
نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية في عددها الأخير مقالاً عن الإصلاح الاقتصادي في سوق العمل بدول مجلس التعاون الخليجي. وقالت إنه منذ انهيار أسعار النفط في منتصف 2014، بدأت دول المنطقة تبحث عن تنويع اقتصادها، في ظل ارتفاع عدد المواطنين لسوق العمل بوتيرة سريعة. لكن إذا ما أراد الخليجيون الحفاظ على المستوى المعيشي الذي يتمتعون به اليوم، فعليهم البحث بجدية عن عمل منتج في القطاع الخاص. وهذا يعني إصلاح أسواق العمل التي جعلت كثيراً من المواطنين كسالى.
تقول «إيكونوميست» إنه لدى زيارة البنك المركزي البحريني، ستجد أن كافة الموظفين بحرينيون، مضيفة ان نصف المواطنين يعملون في وظائف حكومية. هذا النموذج نفسه شائع في دول التعاون، إذ تقل نسبة الخليجيين في القطاع الخاص مقارنة بالحكومي. في السعودية والبحرين، وصلت نسبة المواطنين العاملين في القطاع الحكومي إلى الثلثين في عام 2015، وفق بيانات صادرة عن شركة جدوى للاستثمار المتخصصة بالأبحاث. وفي حين خصصت أسواق ناشئة ودول نامية أخرى حوالي %5 من ناتجها المحلي الإجمالي لسداد أجور القطاع الحكومي، وجد تقرير تابع لصندوق النقد الدولي صدر في 2015 أنه في دول مجلس التعاون الخليجي (بالإضافة إلى الجزائر) تخصص قرابة %12. بالإضافة إلى ذلك، تعد نسبة الوافدين العاملين في القطاع الخاص قياساً بالمواطنين في الكويت الأعلى على صعيد دول التعاون.

بعض الدول تشعر بقلقٍ أقل من غيرها. في قطر والإمارات، لا تركيبة عالية من المواطنين على أرض الواقع، ولا يوجد على الأرجح ما يكفي منهم لشغل الوظائف الحكومية، بحسب ما يقول ويليام سكوت جاكسون من شركة أكسفورد استراتيجيك للاستشارات. أما في عُمان والبحرين، فإن الوضع أقل ارتياحاً، رغم أن البطالة بين البحرينيين لا تزال متدنية نسبياً. على العكس من ذلك، تصل نسبة البطالة في السعودية إلى %11.6، أما نسبة المواطنين البالغين المنخرطين في القوى العاملة فتبلغ %40 فقط. بالنسبة للمرأة السعودية، فتبلغ نسبة مساهمتها في القوى العاملة %18.
تقول المجلة إن المشكلة تكمن في تفكير الشباب الخليجيين الذين يشعرون أن لهم الحق في الحصول على الوظائف الحكومية. فالبنود سخية والواجبات خفيفة، ما يخفف الحافز أمام الخريجين المتألقين لاستثمار مواهبهم التي يحتاجها القطاع الخاص، كالهندسة على سبيل المثال.
إضافة إلى أن قلة من السعوديين تفكر بالعمل في متاجر أو مطاعم، ناهيك عن مواقع البناء.
أما المشكلة الأخرى التي تعتبر أعمق فهي الطلب الضعيف من القطاع الخاص على المواطنين الخليجيين. فالإغراء الموجود في القطاع الحكومي يجعلهم مكلفين، عدا أن قوانين الهجرة التي تكبل الأجانب بأرباب عملهم تجعل الأعداد الكبيرة من الوافدين رخيصة. بالتالي فإن حل أي مشكلة قد يعني اصلاح العقد الاجتماعي الهش بين الأنظمة وشعوبها.

وترى المجلة ان مثل هذه الاجراءات، أي التوطين، ما هي الا نماذج عن سياسات اقتصادية رديئة، اذ تقول ان بعض أرباب العمل لا يفضلون اجبارهم على توظيف الناس، لأسباب كثيرة، منها قدرة الموظف واستعداده للقيام بعمله. بعض الشركات تضطر الى سلوك طرق ملتوية، كأن تضيف أسماء وهمية الى جداول المرتبات لديها.
تزعم بعض الشركات أنه لا مشكلة لديها مع التوطين. يتباهى المدير الاداري في شركة كي بي ام جي في البحرين، جمال فخرو، أن نسبة الموظفين البحرينيين لديهم تصل الى %60 وأن النسبة تصل الى %70 في القطاع المصرفي، وهي نسبة أعلى من متطلبات الحكومة. لكن تظل هذه استثناءات، فنسبة التوظيف التي تحددها الحكومة تخلق حافزاً لمنح المواطنين وظائف أجورها متدنية، والتي تجعل البعض لا يكلف نفسه عناء القيام بها. هناك شركات تتعامل مع طريقة اجبارها على توظيف نسبة من المواطنين، كمن يفرض عليها ضريبة، بحسب ما يراه ستيفن هيرتوغ من كلية لندن للعلوم الاقتصادية.
في استبيان صادر عن «غالف تالنت»، ذكرت %95 من الشركات في عُمان أن نظام التوطين كان تحدياً كبيراً، مقابل %84 في السعودية ذكروا الكلام ذاته، و%55 في البحرين. بالمقابل أيضاً يعد تنفيذ مثل هذا التشريع كابوساً بحد ذاته. اذ قد يستغرق الأمر أمام الحكومة البحرينية 5 سنوات اذا ما أرادت زيارة كل شركة للتأكد من أنها توظف العدد المطلوب من المواطنين، رغم أن حملات التفتيش تتراوح سنوياً بين 15 ألفاً الى 19 ألف حملة.
ترى المجلة أنه من بين الوسائل التي تحتاج إليها لكي تحبب الشركات في توظيف المواطنين هي أن تقلص فجوة الأجور بينهم وبين الأجانب. من جانبها أعلنت الحكومة السعودية أخيرا عن فرض زيادة كبيرة على رسوم التأشيرات على العمال الأجانب. أما البحرين فسمحت للشركات هذا العام أن تتجاهل حصص التوطين اذا دفعت للحكومة رسوماً عن كل أجنبي توظفه.