كلير باريت *
يحير لغز قلة اقبال النساء على الاستثمار في سوق الأسهم مقارنة بالرجال صناعة ادارة الأصول لسنوات. المرأة مستقلة وتكسب الكثير من المال، ولديها امكانية الحصول على جميع أنواع الخدمات والمعلومات على الانترنت، وهو الذي لم يكن متاحا لأمهاتهن. ومع ذلك يتمسكن بعناد بالمدخرات النقدية في عصر أسعار الفائدة المتدنية.
وبعد أن طلب منها تقديم منتج يجسد موقفها من المال بأفضل طريقة، حملت ليز، وهي في منتصف الأربعينات من عمرها، وكانت موظفة سابقة في حي المال والأعمال في لندن، اسفنجة. وقالت: هذه الاسفنجة تفسر كيف أشعر حيال ادارة أموالي. أنا مثل اسفنجة جافة، وعلى استعداد لاستيعاب المعلومات، لكن ببساطة هناك الكثير جدا لاستيعابه. لذلك أمتص القليل ثم أفكر «لا ليس صحيحا»، فأضغط الاسفنجة لاخراجها». وكونها أم لطفل صغير، فان وقتها ثمين جدا. وكما تقول: أريد فقط استيعاب المعلومات التى يمكن أن أثق بها. لكن أين يمكن العثور عليها؟
عبَّرت النساء الاثنتي عشرة الموجودات في الغرفة عن موافقتهن على هذا الرأي، اذ جمعت مؤسسة بريتين ثينكس للاستشارات نساء في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من أعمارهن، كجزء من تحقيق تجريه حول السبب الذي يبعد النساء عن سوق الاستثمار. وكان لديهن الكثير ليقلنه.
«غير موثوق بها» هي الكلمة التي تقال على الدوام، عندما تسألن عن رأيهن في صناعة الخدمات المالية في بريطانيا. ومن الكلمات التي استخدمت أيضا بكثرة في وصف الصناعة «بغيضة»، «متعالية»، «يهيمن عليها الذكور»، «معقدة» و«مليئة بالمصطلحات المتخصصة». ولا تشعر النساء بأن الخدمات الاستثمارية التي يتم الاعلان عنها من قبل الشركات التي تقدمها في بريطانيا تستهدفهن. ومع ذلك فإن المرأة تعرف الكثير عن ادارة المال: فثلثهن هن المعيل الرئيسي في الأسرة، بينما يدير الثلث الآخر مشاريعهن الخاصة (الى جانب تربية ورعاية الأسرة)، وثلث آخر هن أمهات دون أزواج.
جميعهن يتسمن بكونهن ملتزمات وواثقات جدا ومسيطرات ماليا، ويقلن أنهن المسؤولات عن حصة الأسد من الموارد المالية للأسرة في المنزل، من دفع الفواتير الى وضع الميزانية والتوفير لقضاء العطلات أو العثور على أفضل صفقة للرهن العقاري. وجميعهن لديهن مدخرات نقدية، والكثيرات لديهن معاشات تقاعدية، والعديد منهن استثمرن في شراء عقار للتأجير.
ولكن ولا واحدة منهن على الاطلاق استثمرت شخصيا في الأسهم أو الصناديق الاستثمارية. لماذا؟ تبحث فايننشال تايمز في سبب احجام المرأة عن التعامل مع عالم الاستثمار.
ماذا تريد النساء؟
هناك الكثير من الأبحاث، بما في ذلك الاستطلاع الذي أجرته بريتين ثينكس لحساب فايننشال تايمز، التي تدعي أن النساء يشعرن بأنهن أقل دراية بالاستثمار من الرجال.
«قد يكون الرجال أكثر ثقة، لكن هل هم أكثر كفاءة؟» هذا هو رد فعل سو نوفكي، واحدة من أكبر مديري الأصول الاناث في بريطانيا، وتعمل في شرودرز. وصنعت لنفسها سمعة مهنية مهمة من خلال اختيارها للأسهم وادارة صندوق شرودر انكام غروث فاند انفيستمنت تراست، كما أنها تتابع بحرص مواقف النساء من أموالهن.
وكما تقول: صحيح، هناك خيارات كثيرة جدا وتغييرات مستمرة في القواعد. وفي كثير من الأحيان، لاتكون المرأة واثقة من نفسها لاتخاذ قرارات بنفسها وتريد أن تفعل ذلك مع شريكها. لكن لا أعتقد أن الرجال أكثر تعليما لاتخاذ مثل هذا النوع من القرارات. وهم نادرا ما يفهمون تماما ما يفعلونه. الفرق هو أن المرأة تريد أن تفهم، لكنها تتورط في المصطلحات المتخصصة وينتهي بها الأمر مرتبكة ومشوشة تماما.
بالتأكيد، عادة الادخار عند النساء الـ 12 امرأة اللواتي كن في غرفة متجذرة بعمق، ويخترن في الغالب ايداع أموالهن في حسابات توفير عادية مع فرص نمو ضئيلة.
ما وجدناه في هذه المجموعة هو أن الدخل المضمون يفوق بكثير أي رغبة في الربح لدى هؤلاء النساء بحسب ديبورا ماتينسون، المدير المؤسس لمؤسسة «بريتين ثينكس».
وتضيف: ان ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق النساء كبير جدا، كل النساء يردن أن يكن على يقين من أن الأموال التي يدخرنها ستبقي محفوظة للغرض الذي ادخرت من أجله، ويمكن استخدامها لأغراض أخرى في حالات الطوارئ. وهذا هو سبب شعبية حسابات الادخار وحسابات الادخار الفردية الكبيرة عند النساء رغم أسعار الفائدة المنخفضة جدا. وكان لافتا أن العقارات كانت القرار الاستثماري الوحيد الذي تشعر النساء بالثقة تجاهه. أصحاب المنازل من النساء شهدن زيادة قوية في قيمة ممتلكاتهن العقارية (اعتبار المنزل الخاص استثمارا يعتبر نقطة خلافية) لكن كانت هناك نظرات حسد عندما تبين أن العديد من النساء استثمرن في عقارات بهدف التأجير.
هذا الاستثمار ينطوي على درجة عالية من المخاطر. فالاقتراض من البنك لتمويل عملية شراء وادارة المستأجرين والتعامل مع الاقرارات الضريبية، أمر أكثر تعقيدا من التداول في الأسهم والأوراق المالية. ومع ذلك، فان الأداء القوي للعقارات، كفئة أصول، في الماضي يعني أن النساء لم يشعرن بأن الاستثمار في العقار محفوف بالمخاطر.
تقول ديني احدى المعيلات، والدتي قالت لي: لا يمكن أن تخطئي مع العقار، لكن بالنسبة لأولئك الافراد الذين لا يستطيعون تحمل شراء عقار للتأجير، يبدو التمسك بالادخار النقدي خيارا أفضل من الاستثمار.
الرد المشترك والشائع عند النساء هو أن سوق الأسهم مخاطرة كبيرة جدا. في حين تقول احدى السيدات: اعرف أن سعر الفائدة على مدخراتي هو نصف في المئة، لكنني على الأقل لن أخسرها.
الحذر المتهور
هولي ماكاي، مؤسسة الموقع الالكتروني للمعلومات الاستهلاكية (بورينغ ماني) تحاول أن تقلب هذا التصور. فهي تشجب النهج النقدي الوحيد الذي تتبعه النساء وتصفه على أنه تجسيد للحذر المتهور.
«لقد اتصلت بالكثير من النساء في الأربعينات والخمسينات اللواتي يشعرن بالحرج لأنهن لا يفهمن التمويل بشكل أفضل» كما تقول، مشيرة الى ميلهن لتفويض القرارات المالية للزوج أو الشريك.
وتضيف نقلا عن دراسة لمؤسسة YouGov: ان الحقائق تتحدث عن نفسها، %10 فقط من النساء البريطانيات لديهن حساب للأسهم والأوراق المالية، مقارنة مع %17 من الرجال. على مدى فترة زمنية مدتها 10 سنوات، لدى المرء فرصة نسبتها %90 لتحقيق أداء أفضل في سوق الأوراق المالية. وهذا يعني أن الكثير من النساء يفوتن فرصة تحقيق أرباح على المدى الطويل.
اعلانات الاستثمارات
عامل آخر يبعد النساء المشاركات في المجموعة التي خضعت للدراسة وهو الطريقة التي يتم بها الاعلان عن قطاع الاستثمار. «تغيرت النساء لكن الخدمات المالية لم تتغير» كانت الفرضية التى أرادت «بريتين ثينكس» استكشافها. ولم يثر تصفح مجموعة واسعة من الاعلانات في الصحف والتلفزيون بشأن صناديق الاستثمار والتأمين والمصارف، اعجاب واهتمام النساء.
احدى الشكاوى الشائعة هي أن اعلانات الاستثمارات لم تكن موجهة لهن كفئة مستهدفة، ذلك أن الأمر بدا وكأنهن «سيحتجن مبلغا كبيرا من المال للاستثمار». في حين صورت اعلانات أخرى النساء على أنهن «أمهات أو جدات» بدلا من كونهن نساء مشغولات ونشيطات ومجدات في عملهن.
وبشكل عام، تتفق النساء على أن هناك عددا كبيرا جدا من الاعلانات التي تحثهن على الاقتراض وتحمل المزيد من الديون، وعدد قليل جدا منها يشرح لماذا يجب أن يستثمرن في الأسهم أو صناديق المعاشات التقاعدية.
وكما تقول مولي، التى تعيل أسرة وتحب حسابات الادخار النقدي: بالنسبة لي الاستثمار مرتبط بذهني بالأثرياء. لذلك من الصعب بالنسبة لي أن أشعر باهتمام تجاهه.
حل واحد واضح هو الدفع للحصول على المشورة المهنية. لكن مرة أخرى، تشعر النساء بأنهن لسن ثريات بما فيه الكفاية للقيام بذلك.
تقول احدى السيدات: اذا ورثت 100 ألف استرليني، عندها سأبحث عن مستشار مالي مستقل، بينما تقول أخرى: يبدو ذلك انه مكلف.
هذا هو مثال صارخ على الفجوة في المشورة، في اشارة الى النسوة اللواتي يستطعن ادخار المال لكنهن لا يردن دفع المال للحصول على المشورة بشأن كيفية استثماره.
نتائج الدراسة التي أجرتها مؤسسة برتين ثنكس
أجرت «بريتين ثينكس» دراسة لمصلحة فايننشال تايمز، وطرحت على أكثر من 2000 من النساء والرجال أسئلة حول المال والاستثمار. وهذه هي النتائج:
ــــ أربعون في المئة من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع وصفن أنفسهن بأنهن «أقل دراية بالاستثمار مقارنة مع الآخرين»، مقابل %30 من الرجال.
ــــ بينما زعم كلا الجنسين أنهما يعرفان أكثر عن ميزانية الأسرة، كان الرجال أكثر ادعاء بمسؤوليتهم عن ايجاد الأفكار الاستثمارية (%51 مقابل %40 من النساء).
ــــ اتفق الرجال بمعدل مرتين أكثر من النساء على أن «المخاطرة عند الاستثمار أمر مهم لتحقيق عائدات على الاستثمار».
ــــ وافق أكثر من %40 من الرجال والنساء على أن صناعة الخدمات المالية «لا تضع أناس مثلي في ذهنها عند تصميم منتجاتها».
ــــ وافق ثلثا الرجال وثلثا النساء على أن «التوفير من أجل مستقبل أبنائي» يؤثر بشدة في قراراتهم الاستثمارية.
كيف تتعامل المرأة مع أموالها ومتى؟
(سن 35-20)
عندما يتعلق الأمر بأموالك، فان الزمن هو أكبر حليف لك، أو أكبر عدو، بحسب ماتقول أنجيلا مورفيت، وهي مخططة أموال معتمدة لدى شركة فايرستون للاستشارات المالية. وتضيف: كلما تسيطرين على أموالك في وقت أبكر، كلما كان ذلك أفضل.
في هذه المرحلة من الحياة، من المحتمل أن يكون سداد الديون الجامعية والتوفير لعربون شراء مسكن من أكبر مخاوف المرأة.
«في العشرينات من عمرك، قد يبدو التقاعد بعيدا جدا، لكن في هذه المرحلة تكونين في أشد الحاجة الى الاستثمار، كما أنه الوقت الذي تكونين فيه أقل امكانية لتحمل ذلك. لكن حتى اذا استطعت توفير مبلغ صغير في صندوق للتقاعد، فان المساهمات في العشرينات من العمر تظل ذات قيمة لأنها ستتضاعف بمرور الوقت.
تقول سو نوفكي من شرودرز : لا تؤجلي شيئا. الشروع في التوفير مهم جدا».
(سن 50-35)
هذا هو الوقت المناسب عند العديد من النساء المهنيات للمضي قدما في تحسين مدخراتهن واستثماراتهن. تدرك مورفيت الضغوط التى تتعرض لها المرأة للتخلص من الرهن العقاري وتسديده، لكن مع احتمال أن تظل أسعار الفائدة منخفضة، فانها تعتقد أنه من الأفضل أن تستثمر الأموال بدلا من سداد الرهن العقاري في وقت مبكر لتجنب اهدار عشر سنوات من امكانات الاستثمار.
وكما تقول: انها مشكلة السيدات، لكنهن بحاجة الى شيء مفعم بالحيوية أكثر من النقد. لا تستثمري أموالك على المدى الطويل في بيئة قصيرة الأجل. يمكن أن تكون قيمة هذا النقد على مدى 20 عاما نصف ما كان يمكن أن تكون عليه.
سن 50 وما فوق
فيما يلوح التقاعد في الأفق، ينتاب النساء الكثير من الذعر كونهن لم يدخرن ما يكفي من المال.
النساء في هذه الفئة العمرية هن الأكثر عرضة لطلب المشورة المالية المستقلة، اذا واجهن الطلاق أو الموت أو مرض خطير، كما تقول مورفيت، مشيرة الى تزايد حالات الطلاق بين الزبائن من النساء في أواخر الخمسينات من أعمارهن.
وتضيف: ان أول شيء في أي خطة تقاعد هو العمل على احتياجاتك من الدخل. ما هي مصروفاتك المحتملة؟ وكم تحتاجين من المال للعيش بالحد الأدني الكافي؟ وكم تحتاجين لتعيشي حياة ميسورة؟
المستشار المالي يمكن أن يدرس ويحسب المعاش التقاعدي وغيره من الأصول التي تمتلكها المرأة، ويعرف كم ومتى تسحب منها في المستقبل. وتضيف مورفيت «ربما يكون قد فات الأوان لاصلاح أوجه القصور الكبيرة، لكن ما زال هناك وقت للتخطيط واتخاذ قرارات حول العمل لفترة أطول، وتغيير طموحاتك أو تقليص حجم الممتلكات الخاصة بك».
وتقول نوفيكي: ما يزعجني هو غريزة التضحية بالنفس عند المرأة، وتفضيل أبنائها على أي شيء آخر يخصها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالرغبة في الادخار من أجل ودائع للسكن والرسوم الجامعية للأبناء.
وتضيف: لا يوجد لدى المرأة نفس الدافع للادخار من أجل تقاعدها على الرغم من زيادة طول العمر وتأثير أخذ استراحة من العمل.
* ترجمة وإعداد إيمان عطية ودينا حسان