يحكي فيلم Borders of Heaven الذي أنتج عام 2015 ، وصور في تونس قصة حزينة لزوجين يحاولان التغلب على واقعة فقدان طفلتهما الرضيعة. ونال الفيلم الذي أدى ممثلوه أداء لا ينسى، استحسان وثناء عظيماً من النقاد، فحصل لطفي العبدلي الذي لعب دور الأب المكلوم، على جائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
لكن لم يتميز هذا العمل بالجوائز التي استحقها، بل بطريقة صناعته ومدى إتقانه. كما على غير المتوقع في صناعة الأفلام ضمن هذه المنطقة، شاركت في إنتاجه Icflix لخدمة البث المرئي المتدفق حسب الطلب من مدينة دبي.
وشأنها شأن شركة Netflix أو Amazon Prime تعرف هذه الشركة بأنها منصة إلكترونية يمكن للمستخدمين عبرها مشاهدة البث المتدفق لآلاف الساعات من الأفلام والمسلسلات المتلفزة، لكن تركيزها ينصب على الأفلام والمسلسلات الناطقة باللغة العربية، مع مزيج من منتجات السينما الأميركية والهندية المحولة إلى اللغة العربية، مقابل اشتراك شهري ب 7.99 دولار.
فيما تحوز معظم الأفلام والمسلسلات التي تعرضها شركة Icflix التي تأسست عام 2012 ، على موافقة الشركات المنتجة، باستثناء فيلم Borders of Heaven الذي يعد مثالاً على مباشرة الشركة إنتاج أفلامها ومسلسلاتها بنفسها.
يقول كارلوس طيبي 41 عاماً المؤسس المشارك ورئيسها التنفيذي: “ينصب تركيزنا الأساسي واستثمارنا الضخم على المنتج الأصلي الذي سيميزنا عن غيرنا”.

ووفقاً لطيبي، يشترك في خدمة البث المتدفق 150 ألف مشترك، وهي شهيرة في مصر تحديدًا، ويتابعها مليون مشاهد آخر مستفيدين من الاشتراكات التجريبية المجانية والعروض الترويجية.
وقد شاهد مشتركو الخدمة فيلم Borders of Heaven 5 ملايين مرة تقريباً حتى الآن. كما تنوي الشركة حالياً زيادة إنتاجها الخاص، ويؤكد طيبي على ذلك بأنها تعكف على إنتاج 35 فيلماً و 5 مسلسلات تلفزيونية، إلى جانب إنتاجها 10 أفلام ومسلسل واحد حتى اليوم.
في حين يعد انتقال Icflix إلى إنتاج أعمالها الخاصة جزءًا من توجه عالمي حديث ينتشر أكثر فأكثر بين الشركات التي تقدم خدمات البث المرئي المتدفق. تتصدرها شركة Netflix أحد أبرز الشركات التي تتبع هذه الاستراتيجية، عبر الإنتاج الناجح للمسلسلات المتلفزة، مثل: House of Cards .
ويرى طيبي أن Icflix بدأت بإنتاج أعمالها الخاصة في الأساس، لأن صناعة الترفيه في العالم العربي لا تنتج ما يكفي من أعمال لتلبية حاجة المشاهد. فضلاً عن الدافع الآخر المتمثل في الرغبة بالتميز عن الشركات المنافسة في المنطقة.
وثمة مجموعة من الشركات التي تستهدف سوق خدمة البث المرئي المتدفق حسب الطلب، من شركات البث الكبرى إلى تلك الناشئة، مثل: OSN Go و Starz Play Arabia و Cinemoz و Telly كما تمتلك عملاقة البث الإقليمي MBC خدمة البث
المرئي لبرامجها Shahid . وكلها تتنافس للفوز بسوق تضم نحو 400 مليون شخص، غير أن شركة واحدة لم تتمكن حتى اللحظة من تمييز نفسها عن غيرها.
إن شركة Icflix ليست الوحيدة التي تستكشف مجال الإنتاج الخاص؛ إذ تتوقع Cinemoz ومقرها بيروت إطلاق أول إنتاج خاص من المسلسلات المتلفزة في العام المقبل، وفقاً لرئيسها التنفيذي كريم صفي الدين. ويبدو أن رغبتها في تمييز نفسها هي الأخرى، كان دافعاً كافياً، على غرار Icflix.
يقول صفي الدين: “عرفت شركات الإنتاج الكبرى والشبكات طريقة تسويق خدمة البث المرئي حسب الطلب، وستتحرر قريباً من قيود الرخص التي تمنحها أطراف ثالثة. إن مسألة المصدر الوحيد للأعمال السينمائية والمتلفزة في طريقها إلى الزوال”.
وتقدم Cinemoz التي تأسست عام 2011 ، خدماتها إلى مشاهدي الأفلام والمسلسلات المحلية مجاناً، معتمدة على الإعلانات التجارية لجني الإيرادات. يضيف صفي الدين: “سيستمر الطلب في سوق الترفيه المجاني إلى الأبد”. وقد وصل عدد مستخدمي خدمة الشركة في وقت سابق من هذا العام إلى 1 مليون مستخدم نشط شهرياً.
فيما تفضل شركات أخرى، مثل Starz Play Arabia التي تأسست عام 2015 ومقرها مدينة دبي، التركيز على إنتاجات السينما الأميركية بصورة رئيسة.
فتفرض اشتراكاً شهرياً يبلغ 7.99 دولار، وتخدم 700 ألف مشترك. لكن طيبي مقتنع، على أي حال، بأن المشاهدين يتوقون إلى الأفلام والمسلسلات المحلية أيضاً. يقول: “لو أن إنتاج السينما الأميركية هي ما يريده المشاهدون في هذه المنطقة، لكنت سمعت عن شركة قيمتها مليار دولار في هذا المجال”.
لقد استمتعت شركات البث المرئي الإقليمية بالسيطرة النسبية على السوق حتى وقت قريب، وهذا عائد إلى عدم تقديم شركات القطاع الكبرى، مثل Netflix خدماتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لكن تغير ذلك في العام الماضي عندما أطلقت الأخيرة خدماتها في المنطقة، لتتبعها Amazon Prime على الفور أيضاً. غير أن هذا التوسع لم يجهز على السوق، فلا تزال محتويات خدمة Netflix في الشرق الأوسط محدودة، بسبب قيود الحصول على الترخيص، إلى جانب أنها لا تزال تفتقر إلى مكتبة محتوى عربي كبيرة، بالرغم من أنها تتيح ترجمة المنتجات المعروضة.
لكنها خطت خطوة مؤثرة في العام الماضي، عندما استحوذت على الحقوق العالمية لبث فيلم Rattle the Cage الإماراتي الذي أنتجته Image Nation Abu Dhabi .
وإن دل دخول الشركات العالمية المتنافسة إلى المنطقة على شيء، فهو وفرة الفرص فيها؛ إذ تمتاز هذه السوق بأعداد غفيرة من الشباب الذين يشاهدون المحتوى الإلكتروني بنهم. في حين تتوقع شركة البحوث Digital TV Research ومقرها لندن، ازدياد إيرادات خدمة البث المرئي المتدفق حسب الطلب في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من 124 مليون دولار في عام 2015 إلى 1.2 مليار دولار بحلول عام 2021 . وبالرغم من أن شركة Icflix رفضت الكشف عن إيراداتها، إلا أن استراتيجية إنتاج الأعمال الخاصة لشركة مثلها، تدل على تطور مقبل ومحاولة أكبر لاستغلال المزيد من الفرص، بما ينبئ عن حجم أعمالها.
إنها رحلة تتخللها الكثير من المنعطفات والتحولات. عندما بدأت شعبية شركة Netflix كمنصة إلكترونية للبث المرئي، تتعاظم في عام 2009 ، كان طيبي يدير شركة عقارية في الإمارات العربية المتحدة. وهو من مواليد بيروت، ونشأ في كندا، ثم عاش في وقت لاحق في أميركا، حيث عمل في إدارة شركة Oracle، لكن بعد عقد من الزمن قضاه في العمل مع شركة التكنولوجيا، انتقل إلى دولة الإمارات بحثاً عن فرصة، فأسس شركة لبيع الشقق السكنية في عام 2009 .
حيث عمل على تصميم شققه السكنية عبر العمل عن قرب مع المهندس المعماري فادي محيو، وأصبحا صديقين. بعد ذلك، استهوى البث المرئي المتدفق طيبي صاحب الخلفية التكنولوجية، وبحث الموضوع مع فادي محيو. حينها، بدا أن أحداً لم يستكشف بعد فرص البث المرئي المتدفق للأفلام والمسلسلات العربية في المنطقة.
يقول طيبي: “بدأنا حينها بالتحدث عن هذا المجال، وكم ستكون فكرة إنشاء شركة للمحتوى العربي رائعة”.
فأسسا معاً Icflix في عام 2012 وتولى فادي محيو منصب رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيسها. بينما مول الثنائي الشركة الناشئة من مالهما الخاص. ولا يزال المؤسسان هم المستثمران الوحيدان في الشركة بما قيمته 60 مليون دولار. فضلاً عن أن الشركة طورت منذ البداية جميع برامجها الحاسوبية وتقنياتها ذاتياً.
في حين تحاول مؤسسة البث المرئي حالياً جمع 200 مليون دولار من مستثمرين خارجيين.
لكن لم تلبث التحديات أن ظهرت؛ إذ تمثلت العقبة الأولى في الحصول على ترخيص بث الإنتاج السينمائي والمتلفز وتحميله على المنصة الإلكترونية. كذلك وجد طيبي نفسه أمام معضلة التعريف بمفهوم البث المرئي المتدفق لمنتجين محليين وشركات إنتاج. يقول: “لم يفهموا شبكة الإنترنت. كانوا قديمي الطراز”. مع ذلك، استطاعت Icflix امتلاك 8 آلاف ساعة من الأفلام والمسلسلات العربية.
ثم ظهرت معضلة تحويلها إلى التقنية الرقمية مع ورود نحو 80 % من الإنتاج المحلي مسجلاً على أشرطة. يقول طيبي: “سجل الكثير منها على أشرطة بعرض 35 ملليمترًا”. فحولتها الشركة بنفسها إلى التقنية الرقمية، وتطلبت عملية امتلاك المنتجات وتحميلها عاماً كاملاً تقريباً.
عموماً، تجنبت Icflix المنافسة على نيل الحقوق الحصرية لتوزيع المنتجات. يوضح طيبي: “في عصر التقنية الرقمية، لا وجود لما يسمى رخصة حصرية. وإن تحقيق عائد على الاستثمار أمر في غاية الصعوبة”. حيث لا يقتصر الأمر على اضطرار الشركات لدفع أموال طائلة للحصول عليها، بل من الصعب التأكد من الملكية الحصرية للعمل المنتج في منطقة لا تكافح فيها القرصنة الإلكترونية بشكل فعال.
وبالرغم من حصول الشركة على رخص عرض الإنتاج السينمائي والمتلفز الأميركي والهندي، يسلم كارلوس طيبي بحقيقة حصول الشركات المنافسة عليها أيضاً. يقول: “يبيع قطاع السينما الأميركي منتجاته على نطاق واسع جدًا. ويمكنك الحصول على حقوق بث فيلم Spiderman ، كما يمكن للشركات الأخرى الحصول عليها”.
من ناحية أخرى، كان على Icflix ، بمجرد طرح خدمتها، التعامل مع سرعات موجات البث العريضة المتذبذبة في العالم العربي، التي تؤثر على جودة البث المرئي المتدفق. فيما يرى طيبي أن الشركة تستعين بأحدث أساليب وتقنيات الضغط، لتضمن سلاسة البث المرئي المتدفق، لكن أسواقاً مثل السوق المصرية، يستحيل فيها تجنب المحددات المفروضة على سرعة شبكة الإنترنت.
أما جني الأرباح فمثل معضلة إضافية؛ إذ كان من الصعب على الشركة معالجة المدفوعات عبر شبكة الإنترنت، في الوقت الذي لا يملك فيه 80 % من البالغين في المنطقة حسابات مصرفية. بالإضافة إلى أن معظم مستخدمي خدمة Icflix من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 عاماً و 35 عاماً، مما يقلل من احتمال تعاملهم مع المصارف. وهي قضية مهمة لشركة تعتمد على مدفوعات المستخدمين الشهرية نظير الاشتراكات.
لكنها ذللت تلك العقبة بعقد الشراكات مع شركات الاتصالات في المنطقة، متيحة للمستخدمين الاشتراك في خدمتها بالطريقة ذاتها التي يشترون فيها الدقائق للتحدث عبر هواتفهم المحمولة. ومن تلك الشراكات، مع: Saudi Telecom Company و Zain في البحرين و Asiacell في العراق و Orange في دول عدة، لكن تطلب ذلك وقتاً. يقول طيبي: “تعين علينا التعامل مع كل دولة على نحو مستقل”.
وتقدم Icflix خدمتها اليوم عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باستثناء سوريا، كما تقدم خدمة محدودة حول العالم أيضاً. وبعد طرح الخدمة بوقت قصير، كان طيبي قد خطط مسبقاً لإنتاج الأعمال السينمائية والمتلفزة الخاصة، حين أدرك أن شركات البث المرئي المتدفق العالمية تسير في هذا الاتجاه.
أما اتباع هذه الاستراتيجية فكان مبرراً في المنطقة؛ إذ بانتهاء شهر رمضان الذي يعرض خلاله العديد من البرامج الجديدة، لا ينتج قطاع الترفيه في العالم العربي الكثير من البرامج، وفقاً لطيبي. وبالرغم من تاريخ مصر السينمائي الغني، لا يكفي الإنتاج بمجمله لتلبية حاجة كل مكونات السوق.
كما تختلف لهجات اللغة العربية اختلافاً كبيراً في المنطقة، سيما في شمال القارة الافريقية، مما يجعل من الصعب على بعض الأسواق عرض البرامج المناسبة باستمرار. كان الطلب على الإنتاج السينمائي والمتلفز المحلي واضحاً لطيبي، فسرعان ما افتتحت شركة Icflix مكاتب لها في مصر والمغرب.
وأبرمت الشراكات هناك مع مؤسسات الإنتاج، لتبدأ بإنتاج الأفلام. وقد انتهت من أول إنتاجاتها في عام 2014 عبر فيلم .HIV وعلى سبيل المقارنة، لم تطرح Netflix أول أفلامها المنتجة ذاتياً Beasts of No Nation إلا في عام 2015 أنتجت خلال هذا العام فيلماً من بطولة الممثل براد بيت War Machine صور جزء منه في مدينة دبي.
فيما لم تنتج Icflix أفلاماً باذخة بميزانيات ضخمة حتى الآن. وفيلم Borders of Heaven ذو المستوى المتوسط والذي يعتمد على أداء الممثلين هو مثال على ذلك. يضيف طيبي: “نحن ننفق بحرص؛ فميزانيتنا بسيطة، وأوقات عمل المخرجين والممثلين تسير وفق أوقات محددة”. بينما تعمل الشركة على نطاق واسع مع مخرجين جدد، وممثلين مغمورين بعض الشيء، بدلاً من مطاردة النجوم المشهورين.
ويسارع طيبي، على أي حال، إلى الإشارة بأن ذلك لا يؤثر بالضرورة على جودة أفلام Icflix . ويفخر بقوله إن 5 أفلام من أصل 10 أنتجتها الشركة رشحت لنيل جوائز.
أثناء ذلك، تزداد ضراوة المنافسة. فقد أصبحت شركة Iflix الماليزية لخدمة البث المرئي المتدفق حسب الطلب، والتي تحمل اسماً مشابهاً في شهر مايو/ أيار الماضي، أحدث شركة تطلق خدمتها في منطقة الشرق الأوسط. في حين لا يشعر كارلوس طيبي بالقلق. ويعتقد بأن Icflix ستكون قد امتلكت أفضلية كبيرة عندما يبدأ المنافسون بالاستثمار بغزارة في الإنتاج الذاتي. يقول: “أعتقد أنه عامل حاسم في التفريق بين المنافسين”. ستتضح ماهية التطورات المقبلة على عمل هذه الشركة مع مرور الوقت.