تختلف الأسباب التي يترك فيها الموظف مكان عمله، بين عدم الراحة في المكان أو الحصول على فرصة أفضل. وبالعودة إلى السبب الأول، فإن الموظف عندما يترك عمله، فإنه يترك مديره بالدرجة الأولى.
عندما تسود حالة من عدم التفاهم بين الموظف ومديره، أو زيادة الضغوط من قبل المسؤول، لابد أن تظهر علامات التوتر والقلق والكآبة على الموظف، بانتظار أقرب فرصة للانتقال إلى مكان آخر للعمل، وهنا لا بد من أمرين، الأول: تدريب المديرين صحياً ونفسياً، والثاني: منحهم المزيد من الاستقلالية من قبل أرباب العمل.
إيما جاكوبس
«الموظف لا يترك عمله، بل يترك المدير». هذا القول المأثور هو مؤكد في تقرير يُبرز دور المديرين التنفيذيين في تحديد علامات التوتر والقلق والكآبة لدى الموظفين.
الدراسة التي تحمل عنوان «الريادة في الرفاهية العقلية: دور المديرين التنفيذيين»، تحثّ هؤلاء المديرين على تعلّم كيفية اكتشاف علامات التوتر والقلق والكآبة لدى العمال، كما تدعو أرباب العمل لدعم المديرين التنفيذيين الذين يفتقرون إلى الاستقلالية.
ديفيد تول مساعد مدير التوصيل لدى مؤسسة البريد «رويال ميل» يفهم أهمية الحساسية التي يتمتع بها المديرون التنفيذيون. ويقول إن نوبة الكآبة، التي يصفها بحالة الشخص الذي يحاط ببطانة، «حيث يحل الظلام فجأة»، أجبرته على أن يكون شارد الذهن في العمل.
شعر تول بأن هناك تجاهلا لحالته ومحنته، وأن كمية العمل والضغط زادت عليه. ولكن وصول مدير جديد ومتعاطف منحه فرصة للتعبير عن مشاكله، وتقليص عمله. «لولاه، لكانت حالتي النفسية تدهورت، ولكنتُ قد غرقت في مزيد من اليأس»، كما قال.
هناك جمعية متخصصة تنصح المديرين التنفيذيين بتطوير أسلوب ودي: «اطرح أسئلة بسيطة ومنفتحة وغير منحازة حول الصحة النفسية والعقلية للشخص المعني، وامنح أعضاء فريق العمل فرصة كي يتواصل بعضهم مع بعض بخصوص ما يُريحهم في مكان العمل»، كما يفيد تقريرها. كما تشجّع كبار المديرين التنفيذيين على توفير الدعم للمديرين من المناصب الأدنى، لا سيما هؤلاء المعرضين للإجهاد.
واكتشف بحث أجرته جامعة كولومبيا، خلال العام الماضي، أن المديرين الوسطيين يضطرون إلى امتصاص عدم رضا من هم في مناصب أقل كما يفعلون ذلك لمن أعلى منهم، مع ذلك يشعرون بالعجز في إحداث أي تغييرات.
تدريب نفسي
أحد مديري الخدمات المالية الذي عانى من القلق العميق واضطر إلى أخذ عطلة بسبب ذلك، يتحدث عن أهمية إيجاد الوقت والنبرة والمكان السليم للتحدث حول ذلك: «من الصعب على الناس التحدث عن أمور كهذه، ونحن بحاجة إلى جعل ذلك الأمر أسهل».
التقرير الأحدث يحث أصحاب العمل على توفير التدريب للمديرين في مجال الصحة العقلية والنفسية. ونشره تصادف مع يوم «حان وقت الحديث»، الذي يُبرز أهمية المحادثات المفتوحة والدورية بخصوص الرفاهية العقلية والنفسية.
ورغم ازدهار سوق العمل، فإن أحدث تقرير من كبير موظفي الحكومة في القطاع الطبي يقدّر بأن نسبة عدد أيام المرض التي يتم فقدانها بسبب «التوتر والكآبة والقلق» قد ارتفعت بمقدار %24 بين الأعوام 2009 و2013.
وأفاد تقرير نُشر، أخيراً، في مجلة «العمل والتوتر» بأن إعادة هيكلة مؤسسة ما يؤثر بشكل سلبي في رفاهية الموظفين، بغض النظر إذا كان هناك فقدان للعمل أم لا. كما أن هناك أسبابا أخرى لنشر الضغط وتكثيفه، أبرزها ثقافة العمل التي ساهمت بها الهواتف الذكية، والتي تتطلب استنفاراً ووجوداً دائمين، إضافة إلى وجود حاجة للتعامل مع الزبائن والزملاء في الجانب الآخر من العالم.
ولأنها باتت تعترف بتأثير العمل على الصحة النفسية، فإن الشركات تعرض حاليا دورات تدريبية حول تنبيه الذهن ومرونة الصحة النفسية، إضافة إلى وضع برامج مساعدة للموظفين بهدف تزويدهم بوسائل جيدة للتعامل بشكل أفضل مع التوتر والقلق. وهذا ينطلق من فهم الشركات المذكورة لحقيقة أن وجود موظفين أصحاء هو أمر جيد لصحة الشركة أيضاً.
وأفادت دراسة، نُشرت العام الماضي في مجلة العلوم النفسية التطبيقية، بأن «القلق يتداخل مع قدرة الناس على معالجة الأحداث المباشرة، بما يتسبب بأداء أقل». هناك أيضاً قلق بين أصحاب العمل حول إمكانية مقاضاتهم من قبل العمال، والضرر بسمعة العلامة التجارية، وهو ما يؤثر لاحقاً على التوظيف.
التكنولوجيا والقلق
تقول نيرينا رملاخان الخبيرة في إدارة التوتر إن اهتمام الشركات والموظفين في ورش الأعمال الخاصة بمكافحة القلق ارتفع خلال العقدين الماضيين. «هناك مزيد من الخوف. الناس باتوا أكثر قلقا بخصوص الأمن الوظيفي».
أما غي ستاندينغ صاحب كتاب «غير المستقرين: الطبقة الجديدة الخطرة»، فقد كتب ان «القلق هو سمة أساسية» لهؤلاء الموجودين في وظيفة عارضة أو غير مستقرة.
كما أشار التقرير الى أن %95 من الأشخاص الذين اضطروا إلى أخذ إجازة بسبب التوتر في عملهم، كذبوا بشأن الأسباب الحقيقية لذلك الغياب وقدّموا أسبابا أخرى. وتبين أن نصف العمال يقولون إنهم يشعرون بشكل غير مريح عندما يتحدثون مع رب عملهم حول صحتهم العقلية. حتى ان بعضهم يشعر بالقلق لأن التكنولوجيا مثل «فيتبيت باندز» أجهزة الرصد والمراقبة التي تم تجريبها من قبل بعض أرباب العمل لتشجيع الصحة العقلية ووقف الغياب المرضي، قد تُصبح مثيرة للإزعاج.
ويلاحظ ويل دايفيز صاحب كتاب «الصناعة السعيدة» أننا نعيش في وقت «الوفرة العقلانية العلمية، حيث يمكنك فهم مشاكل العمل من خلال البيانات الموضوعية. قد تكون التكنولوجيا خرقاء في هذا الوقت، ولكنها ستصبح أكثر طبيعية»، ولكن مع تقدّم التكنولوجيا يسأل: كيف ستكون ردة فعلنا عندما يتم تحليل مشاعرنا آلياً؟