
بقلم: أليشيا بولر*
*متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا
أكثر ما يليق في وصف خالد الخضير هو أنه رجل ذو رؤية وبصيرة قادته لتأسيس شركة “جلو وورك”، وهي وكالة التوظيف الأولى والوحيدة المتخصصة في تمكين المرأةالسعودية لدخول سوق العمل، وبالتالي تعزيز الفرص المتاحة لها في مختلف أنحاء المملكة العربيّة السعوديّة. وفي هذه المقابلة التّي أجراها مع أليشيا بولر، يتحدّث الخضير عن حجم القوى العاملة من السعوديات والتحديات التي تواجههنّ في أماكن العمل في المملكة.
ففي ضوء مساعي المملكة العربيّة السعوديّة الرامية إلى تنويع اقتصادها والحدّ من الاعتماد الكلي على الموارد النفطيّة، تعدّ مشاركة المرأة في سوق العمل أساسيةً لضمان الارتقاء باقتصاد المملكة وتعزيز مواردها البشريّة.
واستجابة منها لتداعيات انهيار أسعار النفط الخام، أعلنت المملكة، من منطلق تمتّعها بمصادر نفطية مهمة، في شهر يونيو 2016 عن إطلاق “رؤية المملكة العربيّة السعوديّة 2030” والتي من شأنها تنويع قاعدة اقتصادها وإنشاء صندوق سيادي تبلغ قيمته 2 تريليون دولار أمريكي لتمويل الاستراتيجية الشاملة. ويتضمن جدول أعمال الرؤية مجموعة من التخفيضات الحكومية ومبادرات تعزيز دور القطاع الخاص في مختلف قطاعات العمل في المملكة.
وفي هذا السياق عبّر خالدالخضير، المؤسس والرئيس التنفيذي لوكالة التوظيف الأولى في السعودية التّي تُعنى بتوفير فرص عمل للنساء فحسب، “جلو وورك”، قائلًا: “تُبشر الرؤية الجديدة بتطورات رائعة ستطال النساء السعوديات؛ فمنذ الإعلان عنها، بدأت مؤسسات القطاع الخاص فعليًا بمواءمة أهدافها لكي تتماشى مع رؤية الحكومة، الأمر الذي سيؤدي إلى جعل عمل المرأة في طليعة المحاور المطروحة”.
وتدعو رؤية السعوديّة 2030 إلى تخصيص ما نسبته 30 بالمئة من فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص للمرأة بحلول العام 2030؛ إلّا أن الخضير يصرّ على أن هذا الرقم متواضع للغاية، وبالتالي قد علّق قائلًا: “أعتقد بأننا سنتجاوز هذه التوقعات بحلول العام 2030 وبأن النسبة ستكون أعلى من هذا بكثير”.
ثمّ أضاف: “اعتقد أيضًا بأن المرأة العاملة ستحظى باهتمام وتركيز لتقلّد أدوار قيادية، فتهدف الرؤية إلى تخصيص 5 بالمئة من الأدوار القيادية للمرأة – نعم، إنها نسبة ضئيلة للغاية، ولكنها تشكّل بدايةً جيدةً دون أدنى شك، وسنشهد استحداث العديد من المناصب للمرأة في مجالات الإدارة والموارد البشريّة والتسويق”.
وأوضح الخضير، وهو عضو في المنتدى الاقتصادي العالمي واللجنة التوجيهية في وزارة العمل بالمملكة العربيّة السعوديّة، بأن مسيرة المرأة في سوق العمل قد بدأت بعد المباشرة بتنفيذ مبادرات الاصلاح الوظيفي المرتبط بالنساء منذ عامين؛ حيث باشرت النساء العمل في قطاعات التصنيع والتجزئة، لذلك من المتوقع أن تستمر تلك القطاعات بالنمو أيضًا.
رجل المهمات
تركز مشاريع الخضير الاجتماعيّة على استحداث حلقة وصل بين الشركات ذات السياسات المرنة في المملكة وما يصل إلى 1.6 مليون امرأة تبحث حاليًا عن فرصة عمل محتملة. ومنذ إنشائها قبل خمس سنوات، اضطلعت “جلو وورك” بدور حيوي وهام يتمثّل في الحدّ من قواعد العمل الصارمة المعمول بها والتّي تخضع لها المرأة في المملكة.
وبحسب التقديرات الداخليّة للشركة، فقد نجحت “جلو وورك” بتوفير فرص عمل لعدد يصل إلى 27 ألف امرأة حتى يومنا هذا، وقدمت الدعم لكثير من النساء الأخريات من خلال تقديم خدمات استشاريّة مميزة وعقد فعاليات وأنشطة متعددة. وفي هذا السياق، أشار الرئيس التنفيذي إلى أن معرض التوظيف الذي أقامته الشركة العام الفائت قد نجح باستقطاب حوالي 60 ألف امرأة و300 شركة، بما فيها “مكنزي آند كومباني” و”جنرال إلكتريك”.
منذ خمس سنوات، بلغ عدد النساء اللّواتي يعملن في القطاع الخاص في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية 68 ألف امرأة. وأمّا اليوم، فقد ارتفع هذا العدد ليصل إلى 500 ألف امرأة عاملة.
وأضاف الخضير بأن شركته تجري مقابلات شخصيّة مع حوالي 110 سيدات كل يوم، كما تقوم بتقييم وتصنيف 4500 امرأة كل أسبوع وتوفر فرص عمل لست وعشرين امرأة يوميًا في شركات ومؤسسات القطاع الخاص.
ثمّ أشار قائلًا: “من الصعب قياس تأثير الجهود التي نبذلها والأمور التي نحققها. إلّا أنني أعتقد بأننا قمنا بتأدية دور عظيم في رفد قطاع التجزئة بكفاءات نسائية. فنحن أوّل من وفّر وظائف في المتاجر الكبيرة، الأمر الذي تسبب بضجة كبيرة في البلاد وأثمر أخيرًا عن سنّ قوانين جديدة تسمح بعمل المرأة هناك”.
وأضاف الخضير: “لقد واكبنا هذا المشروع منذ بداياته، فإذا ألقينا نظرة على الماضي والوضع الذي كان عليه منذ خمس سنوات، سنجد بأن أطرافا عدة قد ساهمت بشكل ملحوظ في تطوير قوانين العمل المعمول بها في المملكة، ونحن بالتالي فخورون جدًا بأن نكون جزءًا من ذلك”.
لا يمكن الاستهانة بتوجهات بعض الأطراف التي لا تزال ترى أن عمل المرأة في المملكة العربيّة السعوديّة يشكّل أحد المحرمات بحكم الثقافة المتأصلة. ففي هذا الشأن، يعترف الخضير بأنه واجه انتقادات من “كل الناس تقريبًا” عندما قرر أن يسعى لرفد سوق العمل المحلي بالمزيد من الكفاءات النسائيّة.
وتوجّه الخضير بحديثه قائلًا: “أعتقد بأننا خاطرنا كثيرًا للوصول إلى ما نحن عليه اليوم. فقد كنا نحاول إيصال رسالة تحظى بقبول المجتمع، في الوقت الذي نقوم فيه بتقديم أدلة مثبتة على منافع هذه الرسالة”.
ثمّ أضاف: “عندما تخاطب الناس وتقول لهم بأن ’هذا سيؤثر إيجابيًا عليكم وسيغير مجرى حياتكم نحو الأفضل‘– فإنهم سيرغبون بمعرفة المزيد عن ذلك وكيفية تحقيقه. بالتالي، كان هذا هو المنهج والفكر الذي اتبعته لإيصال رسالتي. وأعتقد بأن مبادرات التسويق قد لعبت دورًا هائلًا في نشر رسالتنا في جميع أنحاء المملكة”.
وعن توقيت إطلاق “جلو وورك”، أشار الخضير إلى أن إطلاق الشركة جاء في الوقت المناسب وقد أتاح للمؤسسة الاجتماعية الفرصة لركوب موجة التغيير التي كانت قد بدأت تجتاح المملكة.
وقال: “لقد حالفنا الحظ عندما بدأنا؛ فقد كانت موجة التغيير تعمل لصالحنا، وكانت النساء قد انضممن كعضوات في مجلس الشورى وبدأن بالمشاركة في انتخابات البلديات.. كلّ هذه الأحداث قد واكبت إطلاق شركتنا التي فتحت لنا قنوات التعاون مع الحكومة؛ الأمر الذي ساعد في تعزيز انتشارنا ووجودنا في المنطقة”.
وأكّد الخضير بأن حلمه بتحقيق تأثير إيجابي على المجتمع قد رافقه منذ عودته إلى المملكة العربيّة السعوديّة بعد إنهاء دراسته في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الحلم قد تجسد في هذه القوّة القابلة للقياس والتّي تعتمد على عالم الأعمال.
واختتم حديثه قائلًا: “في كل يوم يمرّ، نواجه عقبات ومعوقات جمّة، إلّا أنني أردت ابتكار شيء ينطوي على تحديات عدة من أجل أن أتحدى نفسي”.