تجاه ادارة المخاطر.
وتذكر حالات تتعلق بمكاتب المحاماة التي خضعت لعمليات احتيال في المعاملات العقارية، حيث قام المجرمون باعتراض رسائل البريد الالكتروني بين الشركة والعملاء وأدخلوا التفاصيل المصرفية الخاصة بهم. ففي بعض الأحيان، يفشل الموظفون في اتباع قواعد التحقق من التفاصيل المصرفية عن طريق الهاتف، وهكذا تتسرب الأموال الى حسابات المحتالين. «لم تصل الرسالة لأنها لا تؤخذ على محمل الجد»، كما تقول.
وقد بذلت الشركات الكثير من الجهد في عمليات حماية أنفسها، بما في ذلك ادارة مخاطر المشاريع أو ادارة مخاطر المؤسسات والنظم وهناك معيار عالمي لادارة المخاطر وهو ISO 31000. وهو ما يمكن أن يعطي احساسا زائفا بالأمان لأنها لا تأخذ في الاعتبار عدم القدرة على التنبؤ بالسلوك البشري. «الطريقة الوحيدة لادارة المخاطر بفاعلية هي استخدام العينين والأذنين والتجول في أنحاء المؤسسة»، كما يقول بلاكر.
سادجادي، الذي يرأس استشارات الموارد البشرية في شركة EY في الأميركيتين، لديه رؤية أكثر تفاؤلا من كثير من الناس حيال التقدم المحرز في التصدي لثقافة المخاطر، وان كان التقدم لا يزال «وليدا»: «بعض المؤسسات بدأت تفكر أكثر في سمات القيادة والسلوكيات وكيف تترجم الثقافة في مختلف مكوناتها. ويضيف «ادارة المخاطر يجب أن تنفذ بطريقة لا تخنق الابتكار، لأن الابتكار أصبح أمرا مهما للغاية وحاسما».
يقول فيتزسيمونز، المؤلف المشارك لكتاب «اعادة النظر في مخاطر السمعة»، انه ينبغي على القادة أن يفهموا العوامل النفسية التي تعمي بصيرة الناس عن المخاطر، مثل التحيز نحو التفاؤل والثقة المفرطة في أفعالهم، والاعتراف بأن هذه الأمور تنطبق عليهم أيضا. يجب عليهم اقامة نظام يرصد ويحلل ويتقاسم الدروس من الأخطاء على نطاق واسع، بما فيها تلك الأخطاء التي ارتكبها كبار القادة. كما انهم بحاجة الى التأكد من أن جالبي الأخبار السيئة، والذين يبلغون عن الأخطاء بما في ذلك أخطاؤهم هم، مرحب بهم.
ويقتبس قولا لريتشارد فاينمان، الحائز جائزة نوبل في الفيزياء الذي فحص أسباب وجذور كارثة صاروخ تشالنجر لوكالة ناسا: «ان المبدأ الأول هو أنه لا يجب أن تخدع نفسك وأن تدرك وتعترف أنك أسهل شخص يمكن أن يتعرض للخداع».

* فايننشال تايمز باتفاق مع صحيفة القبس الكويتية

شاهد أيضاً

«كامكو إنفست»: النشاط غير النفطي زاد خليجياً

Share