كانت مي مدحت، في يونيو/ حزيران 2016، تحضر قمة الريادة العالمية في بالو آلتو بكاليفورنيا عندما تلقت اتصالاً من موظف بالبيت الأبيض. أثناء شرب القهوة في حرم جامعة ستانفورد، قدم المندوب دعوة إلى مي قائلاً: هل ترغبين في حضور لقاء مع الرئيس باراك أوباما ومؤسس (فيسبوك) مارك زوكربيرغ؟ موضوع اللقاء: الظروف التي يواجهها مؤسس شركة ناشئة في سوق ناشئة. تقول المؤسسة المصرية لشركة (Eventtus) المعنية بتنظيم الفعاليات ورئيستها التنفيذية: “كنت مندهشة جداً. كانت فرصة هائلة، أنا لا أمثل شركتي فقط، وإنما أمثل الشركات المصرية الناشئة عموماً”.
مرتدية حجاباً منقطاً وقميصاً حريرياً بنياً وبنطال جينز، تألقت مي في الاجتماع الذي ضم رياديين من رواندا والبيرو. سأل أوباما: “ما هي بعض أكبر العقبات في طريق النجاح برأيك؟”. أجابت مي: “أعتقد أني ارتكبت كل الأخطاء التي تقرأ عنها في كتب الرياديين”، مشيرة إلى تحديات شائعة لأي شخص يقيم شركة، مثل التمويل والروتين الحكومي وتكوين فريق. قالت قبل أن يشرع الحضور بالتصفيق: “الشيء الوحيد الذي يحفزنا على النمو هو الإيمان بمقدرتنا على إضافة قيمة لحياة الناس”. الدعاية تعني تدفق المال لشركة مي التي تأسست قبل 4 سنوات. وهي تتوقع أن تزداد إيرادات (Eventtus) لنحو 5 أضعاف عن عام 2015 لتصل إلى 500 ألف دولار هذا العام. لقد جمعت الشركة 425 ألف دولار من (Middle East Venture Partners) و(Vodafone Ventures) و(Cairo Angels) و(Raed Ventures)، مما ضمن لها مكانة على قائمة (فوربس الشرق الأوسط) الأولى لأفضل 20 شركة ناشئة. تملك كل من مي وشريكتها في التأسيس نهال فارس، 28 عاماً، رئيسة قسم المنتجات، حصة في الشركة الناشئة. عملاؤها من الأسماء الكبيرة في مؤتمرات التقنية، مثل (ArabNet) و(RiseUp Entrepreneurship Summit) و(Dubai Expo 2020). حينما كان عمر كرستيدس، رئيس (ArabNet) التنفيذي، يبحث في عام 2014 عن منصة رقمية لتنظيم مؤتمراته السنوية الـ4، وضع بحسبانه عدة شركات مثل (Cvent) و(Double Dutch) و(Crowd Compass)، ومطوري تطبيقات متخصصة مثل (Mobibus) و(Trifork) و(Eventmobi). برزت (Eventtus) إلى الواجهة. فالحضور الذين انزلوا التطبيق استطاعوا مراسلة المشاركين الآخرين وتخصيص أجنداتهم بالعربية أو الإنجليزية واستلام الإشعارات من (ArabNet) لتخبرهم عن الأنشطة في قاعة المعرض أو المتحدثين المقبلين. كما استطاع المنظمون أيضاً عقد استطلاعات الرأي.
بعد المؤتمر، قدمت (Eventtus) تقريراً يحلل عدد الناس الذين تبادلوا الرسائل داخل التطبيق وماهية الجلسات التي حضروها والمعارض الأكثر شعبية. جددت (ArabNet) للتو عقدها مع (Eventtus) لمؤتمرات في دبي وبيروت والرياض والكويت، يقول كرستيدس: “كل مرة نعقد فيها فعالية نتعلم شيئاً ونصقل استراتيجيتنا. نحن نلحظ كيف أن الناس يستعملون تطبيق (Eventtus) ونغير طريقة استعمالنا للتطبيق في الزمن الحقيقي”. تطبيق (Eventtus) الأساسي، المتضمن معلومات المؤتمر ومواقع التواصل الاجتماعي، مجانٍ. أما فيما عدا ذلك فتتراوح كلفة الخدمة بين 599 إلى 1399 دولاراً أو أكثر نظير التخصيص، وتشمل الإشعارات واستطلاعات الرأي أثناء الفعاليات والتحليلات.
عندما أسست مي ونهال (Eventtus) في 2012، كان الوقت غير ملائم لبدء أي مشروع في مصر. كانت البلاد لاتزال في قبضة محمد مرسي، رئيسها الجديد آنذاك، وكان انقطاع الكهرباء والعنف والنهب شائعاً. لا شيء من هذا أعاق مي. تقول: “بعد الثورة، امتلأنا بفخر وأمل كبيرين. شعرنا أننا نستطيع فعلاً تحقيق أي شيء طالما أن المصريين استطاعوا إجبار مبارك على التنحي. بدا كل شيء آخر ممكن الحدوث”.
كان أول حاسوب لمي هدية من جدها لأمها حين كانت في الصف الخامس. لقد كان يدير مطبعة صحفية صغيرة في القاهرة موطن العائلة. تقول “فكرة أنه بدأ شيئاً واعتمد على نفسه ألهمتني كثيراً”. لقد أحبت تصفح الإنترنت لأنه يربط الناس حول العالم وكان مصدراً سخياً للمعلومات. مع وصولها الثانوية العامة، كانت تدير غرف محادثات (Yahoo)، وتبرمج مع أصدقائها مواقع معجبي المشاهير. في 2009، تخرجت مي بدرجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة عين شمس، حيث التقت بنهال، رفيقتها المتحمسة للبرمجة. حينما كانتا في جامعة عين شمس، صممتا تطبيق ملاحة لتقديم معلومات في الزمن الحقيقي حول أوضاع حركة المرور، ودخلتا مسابقة
(Imagine Cup) الدولية التي تقيمها (Microsoft) وتعرض تحديات للطلبة لحل المشكلات بواسطة التقنية. وفازتا بالمركز الأول في مصر، لكنهما لم تصلا إلى النهائيات.
تقول مي: “أنا ونهال ظننا أننا فشلنا لأننا أخفقنا في الوصول إلى السوق. أدركت حينذاك أن علي تعلم الكثير من التجارب خارج الجامعة”. حاولت هي ونهال باجتهاد أن تتعلما ما يجعل الشركات الناشئة في وادي السليكون ناجحة. تقول مي: “أردت أن أعرف كيف بدأت، ولماذا أطلقت تلك الميزات دون غيرها، وتأمل كل تلك الأشياء ساعدنا على فهم المزيد عن الشركات الناشئة عموماً”. بينما عملت هي ونهال في وظائف بدوام كامل كمطورتي برامج؛ نهال لدى شركة الاتصالات الفرنسية (Orange) ومي لدى شركة تركز على أدوات إدارة علاقات العملاء، حضرتا فعاليات التواصل الاجتماعي في القاهرة للمطورين والرياديين.
في 2011، ذهبتا إلى (TEDX Cairo) و(Startup Weekend Cairo) للتواصل مع خبراء التقنية الآخرين. وغادرتا محبطتين. تقول مي: “طبيعة تويتر كانت تقتضي أن تذهب إلى الفعاليات وتعرف الناس بناء على صورهم في تويتر، لكنك لا تميز وجوههم في العالم الحقيقي”. مع ذلك، ورغم إطلاق النار المتقطع في الشوارع، كان هناك نحو 750 شخصاً لدى (Startup Weekend). وفي ظل كثرة الرسائل المباشرة المتبادلة عبر تويتر وعدم وجود بعض الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي، لمحت مي فرصة.
تقول: “ترى المنظمين يتراكضون مخبرين الناس أن استراحة تناول القهوة انتهت، وأن عليهم الرجوع إلى قاعة المؤتمر. أو في حال تغيرت مواعيد الأجندة بمعدل 10 دقائق قد تسود الفوضى سريعاً. ماذا لو أمكنك تحرير الأجندة إلكترونياً في الزمن الحقيقي؟ كل شخص هنا لديه هاتف ذكي، وإذا استطاع المنظمون إرسال إشعارات يمكن عندئذ حل المشكلة”. خلال أسبوع من الإتيان بفكرة تطبيق لإدارة الفعاليات، استقالت مي ونهال من وظيفتيهما في ربيع 2011. لقد عملتا 8 ساعات يومياً في المقاهي للاستفادة من الواي فاي المجاني، وأمضتا الليالي الطوال في المنزل لبرمجة التطبيق. وصنعتا أدوات لاستصدار التذاكر والتسجيل وقوالب المراسلة والأجندة وغيرها من الأمور. ولتوفير المال، سجلتا في نسخة تجريبية مجانية لمدة 12 شهراً لاستعمال خدمات (Amazon) السحابية.
في أواخر 2011، ومع إصدار نسخة مبكرة جداً من التطبيق، قدمت مي عرضاً عنه في مؤتمر (ArabNet) الأول في القاهرة. كان محمد العيوطي، المدير في (Vodafone)، يعمل على إنشاء صندوق استثمار رأسمالي لشركة الاتصالات العملاقة. أثار العرض إعجابه ووافق على تقديم النصح وردود الفعل حول الخصائص. ركزت مي ونهال على الفعاليات المجانية لأقل من 100 شخص. واعتمدتا على الأصدقاء في قطاع التقنية لتجريب (Eventtus). تستذكر مي قائلة “كان صعباً للغاية أن تحصل على أول عميل يدفع المال”، مشيرة إلى أكبر عقبة تواجهها أية شركة ناشئة. ألغيت فعاليات عدة بسبب الوضع السياسي المضطرب، لكن هذا صب في مصلحة التطبيق. إذ أعجب منظمو الفعاليات بحقيقة أن (Eventtus) قادر بسهولة على إشعار الحضور بالإلغاء أو التغيير في البرنامج. بعد أن وضعتا نحو 30 ألف دولار من مالهما الخاص في (Eventtus)، حصلت مي ونهال على عميلهما الأول الذي دفع المال في 2013. كانت (RiseUp Entrepreneurship Summit) تخطط مؤتمرها الأول في القاهرة، وتوقعت مجيء نحو 2500 شخص.
يقول كول أودونيل، الشريك المؤسس لـ(RiseUp Summit): “بدت (Eventtus) مناسبة جداً. فنحن جدد ونحاول الاعتماد على الشركات الناشئة في التسجيل وإصدار التذاكر والتأثيث”. بوجود عميلهما الأول و40 ألف دولار من (Cairo Angels)، تواصلت مي ونهال مع العيوطي من (Vodafone) مرة أخرى. وقد استثمر 135 ألف دولار. يقول العيوطي: “(Eventtus) عرفت ما تريد وكان لديها دوماً رؤية واضحة”. “كجزء من تحولها الاستراتيجي، أغلقت (Vodafone) ذراعها الاستثمارية مطلع هذا العام، وهي تسعى إلى بيع حصتها في (Eventtus)”. أثارت الشركة الناشئة إعجاب مستثمر آخر هو عمر المجدوعي، رئيس شركة تصنيع عائلية في المملكة العربية السعودية، أسس مؤخراً
(Raed Ventures) للاستثمار في الشركات الناشئة في مراحلها الأولى. وكان قد استعمل تطبيق (Eventtus) للتسجيل في (TedX Dubai) قبل عام، وأعجبته حقيقة أنه يسهل التواصل الاجتماعي. وقد ظن أن الشركة الناشئة أمريكية أو أوروبية. يقول: “فأجاني أنها شركة ناشئة مصرية. وجدت أن مي كفوءة ومتمكنة وتضع رؤية جيدة جداً للشركة”. استثمرت (Raed Ventures) مبلغ 150 ألف دولار هذا العام كجزء من جولة تمويلية بمقدار 250 ألف دولار مع شركة (Middle East Venture Partners). تستخدم شركة (Eventtus) المال في مزيد من التطوير للتطبيق، وتعيين أول موظفين لها في إمارة دبي حيث تملك شركة (Eventtus) عقوداً مع (STEP Conference) و(ArabNet). أما الفريق في القاهرة، فعدد أفراده الآن 20 موظفاً، فيضع خريطة تفاعلية ستسمح للحضور بالبحث عن العارضين. في نوفمبر/ تشرين الثاني، ستستضيف (Eventtus) أكبر مؤتمر لها على الإطلاق للشركة البريطانية (DMG Events).
سيتمكن نحو 80 ألف مدعو، و3 آلاف عارض من الدخول إلى تطبيق (Eventtus) لإرشادهم في أكبر مؤتمر إنشاءات في الشرق الأوسط في مركز التجارة العالمي في دبي. تمضي مي الآن معظم وقتها في دبي. لكن في الأسبوع الماضي، كانت في موطنها وتعرف إليها الناس في شوارع القاهرة. تقول مي إنها “تلك الفتاة بالحجاب التي جلست على المنصة مع أوباما متحدثة عن الشركات الناشئة”. حصد اللقاء ما يقارب ربع مليون مشاهدة على (YouTube). “إنهم يرونني ويعرفون أني فتاة عادية مثلهم يمكنها أن تصنع شيئاً”.
نقلا عن مجلة فوربس