
تقسم حياتها بين مسؤولياتها الأسرية ورعاية أبنائها والعناية بالأرض وزراعتها وقطف محاصيلها وتسويقها، وخلال زمن قياسي، حققت النجاح وتحولت الزراعة الى ركيزة حياتها الأهم وعنواناً لتميزها وارتباطها أكثر بالأرض التي فتحت أمامها آفاق الحياة الأفضل لتكمل مشوارها بتوفير حياة كريمة لأسرتها وتعليم أبنائها.
بفخر وإعتزاز، تتحدث المزارعة الخمسينية نادية شفيق توفيق الشاعر (أم عدي) من بلدة الجلمة شمال جنين بفلسطين، عن تجربة نجاحها وحكايتها التي بدأت قبل 7 سنوات، عندما توفي زوجها مخلفاً لها 7 أيتام دون مصدر دخل، فرفضت الاستسلام رغم ظروف الحياة القاهرة، واعتمدت على نفسها في شق طريق حياتها، واختارت الارض والزراعة كمهنة ووسيلة عيش رغم التحديات والمصاعب .
الواقع والتحدي
تروي المزارعة أم عدي، أنه وبعد فاجعة وفاة زوجها، لم تقف مكتوفة الايدي، وصبرت وتحملت كل التحديات والمعاناة المريرة، ولحبها للارض والزراعة، قررت خوض غمار التجربة والعمل في هذا المضمار الذي تشتهر فيه الجلمة كونها منطقة زراعية، وحققت فيها النساء العاملات في الأرض قصص نجاح كثيرة، وتقول: “عشنا أياما صعبة وقاسية في ظل مسؤوليات الأبناء واحتياجات تربيتهم وتعليمهم، فكان خياري الاعتماد على نفسي في إعالتهم وتربيتهم وإكمال المشوار ليعيشوا حياة كريمة”.
وتضيف: “قررت ان أكون والدة مكافحة لتربية أبنائي تربية صالحة وتعليمهم بالجامعات، وفي ظل ظروفي الصعبة وعدم حيازتي شهادة جامعية وعدم توفر امكانيات مادية، توجهت للزراعة فكرمني الله بالنجاح “.
مهنة الزراعة
سارعت الأرملة أم عدي، للانتساب الى المركز النسوي في بلدتها الجلمة، الذي وفر للنساء فرص تدريب وتعلم على الزراعة، ووفر مشاريع للنساء حققت نجاحاً كبير في برنامج المزرعة الحقلية الذي تنفذه وزارة الزراعة، وتقول: ” التحقت بالمشروع الذي شاركت فيه 20 مزارعة، وفر لنا فرصا للتعليم والتدريب على مختلف المجالات الزراعية وطرق الزراعة والانتاج وحماية المحاصيل وقطفها وتسويقها وفق المعايير العلمية الحديثة”.
وتضيف: “من خلال المدرسة الحقلية، استطعنا كنساء تحدي الصعاب والظروف والعقبات في حياتنا لنعتمد على أنفسنا بغض النظر عن الظروف التي تواجهنا” مشيرة الى ان “المرأة تلعـب دوراَ رئيـسياً فـي عمليـة التنميـة الـشاملة فـي المجتمـع مهمـا كانـت طبيعـة نـشاطها، وفـي الكثير من المجتمعـات الناميـة والتـي يغلـب علـى نـشاطها الاقتـصادي العمـل الزراعـي والرعـي، تـشارك المـرأة بـدور كبيـر فـي هذا النشاط وقد يكون لها دور أكبر من الرجل في بعض نواحي الحياة “.
المدرسة الحقلية
ويوضح رئيس قسم الخضار في مديرية زراعة جنين جواد زكارنة، مشرف وميسر المدرسة الحقلية، أنها عبارة عن أسلوب ارشادي جديد وحديث وغير تقليدي، يعتمد بشكل أساسي على التجربة والتعلم الذاتي للمزارعين، إضافة لإفساح المجال أمهامهم للتعلم وتبادل الخبرات من بعضهم البعض ومن تجاربهم.
ويبين زكارنة أن المدارس الحقلية للمزارعين، هي نهج يقوم على التعلم الذي يشمل الطرق التشاركية لخلق بيئة مؤاتية للتعلم، موضحاً أن المشاركين يمكنهم تبادل المعارف والتجارب في مكان خال من المخاطر.
ويضيف” التمارين الحقلية العملية التي تعتمد على المراقبة والمناقشة وصنع القرارات بصورة مباشرة، تشجع على التعلم بالممارسة، والميدان هو المجال الذي تُختبر فيه معارف محلية ورؤى عِلمية خارجية ويتم التأكيد من صحتها وتكاملها”.
ويكمل: “يشكل تحليل المشكلة بالاستناد إلى المجتمع المحلي فرصة سانحة أمام مجموعة تابعة لاحدى المدراس الحقلية للمزارعين، كي تعد منهاجا تعليميا خاصا بالمكان، وتعالج مجموعة متزايدة من المواضيع الفنية من خلال المدرسة الحقلية للمزارعين، ومن ضمنها التربة وإدارة المحاصيل والمياه وإكثار البذور واختبار الاصناف والمكافحة المتكاملة للآفات والزراعة المختلطة والتغذية وسلسلة القيمة والصلة بالاسواق”.
أهمية المدرسة
تكتسب المدرسة الحقلية أهمية كبيرة للقطاع الزراعي، ويشير زكارنة الى أنها تفسح مجالا للتعلم العملي الجماعي للمزارعين ، فهي تعزز المهارات المتعلقة بالتحليل النقدي وتحسن صنع القرارات، خاصة أن أنشطة المدرسة ميدانية وتشمل إجراء تجارب لحل المشاكل، ويراعى فيها السياق المحلي المحدد، كما يتعلم المشاركون، أساليب صقل مهاراتهم من خلال المراقبة والتحليل واختبار افكار جديدة في حقولهم، مما يساهم في تحسين الانتاج وسبل العيش، إضافة لترسخ عملية المدرسة الحقلية للمزارعين لتمكين الفرد والاسرة والمجتمع المحلي وتماسكهم.
وبحسب زكارنة، فان هذه المشاريع تعمل على تشجيع المرأة على عملية تصنيع المنتجات الزراعية لما في ذلك من التقليل من أثر مشكلة تذبذب الاسعار وتحكم التجار بها، إضافة لتشجيع المرأة على عدم التعامل مع تاجر واحد فقط، بل البحث عن تجار آخرين يمكن التعامل معهم، والذي يحسن قوتها التفاوضية على الاسعار، ويمكن ان يتم ذلك من خلال تشبيكهن مع هؤلاء التجار عن طريق الدوائر الرسمية أو المؤسسات الأهلية، كما تشجع المرأة على الانضمام للجمعيات التعاونية الزراعية المتخصصة بذلك، لتحسين واقعها الاجتماعي والاقتصادي، وتشجيع المرأة المزارعة على البحث عن وسائل تسويقية أخرى غير تلك الوسائل التقليدية التي تعتمدها خاصة أن وجود بدائل يمكن أن يقوي مقدرتها التفاوضية والحصول على سعر افضل.
زراعة اليقطين
بهذه الخبرة والممارسة انطلقت المزارعة أم عدي بمشروعها الزراعي الخاص، من خلال زراعة اليقطين على مساحة دونمين، وتقول: “الخبرة التي اكتسبتها، منحتني القوة والوعي للبدء بأول خطوة عملية في مجال الزراعة، والتي ساعدني فيها ابنائي الذين وقفوا معي جنباً إلى جنب في الدعم والمؤازرة والعمل باشرف مديرية الزراعة “.
وتضيف “عملت بشكل منتظم بمتابعة اليقطين ورعاية أرضي حتى تمكنا من قطف الثمار والنجاح بتسويقها في الداخل الفلسطيني بنجاح ما حفزني لتكرار التجربة ومواصلة مهنتي كمزارعة”.
وتكمل: “تمكنت من التوفيق بين أعمالي المنزلية ورعاية أرضي ومهنتي التي أصبحت كل حياتي وواجبي إكمالها على أفضل وجه من خلال التدريب المستمر والتعلم من الاخطاء التي واجهتني خلال الزراعة لمعالجتها وعدم تكرارها”.
النجاح والاستمرار
تقضي المزارعة اوقاتاً كبيرة في أرضها، وسط حرصها على الاستمرار والبحث عن نجاح لا يتوقف، وتقول: ” كلما حققت النجاح في مشروعي الزراعي تتعزز إرادتي وترتفع معنوياتي ، فشعور الفرحة لا تصفه كلمات في كل نهاية موسم، فلا يوجد أجمل من الارتباط بالارض والزراعة التي تمنحني شعورا بالأمل والفرح “.
وتضيف: “أجمل الاوقات، لحظة مشاهدة ثمار تعبي وكفاحي وانتاجي وتسويقه، ومن عوامل هذا النجاح دور طواقم مديرية الزراعة ومساندتها ومتابعتها لي، خاصة المشرف جواد زكارنة والمنسقة منال عباس، اللذين ارشدونا للاخطاء التي واجهتنا خلال فترة الزراعة لغاية قطافها وتسويقها”.
وتكمل: “تعب الارض والعمل فيها بجهد هو النفس والروح والامل والنجاح الذي من خلاله استطعت بحمد الله وفضله النجاح وإكمال مسؤولياتي وتربية أبنائي وتعليمهم في الجامعات، وما زلت مستمرة حتى اليوم ولن أتخلى عن مهنتي”.
مشاكل وعقبات
وتفيد المزارعة أم عدي، أن المختلف في زراعة اليقطين، هو حاجتها للمتابعة بشكل يومي بعناية واهتمام كبير، والحاجة لكميات كبيرة من السماد، إضافة الى حاجة المحصول لجهد كبير ووقت أطول وتسويق، أما المشكلة الأهم فهي السعر، مشيرة الى انخفاضه وتراجعه بشكل كبيرة في الوقت الراهن مقارنة بالسنوات الماضية، وتقول: ” لاول مرة ينخفض سعر اليقطين خلال الموسم الحالي مما شكل ضربة للمزارعين وخسائر فادحة “.
رسالة للنساء
من واقع تجربتها، تنصح المزارعة أم عدي النساء بالكفاح والعمل والتحدي، وتقول ” عندما تكون المرأة قادرة حتى بامكانيات صغيرة ، عليها أن تبدأ حياتها ولو بمشروع صغير، وتعمل على تطويره وتنميته وانجاحه حتى اثبات هويتها وبصمتها أولاً، ولتتمكن من إكمال حياتها وتعليم أبنائها والعيش بكرامة”.
وتضيف: “الزراعة شكلت ملجأ حياتي لانقاذ أولادي وتربيتهم وتعليمهم، وأقول لكل إمرأة مكافحة، لا تستسلمي للحزن ولا تتوقفي وكوني قوية رغم شدة الالم والواقع واجعليها طاقة وإيمانا وارادة امام كل شىء في حياتك وستنالين النجاح والتفوق في حياتك ان شاء الله “.