الجمعة , 20 يونيو 2025

ما سر عداء الفلاسفة للمرأة عبر التاريخ؟

تباينت أراء مجموعة من المتخصصين حول “ رابط الفلسفة والمرأة”، وأسباب المواقف العدائية من قبل الفلاسفة عبر التاريخ تجاه المرأة، باستثناء بعض الفلاسفة في الأزمنة الحديثة مثل “الماركسية والليبرالية”.
وهنا يرى أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة في الجامعة الأردنية د.توفيق شومر، أن النظر بدونية للمرأة من قبل الفلاسفة الغربيين يندرج بشكل أساسي من الفهم السائد لدور المرأة في المجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء الفلاسفة. فالواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي لكثير من المجتمعات كان يضع المرأة في درجة دونية ولا يحترمها. ولم يكن هذا هو الحال في كل المجتمعات، فالعديد من المجتمعات الشرقية والأفريقية كانت تنظر للمرأة بشكل مختلف، ولم يكن مفكروها يقدمون الصورة عينها التي قدمها الفكر الأوروبي عن المرأة.
ويوضح شومر أنه بالرغم من هذا الواقع، إلا أن التاريخ يتحدث عن كثير من النساء في الفلسفة، ولكنهن ظللن في الظل. وليس أدل من أن أخوات “فيثاغورس” الفلسفي والرياضي اليوناني هن من علمنه الفلسفة، ومثال آخر هو هيباتا الفيلسوفة الأسكندرانية من القرن الرابع الميلادي، وقد يكون من المستغرب فعلاً أن هذه النظرة الدونية للمرأة استمرت عند الكثير من الفلاسفة الأوروبيين حتى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر، بالرغم من النضج الكبير في موضوع المواطنة وحقوق الإنسان.
ويبين شومر أن “فلسفة ماركس والوجودية”، هما الأكثر تنويراً بهذا الخصوص، وإن كانت الليبرالية تتبجح بحقوق الإنسان والمساواة، إلا أن هذه الحقوق لم تمنح للنساء إلا بعد نضال طويل وتضحيات جسام. وبعض الدول “الليبرالية” لم تمنح حق التصويت للمرأة إلا في منتصف القرن العشرين، لافتا الى أنه اليوم ومع قلة عدد النساء المشتغلات بالفلسفة إلا أنهن قد تبوأن مواقع مهمة فلسفياً، ومن أهم الأسماء في القرن العشرين: “سيمون دي بوفوار، وحنه أرندت، ونانسي كارترايت”.
ومن جهتها، تقول د.لينا جزراوي “إن الأسطورة القديمة طالما صورت المرأة بصورة سلبية، وظهرت في كثير من الأساطير القديمة مثل أسطورة “جلجامش” لحضارة بلاد الرافدين، وأسطورة “الندّاهة”، الأسطورة المصرية القديمة، وأسطورة “المرأة الأفعى”، اليونانية، وأساطير أخرى كثيرة، لقد صُورت المرأة على أنها رمز للشر، وعابِثة ومفتعِلة للمشاكل، وكانت الصورة الإيجابية الوحيدة التي تظهر بها المرأة في الأساطير هي في قدرتها على الإنجاب؛ حيث اعتُبرت رمزاً للخصب، وسراً من أسرار استمرار الكون”. وتشير جزراوي إلى أن صورة المرأة في الفلسفة تأثرت بالأساطير، وكانت امتداداً لها. لذلك نجد أن الفلسفة الإغريقية وعلى الرغم من التحولات والتطورات على صعيد الفكر والثقافة، إلا أن المرأة لم تحظ فيها بأي دور أو مكانة. لقد أثر أرسطو كثيرا في التراث الفلسفي الإنساني، وأقام بناءه الفلسفي على إخضاع ما هو أدنى الى ما هو أعلى، وقرر أن الرجال الأحرار هم الكائنات الأعلى التي تمثل الجزء العاقل في الطبيعة، أما النساء والعبيد فهم الكائنات الأدنى، وذلك لعجزهم عن استخدام عقولهم إلا في ما يفيدهم في أداء وظائفهم التي يحددها السادة، ووظيفة النساء هي إنجاب الورثة.
وتنوه جزراوي لما قاله المفكر المصري إمام عبدالفتاح إمام في كتابه “أفلاطون والمرأة”: “كان الارتباط قويا طوال التاريخ بين الملكية الخاصة ووضع المرأة في الحريم؛ لتكون وعاء نقيا لإنتاج سلالة مضمونة من صلب الرجل، وكان دور الفيلسوف لحقبة طويلة من الزمن تقنين هذا الوضع المتدني للمرأة، وتقديم المبررات العقلية، أو الطبيعية، أو البيولوجية، أو السياسية”، لافتا الى أن بعض المؤرخين يُرجع دونية المرأة وصورتها السلبية في الفلسفة الى العامل البيولوجي، وحالة الضعف التي تسببها لها عمليات الولادة، وهي أمور عرفها الفلاسفة حيث كانوا مشتغلين بالطب والبيولوجيا، وآخرون يرون أن تدني مكانة المرأة في الفلسفة بسبب مفهوم الملكية الخاصة والذي ظهر بعد انهيار المجتمع الأمومي، ورغبة الرجل بالاستئثار بالأرض ومن عليها، بما فيها المرأة وتملكها، ورغبته بأن تنتج له سلالة نقية من الورثة تكون من صلبه، بعد أن كان الزواج مشاعا في العصر الأمومي.
يختلف أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية د.جورج الفار حول موضوع المرأة والفلسفة، ويعتبر أن موقف بعض الفلاسفة من المرأة لا يعكس موقف الفلسفة نفسها منها، فالفلسفة كمنظومة فكرية راقية تعكس بالضرورة فكراً راقياً بحيث تنظر إلى المرأة كشخص إنساني حر كامل الحقوق والواجبات، بعيداً عن التنميط وثقافة الاستهلاك والتحقير أو العنصرية والتفريق على أساس من الجنسوية، ولكن بعض الفلاسفة، بوصفهم أبناء لمجتمعاتهم وحقباتهم التاريخية، وقفوا موقفاً اجتماعياً وتاريخياً دونياً من المرأة دون أن يتعمقوا عقلياً وفكرياً في قضية المرأة، ومنهم أفلاطون الذي ساوى بين الرجل والمرأة في جمهوريته العتيدة ونزع عنها صفاتها الأنثوية، ودعا لأن تنخرط في مهمة الحراسة كالجند في جمهوريته. بينما وقف أرسطو موقفاً سلبياً من المرأة كما وقف من مسألة العبيد وتركهم للعمل البدني وأقصاها عن العمل الفكري والنظري.
ويوضح الفار أكثر الفلاسفة عداء للمرأة كان “نيتشة” وبتأثير من معلمه شوبنهاور ومن تجربته الخاصة؛ حيث قال “لا تذهب إلى المرأة إلا والسوط معك”، فيما تطور الفكر الفلسفي فيما بعد لنرى فلاسفة يناصرون المرأة ويناصرون حقوقها، فيما اشتهرت نساء عديدات بين الفلاسفة أقدمهن الفيلسوفة الكلبية (هيبارخيا) في القرن الرابع ق.م.، كما اشتهرت الفيلسوفة الأسكندرانية هيباثيا في القرن الرابع ب.م. وبين الفيلسوفات اللواتي يشار لهن بالبنان في الفلسفة المعاصرة كل من روزلكسبورغ من المدرسة الماركسية وسيمون دي بوفوا من المدرسة الوجودية وحنة أردنت الفيلسوفة السياسية وغيرهن كثيرات.
ويتحدث الفار عن تجربته أثناء دراسته في الولايات المتحدة، قائلا: “قامت ثلاث سيدات بتدريس مواد مختلفة في الفلسفة، وكن يحظين بعقل ألمعي وبحضور مبهر نال الاحترام من الجميع، تعرف الفلسفة الإنسان بأنه كائن حر الإرادة ومنتج وذو عقل يفكر قادر على المعرفة ويسهم في بناء الحضارة دون أن تفرق بين رجل وامرأة ودون أن تركز على الاختلافات البيولوجية أو التنميطية والاجتماعية، فالفلسفة منظومة عقلية تعترف بالمرأة ككيان حر كامل العقل والأهلية أسهم ويسهم في رفعة البشرية، وبناء الحضارة على أساس من العدل والحرية والمساواة”.
وفي سياق آخر، ترى د.آمال جبور، أن أفكار الفلاسفة عبر التاريخ تعبر عن النزعة الذكورية الدونية الكارهة للمرأة، وهذه النظرة موجهة إما لجسدها أو فكرها أو عاطفتها، أما بالنسبة لفلاسفة آخرين فمهمة المرأة في الحياة خالصة لراحة وإسعاد الرجل، وموقف الفلاسفة عموما من المرأة سلبيا يكرس دونيتها، مثل آراء “أرسطو”، الذي يرى أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة، و”أفلاطون”، يرى أن المرأة أدنى من الرجل من حيث العقل والفضيلة، وكان يزدري أمه لأنها أنثى!، “سقراط”، كان يرى المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلا، لكن الطيور تموت عندما تأكل منها. وتذكر جبور بعض أقوال الفلاسفة وتم تداولها على أنها حقائق حول المرأة مثل رأي “نيتشة”: “الرجل خلق من أجل الحرب، أما المرأة من أجل استراحة المحارب”، أما “برنارد شو”، فقال “من قال إن المرأة ليس لها رأي؟ المرأة لها كل يوم رأي جديد!”، ومع فلاسفة الأنوار “جون جاك روسو”، يرى أن المرأة لم تخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل وإقناعه بحسنها وجماله، أما “إيمانويل كانط”، فيرى أن “عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل”، ونجد نيتشه يرى أن المرأة في أفضل الأحوال ما تزال حيوانا كالقطط والكلاب والأبقار وأنها تتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال.
وترى جبور أن فيلسوف شوبنهاور، بقي معاديا للمرأة بسبب موقفه من والدته، فهو يرى المرأة عيبا من عيوب المجتمعات، واتجهت فلسفة “جون لوك” إلى إقصاء المرأة عن الحياة الاقتصادية ولم ترفع قيمة المرأة عن مستوى الممتلكات، وكذلك “هيجل، هيوم وفرويد، ديكارت، هوبز”، وغيرهم من كبار عقول الفلسفة الغربية، وبقيت الصورة السوداء للمرأة على طول تاريخ الفلاسفة، وانعكست هذه التصورات على واقع المرأة داخل مجتمع الفلاسفة إلى اليوم، فالصورة السيئة عن المرأة منبتها الفلسفة اليونانية، باعتبار الرجل مصدر القوة، أما المرأة فهي مصدر العاطفة واللاعقلانية.
وقدم د.أحمد العجارمة رؤية مختلفة عما سبق، فيتحدث عن موقف ابن رشد من المرأة، وهو الفليسوف الذي سبق عصره، فقد رأى ابن رشد أن “المرأة تشترك مع الرجال في الأفعال والغاية الإنسانية وأنه لا مانع من ممارسة المرأة للأعمال التي تتقنها، وأن النساء مؤهلات لأن يصبحن حكيمات (أي طبيبات وفيلسوفات)”، وأنه لا مانع من أن تتولى المرأة الرئاسة والحكم. وحول رأي ابن رشد في النساء ورياستهن، نبرز أربع ملاحظات مهمة لابن رشد في هذا السياق على النحو الآتي: “مبدئياً، إن النساء والرجال نوع واحد في الغاية الإنسانية، وتشترك النساء مع الرجال في الأفعال الإنسانية، وإن اختلفن عنهم بعض الاختلاف. فالرجال وإن كانوا أكثر كداً في الأعمال الإنسانية من النساء، فمن غير الممتنع أن تكون النساء أكثر حذقاً في بعض الأعمال، كما يظن ذلك في الموسيقا”.
ومن الناحية العملية، يتابع العجارمة “فإننا نرى النساء يشاركن الرجال في الصنائع، وأنهن في ذلك أقل قوة، إلا أنهن أشد حذقاً في بعض الصنائع كصناعة النسيج مثلاً.. ولا يمنع أن يكون بينهن حكيمات أو صاحبات رئاسة”، من الناحية الشرعية: “لما ظُن أن يكون هذا الصنف الأخير من النساء نادراً، منعت بعض الشرائع أن يكون فيهن إمام”، وفيما يتعلق بوضعية المرأة في المجتمع العربي في الأندلس، يضيف ابن رشد “وإنما زالت كفاية النساء في هذه المدن “مدن زمانه”، لأنهن اتخذن للنسل دون غيره، وللقيام بأزاوجهن.. ولكونهن حملا ثقيلا على الرجال، صرن سبباً من أسباب فقر هذه المدن، وهي الملاحظات يوردها ابن رشد في كتابه “الضروري في السياسة أو مختصر كتاب السياسة لأفلاطون”، يتبين لنا كم كان موقف ابن رشد متقدماً وسابقاً لعصره”، بحسب العجارمة.

شاهد أيضاً

الاستثمار في المرأة مفتاح التنمية المستدامة

Share