الجمعة , 20 يونيو 2025

نيروز عبد الكريم تكتب: كونك أنثى 24 ساعة هي وظيفة ليست سهلة

يقول انيس منصور ” عندما ترضى المرأة بالظلم الكبير، يكون الظلم الصغير نعمة من الله.
وانا أقول “قاتل الله رجلا عرف امرأة أكثر من نفسها”. وانيس وغيره عرفوا الكثير عنا. ونحن النساء مازلنا لا نعرف عن أنفسنا سوى القليل. فنحن مهتمات بكل ما حولنا إلا أنفسنا. تدور الواحدة منا كمكنة حول ذاتها، لكنها لا تعرف نفسها. لذلك نحن بكاءات ودموعنا أقرب إلينا من أي شيء آخر.
والمرأة تبكي ببساطة لأنها عاجزة أو متألمة. فالكفة دائما مائلة لغير لصالحها او لا تعرف ما عليها فعله. فهي لم تعد تعرف من هي. فكيف تقنع من أمامها وهي لا تستطيع أن تقنع حتى ذاتها.
وكثيرا ما قالوا أنها ” غريبة أطوار” أو ” نكدية “، ” عصبية “، ” مجنونة ” وفي أحسن الأحوال ” حساسة “. والأمر وارد ما دامت في حال من ” اللف والدوران ” اللامتناهي.
هي ليست ” دموع التماسيح” كما اعتادوا على قول ذلك، بقدر ما أنها دموع عجز وقلة حيلة. فهناك الكثير الذي نرجو قوله ولا تسعفنا الكلمات والمصطلحات، وكأن كل الكلام انمحى واتنسى ولم تعد سوى لغة الجسد هي الحوار الدارج. حتى العبرة تصبح خانقة وساخنة وتحمل حرارة الوجع والعجز في كثير من المواقف. والسبب أن هناك قوة ضاغطة اسمها المجتمع والناس والعادات والتقاليد والعيب.
كونك أنثى هي وظيفة 24 ساعة طوال الوقت، هو أمرا ليس سهلا. ففي حين يستمتع أي ذكر برجوليته وحياته اليومية ، نجد أن الأنثى تقاتل من أجل اكتشاف طريقها وذاتها في الحياة بجانب واجباتها بالطبع.
بدون جدال، إن للرجل وطأة أعباء كما للمرأة، لكنه يحصل على الدعم من أسرته والشارع والعالم أجمع. لكن، المرأة لها الله. فهي تتعامد وتتساند على ذاتها من أجل ذلك الدعم. وإذا رغبت في التمرد على ما يضيرها ويوجعها تلقت الهجمات من كل اتجاه، ردعا على خروجها عن العرف والمألوف.
المجتمع والناس لا ترحم المرأة التي لا تتلاءم مع معايرهم، لأنها ببساطة لا تناسب ” القالب ” الاجتماعي، تماما كالمتمردة على بعض العادات أو الأفكار البالية.
فهي تواجه خلال رحلتها اليومية عبئاً ثقيلاً من أسرتها والعمل أو الأصدقاء والمجتمع. وبذلك ، تجد نفسها ملزمة بالقيام بقائمة طويلة من الواجبات وبأن تكون نسخة نموذجية عن أمها أو لزوجة مثالية، هي أقرب للحلم، تماما كما طُلب منها تكون عليه منذ نعومة أظفارها.
فكم من ساعة إضافية تحتاج إليها ال” سوبر ماما ” لإنهاء واجباتها المنزلية وتربية أبنائها والقيام بزوجها وواجبته، وأداء وظيفتها إن كانت عاملة، إضافة إلى الدفع بعجلة الواجبات العائلية والاجتماعية من مناسبات ومجاملات، فضلا عن اهتمامها الدائم بصورتها ومظهرها.
في ظل كل تلك الضغوط ، يزداد انشغالها بما ينبغي عليها فعله خلال روتينها اليومي ، متناسية من هي ومن أين أتت حقًا. هي دائما مرهقة أو متوترة ولا يمكن أن تلعب لعبة عادلة.
وفي غمرة تلك ” التحويجة” عندما تواجه الواحدة منا إساءة أو ظلم وأي نوع من الحرج أو التحطيم النفسي الذي يقلل من شأنها، تشعر بالمهانة والعجز عن معالجة مشاعرها أو الموقف الذي غالبا ما تكون فيه الحلقة الأضعف.
هنا، تتحتم الإجابة على تساؤل أصبح ضروريا، عما إذا فطرت المرأة على الضعف؟! كانت الإجابة على ذلك ستكون نعم، لولا أن هناك سيدة عنيدات وقويات يقفن للدفاع عن أنفسهن عند التعرض للانتقاص من قبل الآخرين وهناك كثيرات ممن حققن تفوقا على الصعيدين الشخصي والمهني.
يبدو أن الأمر نفسيا أكثر من كونه فطري، وأن هناك قوة اجتماعية لها تأثير كبير على ما تفكر فيه المرأة بشأن ذاتها أو تجاه مواقف مختلفة.
والانثى ليست استثناء في هذا الشأن. فالضغطين الاجتماعي والنفسي قد يدفعان بها إلى الشعور بالضعف وتفادي المواجهة أو الخنوع أحيانا حتى لا تتعرض لعقاب جسدي أو معنوي أو تلقي أي معاملة مهينة.
وبذلك، يصبح تجنب العقاب لديها دافعًا سلبيًا. هذا الدافع يؤثر على تفكيرها حيال ذاتها. وهو ايضا هو ما يجعل منها العدوة الأولى لنفسها عندما تختلط لديها المفاهيم والمشاعر، فيصبح ليس بمقدورها مجرد التعبير عما يخالطها فتفعل عكس ما تريد أو تعجز عن فعله.
في الحقيقة، لقد أصبح ذلك جزءًا من شخصيات بعض النساء، بل صار إنجازا لدى أخريات. فتشعر الواحدة منهن بالتوفيق والحظ لمجرد أنها لا تتعرض للعنف أو التوبيخ من الزوج، على سبيل المثال لا الحصر.
من أين تعلمت تلك المرأة أن نقيضي الإساءة والعنف هما حظ و ليسا حق فطري؟! وكيف تعلمت بعض الفتيات أن الإهمال العاطفي حيالهن هو جزء من الرجولة؟! وأن تسول الاهتمام والمشاعر من الشريك او الاخرين هو ميزة؟. بالطبع، المجتمع والأهل والعالم بأكمله.
في حياة كل أنثى يزداد توهج ضغط المجتمع عليها في مرحلة ما أو في كل مراحل حياتها، مما قد يشوه جمالها وصحتها النفسية إلى أن تعتقد بأن العقوبة دافع والحق مجاملة، لانشغالها اما بجلد ذاتها أو اكتفائها بالقليل من مجاملات هي في أصلها حقوق، لأنها تعتقد ببساطة أنها ليست “كافية”.
فإذا كانت زوجة فعليها فعل المستحيل وأن تتحمل وتقبل بقدرها مهما كان سيئا، وإذا كانت أماً فعليها أن تكون كاملة ومثالية، وأي خطأ غير مسموح، وإذا كانت فتاة فليس من حقها أن تظل طويلا في سنوات العزوبية وأن لا تظل بلا زوج. وأما الحب فممنوع، والقائمة تطول.
ما يحدث هو انعكاس لواقع “كائن حي” صادف أن يكون انثى في محيط أسري واجتماعي وبيئة عمل. و لإنسانة كانت هدفًا مكرسًا للشعور بالعار لأمد بعيد، مثل مواجهة العار الجسدي، ومقاييس محدودة للجمال رفيعة أو ممتلئة، بيضاء أو سمراء.. إلخ، وتنميط اجتماعي كرمز للإثارة والعار فقط، والعيب من الشعور بالحب والعاطفة ، والمعاملة كمواطن درجة ثانية. وليس أقل من ذلك ، الضغوط الاجتماعية التي تفرض عليها بأن تكون جميلة وكاملة وفائقة للتعامل مع المتطلبات الاجتماعية المرهقة.
تلك الفوضى لن يقدر على إيقافها سوى المرأة نفسها. فالرضى بالظلم الصغير يخلف ورائه رضا بظلم أكبر منه. وهكذا دواليك. والحب والاحترام يصبحان مع الوقت كومة من المجاملات، لا حقوق تستحقهما كإنسان.
والدائرة تستمر، فلا هي تشعر بأنها جيدة وكاملة بما فيه الكفاية ..ولا هي تحصل عليهما.. ولا هي ارتاحت.
لذلك، دائما ما أقول ليس هناك أنثى ضعيفة، بل أن هناك رجالا عرفوا المرأة أكثر من نفسها فاستغلوا وهنها.

شاهد أيضاً

العبدالهادي يصدر الجزء الثاني من كتابه «مبدعات كويتيات»

Share