تيم هارفور
قدم النظام الجامعي البريطاني أخيراً عددا قياسيا من الفرص الدراسية. يبدو ذلك كأنه خبر سار، لكن هل نحن حقا بحاجة الى ذهاب المزيد من الناس الى الجامعة؟ وفي هذا الشأن، هل يحتاج العالم حقا الى مزيد من الجامعات؟
الجواب كأنه يجب أن يكون نعم. التعليم أمر جيد، أليس كذلك؟ ولكن لكل شيء ثمنا. فالتعليم يتطلب وقتا. ويمكننا أن نصر على أن يدرس الجميع بدوام كامل حتى سن 45، ولكن ذلك بالتأكيد مطلب مبالغ فيه. واذا كان ذلك مطلبا مبالغا فيه، ربما نصف السكان الذين يدرسون حتى سن 21 عاما هو أيضا مطلب مبالغ فيه. أما بالنسبة للجامعات، فهي تستنفد الموارد المالية والفكرية، وربما يكون من الأفضل استغلال هذه الموارد وصرفها في أماكن أخرى.
رأيي الشخصي يميل بقوة لمصلحة الذهاب الى الجامعة والى وجود الجامعات. وبما أن المهارة الرئيسية التي تعلمتها في الجامعة هي الكتابة عن الاقتصاد، وتمكني من استخدام تلك المهارة في كل يوم من حياتي المهنية، فان حتى التعليم المجرد يبدو عمليا بالنسبة لي.
أنا الآن أعيش في أكسفورد، واحدة من المدن الجامعية الأكثر شهرة في العالم. تجربة أكسفورد تشير بالتأكيد الى أن الجامعات لديها الكثير لتقدمه. العمارة والمساحات الخضراء في المدينة تشكلت الى حد كبير الى الأفضل بشكل عام، بسبب وجود هذه المؤسسة العريقة التي يعود تاريخها الى 900 عام. جمال المدينة يجذب السياح والسكان المحليين أيضا. الموسيقى والمسارح والمتاحف الكبرى رائعة والمكتبات ممتازة. صحيح أن أكسفورد هي من أكثر مناطق البلاد غلاء لشراء منزل، الأمر الذي يسبب صداعاً لا ينتهي للسكان، الا أنه حتى هذه المشكلة هي عرض من أعراض النجاح.
ولكن هذه ليست الا عينة واحدة. كثير من الناس يجدون أنفسهم لا يستخدمون المهارات والمعرفة التي اكتسبوها في الجامعة. كما أن أكسفورد لا تمثل الجامعات العالمية ككل. فجامعة نيويورك مؤسسة ممتازة، ولكنها، وفقا لموقع تريب أدفايزر تحتل المرتبة 263 كأكثر الجهات اثارة للاهتمام في مدينة نيويورك. (تسعة من أهم 10 معالم الجذب في أكسفورد هي ذات صلة بالجامعة). واذا تم هدم كلية لندن للاقتصاد وحل محلها فندق وشقق، فان العلوم الاجتماعية ستشعر بخسارة محزنة لكني لست متأكدا أن الكثير من سكان لندن سوف يلاحظون الفرق. جامعة وارويك تعد مكانا رائعا لتلقي العلم، ولكنها لا تجذب أي زوار الى مدينة وارويك، لأنها ليست جذابة وليست في وارويك.
وهكذا فإن مسألة بناء المزيد من الجامعات بحاجة الى أن تستند الى أسس أكثر واقعية. دراسة حديثة أعدتها آنا فاليرو وجون فان رينين من كلية لندن للاقتصاد تلقي نظرة احصائية على الجامعات في مختلف أنحاء العالم وتطرح سؤالا عما اذا كانت تعمل على تعزيز اقتصاداتها الاقليمية. (أمثلة من «المناطق» تشمل كيبيك والينوي وويلز ونورث آيلاند في نيوزيلندا).
هناك أسباب عدة قد تجعل منها كذلك. فالجامعات تخرج شباب مؤهلين تأهيلا جيدا، وكثير منهم يبقى في المنطقة عند التخرج والانتهاء من دراستهم. وغالبا ما تنتج الجامعات الاختراعات المفيدة. بعض الابتكارات بلا حدود، اذ تم اكتشاف البنسلين في لندن، وجرى تطويره في أكسفورد ومتوافر في كل مكان، ولكن العديد من الأفكار البحثية تبقي محلية، على الأقل لبعض الوقت.
وادي السيليكون نما حول جامعة ستانفورد ولم ينتقل من هناك. وهناك حقيقة بسيطة وهي أن الجامعات تعمل على تحويل أموال الحكومة المركزية من خلال رواتب الموظفين والقروض الطلابية وغيرها من مصادر الانفاق المحلي.
وجدت فاليرو وفان رينين أن الجامعات في الواقع تعزز، على ما يبدو، دخل المناطق الموجودة فيها. فلو ضاعفنا عدد الجامعات في أي منطقة، من 5 الى 10 جامعات مثلا، يمكن توقع أن يرتفع الناتج المحلي الاجمالي للفرد الواحد بنسبة %4. واذا ضاعفنا عدد الجامعات مرة أخرى، من 10 إلى 20، فإن ذلك يعني اضافة %4 أخرى الى الناتج المحلي الاجمالي للفرد الواحد. كما أن المناطق المجاورة تستفيد أيضا. وهذا ليس بالتأثير الضئيل.
فاليرو وفان رينين واثقان تماما من أن السببية لا تعمل في الاتجاه الآخر، أي أن المناطق لا تبني الجامعات، لأنها ببساطة تتوقع النمو في المستقبل، ولكن لا يمكن أن تكون على يقين من أنه لا يوجد عامل ثالث له دور في ذلك: ربما، على سبيل المثال، حكومات اقليمية قوية وقادرة على ان تحقق الازدهار وتنتج الجامعات أيضاً.
وجهة نظر أكثر تشككا تأتي من براين كابلان أستاذ الاقتصاد الذي، وللمفارقة، هو مؤلف كتاب سيصدر قريبا يحمل عنوان «الحجة ضد التعليم». يشير كابلان، على نحو معقول، الى أنه يبدو أن الكثير من الطلاب لا يتعلمون شيئا له صلة واضحة بمكان العمل، ولكن عند التخرج تتم مكافأتهم ومنحهم فرص عمل أفضل بكثير من غير الخريجين. لماذا؟
جواب كابلان هو أن التعليم بمنزلة مؤشر. فاذا كان أرباب العمل ليست لديهم أي وسيلة لمعرفة من هو الذكي والمجتهد، فإن أي طالبة يمكن أن تثبت أنها تتناسب مع هذه الفئة من خلال التفوق فيه، ولنقل اللغة اللاتينية. اللاتينية مثل ذيل الطاووس: مكلفة وغير مجدية في حد ذاتها، ولكنها استثمار ضروري.
برأي كابلان، فإن الدرجات الجامعية ليست لها قيمة بالنسبة للمجتمع: فهي تمكن أرباب العمل من دفع أجور أعلى للعاملين الأكثر ذكاء، ولكن مع دفع أجور أقل للآخرين، ومن أجل التمتع بهذه الأجور المرتفعة، يجب على الأشخاص الأذكياء اضاعة الوقت وتكبد المال في عناء الحصول على درجة جامعية. قد يكون الجميع أفضل حالا اذا تم التخلي عن هذا الأمر برمته.
من على حق؟ أميل الى رأي فاليرو وفان رينين، ولكن كابلان يثير مسألة خلافية مهمة. بشكل جماعي، سمحنا للقيمين على القبول والامتحانات في الجامعات بأن يصبحوا حراساً على حياة مهنية ناجحة. فهل في هذا الأمر حكمة حقاً؟