الجمعة , 20 يونيو 2025

مدح الموظف يعادل زيادة 1% من الراتب!

في إطار تجربة أجرتها «ناشيونال جيوغرافيك» قبل ثلاثة أعوام، جيء بشخصين أحدهما بارع في كرة السلة، والآخر أقل براعة وربما يلعب هذه اللعبة لأول مرة. وبغرض التوضيح، سنسمي اللاعب الماهر «محمود» والآخر «حسين».
في البداية، طلب من «حسين» (الهاوي الذي يلعب السلة لأول مرة) الوقوف على مسافة وتسديد الكرة نحو السلة في حضور جمهور من الناس. ومن بين 10 رميات سددها «حسين» لم تدخل الكرة ولو لمرة واحدة في السلة. أضاع الرميات العشر كلها.
بعد ذلك طلب منه إعادة المحاولة وتسديد 10 رميات أخرى، لكن وهو معصوب العينين لا يرى أمامه شيئاً.
بدأ «حسين» يلقي الكرات نحو السلة، وبمهارة أضاع الرميات العشر مرة أخرى. غير أن الجمهور الحاضر (ولأغراض التجربة) أقنع حسين بأنه نجح في تسديد 3 رميات من العشر، وهلل مشجعاً إياه حينها.
خلع حسين العصبة الموجودة على عينيه، وللمرة الثالثة والأخيرة، طلب منه تسديد 10 رميات أخرى نحو السلة. أمسك حسين الكرة معتقداً أنه نجح في تسديد 3 رميات وهو معصوب العينين وبدأ في التسديد نحو السلة وسط تشجيع وتصفيق الجمهور. وهذه المرة تمكن من تسديد 4 من بين 10 رميات!
ما الذي حدث؟ أو ما الذي تغير؟ قبل أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال دعونا نرى كيف سار الأمر مع محمود، اللاعب الماهر في كرة السلة.
في البداية، طلب من محمود تسديد 10 رميات نحو السلة. ومن بين الرميات العشر التي قام بتسديدها دخلت الكرة السلة في 9 مرات. وهذه ربما نتيجة طبيعية لأن الرجل في النهاية لاعب ماهر في كرة السلة. لكن حين طلب منه رمي الكرة نحو السلة وهو معصوب العينين فشل في التصويب، وسط تعليقات سلبية وصافرات استهجان من الجمهور.
خلع «محمود» العصابة، وبدأ يصوّب 10 رميات أخرى نحو السلة. لكن هذه المرة أضاع «محمود» ـــ الذي سدد قبل قليل 9 رميات صحيحة من أصل 10 ـــ معظم الرميات التي سددها.
ما حدث باختصار، هو أن أداء الاثنين تأثّر برد فعل الجمهور تجاههما، سواء كان تشجيعا أو تشكيكا. تشجيع الجمهور لـ«حسين» جعله يثق أكثر في قدرته على فعلها، في حين ان الجمهور ذاته، الذي كانت تتعالى صافرات الاستهجان منه حين يضيّع «محمود» أي رمية ويصمت صمت القبور حين يسدد بشكل صحيح، أثّر بشكل سلبي في الرجل وفي ثقته بنفسه، وهو ما أدى إلى تراجع أدائه.
أسهل طريقة لخسارة الموظف
ما لا يدركه كثير من المديرين وأصحاب العمل هو أن المديح وتقدير المجهودات والاعتراف بها هي أشياء لها تأثير قوي للغاية في أداء الموظفين. فليس سرّاً أن المديح في أكثر الأحيان يجعل الناس يشعرون بالرضا والفخر والسرور وتقدير الذات.
حين تمدح الموظف وتثني على أدائه، فإن هذا يحفز إطلاق هرمون الدوبامين، وهو الناقل العصبي المسؤول عن الشعور بالسعادة المرافقة للمكافأة. وفضلاً عن كونه يجعلنا نشعر بالرضا، يسهم الدوبامين أيضاً في تحفيز التفكير الإبداعي والقدرة على حل المشكلات لدى الموظفين.
في عام 2004، أجرت مؤسسة «جالوب» مشروعاً بحثياً عالمياً حول أهمية الثناء والتقدير، شارك فيه نحو 4 ملايين موظف من أماكن مختلفة حول العالم.
خلصت «جالوب» في هذا البحث، إلى أن الموظفين الذين يتلقون إشادة منتظمة من مديريهم عادة ما يكونون أكثر إنتاجية وتفاعلية وأكثر احتمالاً للبقاء في المؤسسات أو الشركات التي يعملون بها، مقارنة بأولئك الذين لا يحظون بأي نوع من التقدير والثناء.
في الوقت ذاته، تشير أبحاث «جالوب» إلى أن أعداد الموظفين الذين لا يشعرون بالتقدير من جانب مديريهم والذين أشاروا إلى احتمالية مغادرتهم للمؤسسات التي يعملون بها خلال العام التالي أعلى ثلاث مرات مقارنة بأولئك الذين يتم تقديرهم والاعتراف بمجهوداتهم.
في كتابهما الصادر في يناير من عام 2007 تحت عنوان «مبدأ الجزرة» ذكر كل من تشيستر إلتون وأدريان جوستيك نتائج دراسة، شملت أكثر من 200 ألف موظف ومدير.
أشارت هذه الدراسة إلى أن %94.4 من الموظفين الذين أعربوا عن امتلاكهم لمعنويات عالية أكدوا أن مديريهم كانوا حريصين جدّاً على الثناء على مجهوداتهم وإنجازاتهم وتقديرهم. في حين إن %56 من الموظفين الذين أشاروا إلى انخفاض روحهم المعنوية أكدوا أن مديريهم مقصّرون في تقدير مجهوداتهم.
لكن، لحظة.. ما طبيعة المجهودات التي يستحق الموظف الثناء عليها؟
كلمة شكر أم زيادة في الراتب؟
أشارت مؤسسة جالوب إلى أنه ينبغي على المديرين الإشادة بالإنجازات الحقيقية فقط، وأن الكلمات الفارغة ليست لها أي قيمة. كما أكدت أن المديح غير المستحق هو أخطر ما قد يؤثر سلباً على أداء الموظف والشركة بشكل عام، لأنه لا يمنع الموظف فقط من التعرف على نقاط ضعفه وما يحتاج إلى تحسينه، بل يقلل أيضاً من تأثير الثناء الحقيقي المستحق الذي قد يحصل عليه الموظف في أوقات أخرى.
عن هذه النقطة، تقول كارول دويك أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد إن الأطفال الذين يتم الإشادة بهم على أنهم رائعون بفطرتهم عادة ما يصبحون في المستقبل أقل قدرة على مواجهة التحديات الكبيرة. لذلك، نصحت الآباء بأنه يجب ألا تتعلّق إشادتهم بالطفل بشخصه بقدر ما يجب أن تتعلّق بالأسلوب أو الخطة أو الاستراتيجية التي استخدمها في حل أي مشكلة.
لا أحد يطلب من المدير أن يلقي خطباً طويلة في مدح موظفيه أو يقبلهم ويأخذهم بالأحضان، بل على العكس كلمة شكر بسيطة يمكن أن تحدث تأثيراً كبيراً في نفسية الموظف، ويا حبذا لو رافقتها علاوة أو زيادة في الراتب.
مدح الموظف والثناء على مجهوداته لن يكلف المديرين شيئاً، ولكن الدراسات تشير إلى أن هذا من الممكن أن يكون له التأثير ذاته الذي تحدثه المكافأة المالية.
في عام 2008، أشارت شركة الاستشارات «وايت ووتر» إلى أن الإشادة بالموظف تؤثر إيجابياً على رضاه الوظيفي بنفس القدر الذي تحدثه زيادة قدرها %1 في راتبه.
الفكرة باختصار هي أن الموظفين يهتمون بأكثر من مجرد الترقيات والرواتب. فهم قبل كل شيء أفراد يرغبون في الحصول على الاحترام والتقدير المعنوي لمجهوداتهم، كما يرغبون بالشعور بأنهم جزء مساهم في فريق ناجح.
أخيراً، إن الإشادة بجهود الموظفين من جانب مديريهم ترفع من معنوياتهم وتجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم، وهو ما ينعكس إيجابياً على أدائهم في العمل، وعلى ولائهم للمؤسسات التي يعملون بها. ولكن مرة أخرى نؤكد أنه يجب الإشادة بالإنجازات الحقيقية فقط، كما يجب أيضاً أن تكون ملاحظات المدير على أداء الموظف بناءة ومحددة. (أرقام)

شاهد أيضاً

الاستثمار في المرأة مفتاح التنمية المستدامة

Share